د. علي حسين باكير - القبس الإلكتروني

يستعد حوالي 56 مليون ناخب تركي للتوجه الى صناديق الاقتراع الاحد المقبل في انتخابات مزدوجة، هي الأولى من نوعها في البلاد، حيث سيصار الى انتخاب رئيس، وبرلمان جديد للبلاد للسنوات الخمس المقبلة، فيما يعتقد على نطاق واسع أنّه افتتاح لعهد «الجمهورية الثانية» ذات النظام الرئاسي.

ونشطت مؤسسات استطلاع الرأي في الآونة الأخيرة في رصد اتجاهات الرأي العام والسلوك المتوقع للناخبين قبيل توجههم الى صناديق الاقتراع، فنُشِرت العديد من الاستطلاعات التي حملت نتائج متباينة فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية، لعل أبرزها عشر مؤسسات كانت قد أجرت استطلاعات في الفترة الممتدة بين 25 مايو و13 يونيو.

وتشير نتائج هذه الاستطلاعات كافة، الى انّ مرشّح حزب العدالة والتنمية رجب طيب أردوغان سيتفوّق في نهاية المطاف على جميع خصومه، لكنّ ثلاثة من أصل عشرة استطلاعات فقط أشارت الى أنّ أردوغان سيحصل على نسبة أصوات تتجاوز الخمسين في المئة، الأول استطلاع «فورسايت»، وسجّل %50.8 لأردوغان مقابل منافسيه، واستطلاع «ماك»، وسجّل 51.5%، وأخيراً استطلاع «أو آر سي»، وسجّل %53.4. هذا يعني انّ نسبة نجاح أردوغان في الجولة الأولى لا تتخطى الـ%30 من مجموعات الاستطلاعات العشر الأخيرة، وهو الأمر الذي لا يعكس التفاؤل الكبير الذي يبديه بعض المسؤولين في حزب العدالة والتنمية.

عند مقارنة نتائج الاستطلاعات الثلاث المشار إليها أعلاه ربطاً بتاريخ اجرائها، سنلاحظ انّه كلّما تقدّم الوقت تقلّصت هذه النسبة، أضف الى ذلك أنّ استطلاع «ماك» اعطى أردوغان نسبة %51.5 وهي نسبة قريبة جداً من النتيجة التي كان قد حصل عليها في أوّل انتخابات رئاسية شعبيّة في أغسطس 2014، وبلغت آنذاك %51.7. مثل هذه النتيجة تفترض أنّه سيكون قادراً على حصد أصوات حزبه وأصوات الغالبية العظمى من حزب الحركة القومية وبعض الأصوات الأخرى المستقلة او التابعة للأحزاب الصغيرة المحافظة.

أرقام متباينة

الاستطلاعات السبع الأخرى ما دون الـ%50، أعطت أردوغان نسباً مختلفة أعلاها %48.7 وسجّلتها «جيزيجي»، وأدناها %39.7 وسجّلتها «بيار». ومن الملاحظ في هذا المجال انّ الفارق بين نتائج الاستطلاعين يساوي تقريبا 10 نقاط، وهذا فارق كبير يتجاوز هامش الخطأ في الحسابات، علماّ انّ الاستطلاعين تمّ انجازهما في نفس التوقيت تقريباً. أضف الى ذلك انّ نتيجة استطلاع «بيار» تفترض أنّ أردوغان سيحصل على نسبة أقل من تلك يتحصّل عليها حزبه عادة وهي نتيجة لا تبدو منطقية.

وفي هذا السياق، تبدو نتائج استطلاع «بيار» متطرّفة لسببين. أوّلها، أنّها لا تعطي أردوغان أدنى نسبة فقط مقارنة بالاستطلاعات الثماني الأخرى، وإنما تعطي أيضاً مرشّحة حزب إيّي، ميرال أكشينار، أعلى نسبة مقارنة بالنتائج الأخرى المتعلقة بها وتبلغ %21.2.

