ترك برس

بعد طول جدال ومرحلة من التوتر بين البلدين، توصلت تركيا والولايات المتحدة الأمريكية إلى تسوية بشأن مدينة منبج في أقصى شمال سوريا، تقضي المرحلة الأولى منها بانسحاب عناصر تنظيم "ب ي د/ي ب ك" الإرهابي في موعد تحدده واشنطن. وفي مرحلة ثانية، بعد 45 يوماً من تاريخ 4 يونيو/حزيران الحالي ستجري عمليات تفقد عسكرية مشتركة بين الطرفين في المدينة، على أن تشكل لاحقاً إدارة محلية جديدة في المدينة التي تقيم فيها غالبية سكانية عربية.

وبعد يوم واحد من اتفاق البلدين، أعلن تنظيم "ي ب ك" المدعوم من واشنطن، انسحاب من أسماهم "مستشاريه" العسكريين من المدينة الواقعة غربي نهر الفرات، والتي انتزعها من تنظيم "داعش" الإرهابي يوم 15 أغسطس/ آب 2016.

ولم تُنشر تفاصيل اتفاق التسوية المعروفة باسم "خريطة الطريق" رسميا، إلا أن مسؤولا في الخارجية الأميركية قال أمس إن الهدف منها هو "الإيفاء بالالتزام الأميركي بنقل عناصر ب ي د/ي ب ك إلى شرق نهر الفرات"، وإن المسألة تتعلق "بإطار سياسي أوسع ينبغي التفاوض حول تفاصيله"، مشيرا إلى أن تطبيقه سيتم "على مراحل تبعاً للتطورات الميدانية".

وفي هذا السياق، اعتبر الكاتب التركي "بيرجان توتار" أن تراجع واشنطن في سوريا وقبولها بانسحاب عناصر "ي ب ك" هناك إلى شرقي نهر الفرات، في توقيت حساس قبيل الانتخابات التركية، كان بمثابة مؤشر على قوة الردع التركية في المنطقة.

وأوضح الكاتب في مقال له بصحيفة "صباح" التركية، أن خارطة الطريق المذكورة لن تكون محدودة بمدينة منبج فقط. بل ستعقبها مرحلة أخرى تشمل تطهير كافة الأراضي الممتدة من شرقي نهر الفرات وحتى سنجار وقنديل في العراق، من عناصر "بي كي كي/ي ب ك" الإرهابي، مبيناً أنه بهذا سينتهي تماماً تحالف واشنطن مع التنظيمات الإرهابية شمالي سوريا، والذي كان يتم تحت غطاء "دعم الأكراد".

ونقل الكاتب عن مانيش راي، منسق مركز "فيوس أراوند" للدراسات، أنه رغم القول بأن أنقرة وواشنطن ستتوليان إدارة المدينة في المرحلة القادمة، فإن "تركيا ستُدخل على الخط عامل السكان المحليين كما فعلت في عفرين، وستتولى الإدارة الفعلية وتقصي واشنطن"، وبالتالي، ستنتهي احتمالات تأسيس فيدرالية في سوريا.

وأفاد تقرير لمعهد "فورين بوليسي ريسيرتش" عام 2013، بأن الولايات المتحدة كانت تهدف إلى تقسيم سوريا إلى فيدراليات لتكون القوة الحاكمة في المنطقة. إلا أن الموقف التركي الحاسم عرقل تحقق هذا المشروع.

وفي تصريح له عقب توقيع التسوية المذكورة، أوضح نائب وزير الخارجية الأمريكي ويس ميشيل، أن هدفهم الأخير من هذه التسوية هو "الإمساك بتركيا في المحور الاستراتيجي الغربي"، وأن إلقاء نظرة على الخريطة سيكون كافيا لفهم أهمية الدور التركي في المنطقة.

ويرى "بيرجان توتار" أن أحد أسباب تخلي واشنطن عن "ب ي د/ي ب ك" هو تحذير نائب وزير الخارجية الأمريكي من أن استمرار الخلاف مع تركيا، يمكن أن يلحق الضرر بالأمن القومي الأمريكي لعدة أجيال قادمة.

ويضيف الكاتب أن من بين الأسباب الأخرى أيضاً لتخلي واشنطن عن "ب ي د/ي ب ك" بسهولة في سوريا والعراق، هو العامل الإيراني، إذ أن الإدارة الأمريكية اعترفت في وقت سابق بأن تركيا هي القوة الوحيدة التي بإمكانها موازنة الدور الإيراني في المنطقة على المدى البعيد.

ويختتم الكاتب بالإشارة إلى أن تركيا نالت في منبج ما كانت تتمناه، وستواصل إبراز تأثير قوتها في المنطقة.

ورغم غموض بنود التسوية الأميركية التركية واحتمال تعثرها عند البدء بتنفيذها حسبما يتوقع مراقبون، فإنها مثلت حلا وسطا أرضى الطرفين الأميركي والتركي في وقت واحد. ونقلت وكالة أسوشيتد برس عن المعارض التركي المقيم في واشنطن إيكان أردمير قوله في هذا الصدد إن "الغموض الإستراتيجي يتخذ صفة إنقاذية بالنسبة للطرف التركي".

وأضاف أن الاتفاقية "تتيح شراء الوقت إلى حين بلوغ الجولة الثانية من الانتخابات المقررة يوم 8 يوليو/تموز المقبل بحيث يمكن للحكومة التركية احتساب ما حصل نصرا لها"، وفقاً للجزيرة نت.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!