ترك برس - الأناضول

مازالت قصور مضيق البوسفور بمدينة إسطنبول التركية، تحافظ على جمالها ورونقها التاريخي، رغم ما تعرضت له على مر السنين، من حوادث وحرائق وكوارث طبيعية وبشرية. 

قصور بنيت قبل قرون من الخشب والأحجار، كانت في سابق العصور مقصدا لأفراد الأسرة الحاكمة، والعلماء، والبيروقراطيين، والباشاوات، والأطباء والحكماء. 
إلا أن الكثير من هذه المباني المنتصبة على ضفتي البوسفور، لم تصمد طويلا أمام انسياب الزمن، حيث تحول بعضها إلى مستودعات للفحم أو التبغ، فيما احترق البعض الآخر. 

أما القسم الثالث منها، فقد تغيّرت ملامحه الأصلية نتيجة أعمال الترميم التي تلت حوادث تعرض لها، فيما بيعت بعضها بأثمان بخسة من قبل أصحابها. 

** لمحة تاريخية 
ووفق مؤرّخ الفن سليمان فاروق غونجو أوغلو، فإن أولى القصور في العهد العثماني، بُنيت على ساحل البحرية في قضاء أيوب بمدينة إسطنبول، لتبدأ بعدها ثقافة بناء القصور بالانتشار شيئاً فشيئاً، والتوسّع نحو ضفتي البوسفور. 
وفي حديث للأناضول، أشار غونجو أوغلو، إلى عدم وجود قصور على ضفتي البوسفور حتى عهد السلطان سليمان القانوني. 
كما أن الكثير من القصور التي بنيت قديماً في إسطنبول وعلى ضفتي البوسفور، لم تصمد حتى الوقت الراهن، ومن أصل 600 قصر، لم يحافظ سوى نحو 150 منها على هيئته الأصلية عند بنائه لأول مرة. 

الخبير لفت أيضا إلى أنّ "القصور القديمة تتكوّن عادة من 3 طوابق، ويكون بجانبها مرفأ صغير للقوارب، لتأمين الوصول إلى تلك القصور، حيث بدأ استخدام المواصلات عبر البوسفور في عام 1926، وتوسع استخدامها في ثلاثينيات القرن الماضي". 

وفي ذلك الوقت، لم يكن شراء وبناء القصور والإقامة فيها، متاحاً آنذاك إلا لفئة قليلة من المجتمع، نظرا لأثمانها الباهظة، وصعوبة الاعتناء بها، والمحافظة عليها من الأضرار التي قد تلحق بها جرّاء الكوارث والحوادث الطبيعية والبشرية. 

** تنوّع معماري 
المؤرخ التركي يرى أن ما يميز القصور العثمانية المطلة على البوسفور عن مثيلاتها في الغرب، هو تنوع شكل بنائها وعمارتها وكونها تبعث الحياة رغم قدمها، فيما تعتبر القصور الغربية متشابهة جداً، وكأنها نسخة عن بعضها البعض، مما يورث الملل لدى زائرها بعد فترة من الزمن. 
وأشار إلى أن كل قصر من قصور البوسفور يمتلك ميزات خاصة به، ويعكس شخصية مشيّده والأفراد الذين سكنوا فيه. 
وحول ترميم وتعديل القصور التاريخية والإشراف عليها، ذكر غونجو أوغلو أن مديرية حماية الأصول الثقافية التابعة لوزارة الثقافة والسياحة التركية، هي التي تتولى هذه المهام، ويجري ذلك أحياناً بدعم من رجال الأعمال بالبلاد.

** رونق يتحدّى الزمن
وبحسب المعطيات التي حصل عليها مراسل الأناضول من مؤلفات ومنشورات دائرة الثقافة لدى بلدية إسطنبول الكبرى، فإنّ من أبرز القصور التاريخية المطلّة على مضيق البوسفور: 

- قصر السلطانة أسماء: كان لهذا القصر فيما مضى جمالاً سحرياً، ولم يتبقّ منه اليوم سوى هيكله، ويقع في منطقة "أورطاكوي" بإسطنبول. 

بني القصر من قبل المعماري ساركيس بايلان، وأهدي عام 1788 للسلطانة أسماء ابنة السلطان عبد الحميد الأول، حيث كانت المرأة الوحيدة المرشّحة من قبل الجيش الإنكشاري، لتولي الحكم في تاريخ الدولة العثمانية. 
ويُستخدم القصر المذكور حالياً كمنشأة سياحية تستضيف حفلات الأعراس والمناسبات الهامة. 

- قصر السلطانة خديجة: في البداية كان صاحب القصر علي صائب باشا. وبعد وفاته اشتراه السلطان عبد الحميد الثاني وأهداه للسلطانة خديجة ابنة أخيه مراد الخامس، في يوم زفافها. 

تعرضت أساسات القصر لأضرار كبيرة عند بناء أعمدة جسر البوسفور (جسر شهداء 15 يوليو حالياً)، ليتم تفادي تعرضه للدمار لاحقاً، عبر بناء جدران تسند جوانبه. 

وحاليا، يُستخدم القصر فندقا بعد أن تم استئجاره لمدة 25 عاما. وهو القصر الوحيد الذي امتلكته سلطانة وحافظ على سلامته حتى يومنا هذا. 

- قصر محسن زاده محمد باشا: بناه محسن زاده محمد باشا الذي شغل منصب "الصدر الأعظم"، خلال فترة حكم السلطانين مصطفى الثالث وعبد الحميد الأول، ويعد إحدى أكبر قصور البوسفور. 

تم تحويله إلى منشأة سياحية، بعد أن استخدم لفترة معينة كمستودع للفحم. 

- قصر الوالدة أمينة نجيب باشا: يعتبر هذا القصر الساحلي الذي يُعد أحد أكبر قصور البوسفور، وثيقة حيّة ترجمت مجد البناء العثماني واستعرضت تفاصيله في الحقب الراهنة. 
بني القصر عام 1781 بأمر من رؤوف باشا الذي شغل منصب الصدر الأعظم في عهد السلطان العثماني محمود الثاني. 

تم، فيما بعد، ترميمه وتجديده من قبل علي باشا، الصدر الأعظم للسلطان عبد العزيز. 

ومع وفاة علي باشا، اشترى السلطان عبد الحميد الثاني القصر المذكور وأهداه للأميرة أمينة نجيب والدة خديوي مصر عباس حلمي باشا. 

ويتكون القصر من 48 غرفة ويبلغ طوله 76 متراً، ويعدّ حالياً مقراً للقنصلية المصرية في إسطنبول. 

- قصر الأفاعي: بُني في عهد السلطان سليم الثالث، وأول من امتلكه هو رئيس الكتاب حينذاك مصطفى أفندي. 
وخلال جولة له في البوسفور، أعجب السلطان محمود الثاني بالقصر وأراد شراءه، وكلف محاسبه سعيد أفندي بالبحث عن صاحبه ومعرفة ثمنه، إلا أن الأخير كان يطمع هو الآخر بشراء القصر. 
ولذلك، قال للسلطان بأن القصر المذكور بُني على صخور الأفاعي، وهو مهدد دوماً بخروج الأفاعي منها، ونجح في إقناع السلطان بعدم شرائه، ومن هنا استمد القصر اسمه الحالي. 
تعرض القصر لحريق سنة 1964، وتم شراؤه في 2001 من قبل شركة قابضة. 

- قصر يوسف ضياء باشا المصري: صاحبه يوسف ضياء باشا أحد التجار البارزين فيما مضى، وكان يمارس التجارة عبر سفنه بين إيطاليا والدولة العثمانية. 
استأجر القصر في 2002 من قبل شركة قابضة لمدة 25 عاماً. 

- قصر رجائي زاده محمود أكرم: يتكون القصر من 3 أبنية. وكان يُعرف بـ "قصر الكتّاب" في بدايات القرن العشرين، نظراً لتخصيصه للكتاب والأدباء من قبل صاحبه رجائي زاده محمود أكرم. 

وكان القصر مقصدا لأشهر أدباء وكتّاب العصر، يعقدون فيه المجالس الأدبية. 

- قصر عفيف باشا: يتميز بكونه ثاني أغلى قصر مطل على البوسفور، وأكثرها فخامة. 

وشهد القصر تصوير بعض حلقات المسلسل التركي الشهير "العشق الممنوع"، وتملكه الآن سيدة من عائلة صابانجي الثرية في تركيا. 

- قصر شاه زاده برهان الدين: يتصدر قصور البوسفور في الجمال، ويستمد اسمه من صاحبه الأول برهان الدين أفندي نجل السلطان عبد الحميد الثاني وأحبهم إليه. 
ويتميز بكونه الأول في البوسفور والرابع عالمياً في غلاء ثمنه. 
اشترى القصر عام 2015، أمير قطر الحالي الشيخ تميم بن حمد، وأهداه إلى زوجته الشيخة عنود.

- قصر سعيد حلمي باشا: ويسمى بـ "القصر الأسدي" نظراً لاحتواء حديقته على هيكلين لحيوان الأسد. 

استأجره لفترة وجيزة العاهل السعودي الملك فيصل، ليسكن فيه. 

- قصر حكيم باشي صالح أفندي: يقع بالقرب مع أعمدة جسر السلطان محمد الفاتح على مضيق البوسفور، ويعد من أهم وأجمل القصور المطلة عليه. 

كان صاحبه الأول صالح أفندي، وهو من أواخر رؤساء الأطباء في الدولة العثمانية، وانحصر ملكه حتى يومنا داخل أفراد الأسرة نفسها. 

وفي 7 أبريل/ نيسان الماضي، اصطدمت ناقلة حمولات بالقصر المذكور، ما أدى لإلحاق أضرار كبيرة به.

 

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!