في استطلاع «بيار» نفسه، يبلغ مجموع النسبة التي يحصل عليها مرشح حزب «الشعب الجمهوري» ومرشّحة حزب إيّي، مجتمعين حوالي %47.2، وهي نسبة كبيرة، إذا ما أضفنا إليها نسبة مرشح حزب الشعوب الديموقراطية، الكردي، صلاح الدين ديمرتاش، ومرشّح حزب السعادة، المحافظ كرم أوغلو، وجمعناها كأصوات للمعارضة فقد تصل الى حوالي %60، وهي نسبة لم يسبق ان قامت المعارضة بتسجيلها في أي من الانتخابات السابقة حتى عندما كان حزب الحركة القومية محسوباً عليها.

محرّم إنجة وميرال أكشينار

أمّا بالنسبة الى محرّم إنجة، وهو مرشّح حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، نلاحظ أنّ 8 من أصل 10 استطلاعات توقّعت ان يحصل على نسبة في العشرينات، أعلاها ،29.9 لمؤسسة ميديار، وأدناها %23.8 لمؤسسة أو آر سي. الفارق بين الحد الأدنى والأعلى يساوي %6 تقريباً، وهو فارق مقبول ربما، ويعطي فكرة الى حد بعيد عن الشريحة التي تمثّل حزب الشعب الجمهوري التي تأتي غالباً في هذه الحدود، اذ بلغ معدّلها في الانتخابات البرلمانية منذ 2011 حوالي %25. يفترض مثل هذا الأمر انّ قدرة إنجة على جذب أنصار من خارج الإطار الحزبي ستكون في حدّها الأدنى، وقد تتراوح في حدّها الأقصى %4، وهو أمر يخضع للنقاش على اعتبار انّ هناك شريحة من المحلّلين تعارض مثل هذا الاستنتاج، وترى ان محرّم قادر على جذب أصوات لا يستهان بها من خارج إطاره الحزبي، وهو ما تعكسه ربما نتائج استطلاع «سونار» و«فورسايت»، التي أعطت لإنجة %31.4 و%30.1 على التوالي.

وفيما يتعلق بمرشحة حزب إيي، ميرال أكشينار، فإن نتائج الاستطلاعات العشرة المتعلقة بها جاءت متفاوتة جداً، أعلاها %21.2 لمؤسسة بيار، وأدناها %8 لمؤسسة فورسايت. الفارق بين النسبتين شاسع ويقارب %13، ولعل أحد الأسباب المهمّة التي تدفع باتجاه مثل هذا المنحى، هو الضبابية المتعلقة بمعرفة حجم القاعدة الشعبية التي ستصوّت لها، فالحزب الذي أنشأته جديد ومن غير المعلوم بعد ما مدى القبول الذي يحظى به لدى العامة، ولذلك ستكون الانتخابات القادمة الاختبار الأول له.

النقطة الأخرى المثيرة للاهتمام في النتائج المتعلقة بأكشينار، هي ان 7 من أصل 10 استطلاعات سجّلت حصولها على نسبة تتعدّى الـ%10، علماّ أنّ ميرال كانت قد انشقّت عن حزب الحركة القومية الذي غالباً ما تتراوح النسبة التي يحصل عليها في حدود الـ%10، وهذا بدوره يضع علامات استفهام حول هوية القاعدة الشعبية التي ستصوّت لأكشينار والجهات التي ستستطيع اختراقها وأخذ الأصوات منها، سيما انّ هناك اجماعا، نظريا على الأقل، على انّ الغالبية العظمى من الأكراد بمختلف انتماءاتهم لن يصوتوا لها.

ديمرتاش وتصويت الأكراد

بالنسبة الى النتائج المتعلقة بمرشّح حزب الشعوب الديموقراطية، الكردي، صلاح الدين ديمرتاش، فهي في حدود الممكن والمتعارف عليه كردّياً. ديمرتاش كان قد ترشّح الى جانب أردوغان في الانتخابات الرئاسية أغسطس 2014، وحل آنذاك بالمرتبة الثالثة والأخيرة بنسبة %9.8. المفارقة انّ نتائج استطلاع «أكام» تشير الى حصول ديمرتاش على %9.3، وهي نسبة تكاد تكون متطابقة الى حد بعيد مع ما حصل عليه في الانتخابات السابقة.

في جميع الأحوال، وجود ديمرتاش في هذه الانتخابات هو مجرّد تسجيل موقف، لكن إذا استطاع الأخير جذب أصوات الاكراد المحافظين وأولئك الذين يميلون عادة الى حزب العدالة والتنمية فسيكون ذلك على حساب أردوغان في الغالب، وبهذا المعنى فقط يكون ترشّح قد خدم أجندة سياسية، خاصّة إذا صبّت الأصوات المؤيدة لديمرتاش لمصلحة مرشّح حزب الشعب الجمهوري في الجولة الثانية التي تشير نتائج هذه الاستطلاع الى انّ نسبة حصولها ستكون %70.

أمّا مرشح حزب السعادة، كرم مُلاّ اوغلو، فيمكن ملاحظة أنّ نتائج الاستطلاعات المتعلقة به مختلفة بشكل كبير، كما انّ أحدها «رمريس» أعطاه نسبة %3، وهي نسبة تبدو كبيرة لمرشّح الحزب المحافظ، وستكون إحدى المفاجآت إذا ما تحققت. قاعدة الحزب المحافظ محدودة جداً، ولا يوجد ما يؤيّد انه قادر على جذب أصوات من قبل أحزاب راسخة، لكن إذا استطاع مرشّحهم جذب المزيد من الأصوات من الخارج، فإن ارتفاع نسبة التصويت لمرشح حزب السعادة ستكون في الغالب، على حساب مرشح حزب العدالة والتنمية نظراً لطبيعة القاعدة الشعبية للحزب التي تتسّم بالتوجه الإسلامي المحافظ، والعكس صحيح كذلك.

سيناريوهات الجولة الثانية: أردوغان يواجه إنجة ويفوز بصعوبة

أجمعت كل نتائج استطلاعات الرأي المشار إليها أعلاه إلى أن الرئيس رجب طيب أردوغان سيحتل المرتبة الأولى، بغض النظر عن حسم المعركة الانتخابية في الجولة الأولى أو الانتقال إلى الجولة الثانية. في المقابل، أجمعت كل نتائج استطلاعات الرأي المتعلقة بمرشح حزب الشعب الجمهوري محرّم إنجة، وتلك المتعلقة بمرشحة حزب «إيّي»، ميرال أكشينار، أن محرّم سيحل في المرتبة الثانية، وهو ما يعني أنه سيكون المرشّح الأوفر حظاً في مواجهة أردوغان، إذا فشل الأخير في حسم المعركة في الجولة الأولى. وبالرغم من ان نتائج الاستطلاعات تشير الى تفوق أردوغان في الجولة الثانية، فإنّ المعركة حينها ستكون شديدة التنافس، وليس هناك شيء مضمون في نتائجه.

وكما هو واضح، فإن نتائج استطلاع «ريمريس» تشير إلى أنّ الفارق بين أردوغان ومنافسه إنجة في الجولة الثانية من الانتخابات لن يتجاوز الـ%0.4 في أقل حد، فيما تشير «كونسينسوس» إلى أنه سيصل إلى %10 وهو فارق كبير جداً، لا يوجد ما يدعم حصوله في الجولة الثانية، على اعتبار أن المعارضين لأردوغان، على مختلف مشاربهم، ستكون لديهم مصلحة في دعم إنجة، خاصّة أن الأخير، وعلى عكس مرشّحي التيار القومي اليميني، سيكون قادراً على الاستقطاب من هم خارج إطار دائرته الحزبية.

 

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس