إبراهيم قراقول – صحيفة يني شفق – ترجمة وتحرير ترك برس

لم يكن ترأس اردوغان لجلسة الحكومة في القصر الجمهوري قبل أيام، مماثلا لاجتماعات رئاسة الجمهورية الطارئة بالحكومة التركية، لأن ترأس أول رئيس جمهورية منتخب مباشرة من قبل الشعب للحكومة يعني البدء بأول خطوة على طريق الانتقال للنظام الرئاسي.

علينا فهم الفرق ما بين الأمثلة السابقة لترأس رئيس الجمهورية لجلسة الحكومة، والنقاشات السابقة حول النظام الرئاسي، وما بين ما يجري اليوم، فالوضع اليوم مختلف تماما. ويتمثل الاختلاف الرئيس بكون رئيس الجمهورية تم انتخابه واختياره بصورة مباشرة، وذلك بعد إجراء تعديلات هيكلية ورئيسية على بنية النظام السياسي في تركيا.

كان رؤساء الجمهورية في السابق يُنتخبون بصورة غير مباشرة، وكانوا ضعفاء، وحتى لو أنهم خاضوا في نقاش وحديث حول النظام الرئاسي، إلا أنهم كانوا يصطدمون بالنظام القائم الذي لا يسمح لهم بذلك، ولم يكونوا يملكون من القوة ومن الإرادة ما يؤهلهم لتغيير تلك البنية الهيكلية القائمة.

فُتحت الطرق المؤدية للنظام الرئاسي

لكننا اليوم أمام حقيقة واقعية تشير إلى قرب الانتقال للنظام الرئاسي، حيث عشنا تغييرات ملموسة ومحسوسة على البنية الهيكلية للنظام السياسي في تركيا، وهذا ما جعل تركيا الآن أمام مرحلة تاريخية. ولا شك أنّ فترة الانتقال هي فترة طويلة، وقد قام اردوغان خلال الأيام الماضية بفتح الطريق أمام هذا الانتقال والتحوّل، لهذا يستطيع اردوغان الحديث عن النظام الرئاسي بمعناه الحقيقي والملموس، وهو بلا شك يملك القوة والإرادة والدعم الشعبي لتحقيق هدفه.

وهنا لا تكمن النقاشات والخلافات حول هذا النظام لإمكانية تعزيز الديمقراطية واتخاذ خطوات أمامية على طريق الديمقراطية من عدمها، وإنما النقاشات تدول حول إذا ما كان باستطاعة حزب العدالة والتنمية تحقيق الأغلبية الكاسحة في الانتخابات المقبلة من أجل تغيير الدستور، ولاحقا لتغيير النظام الرئاسي، وذلك لأننا نشاهد عدة أمثلة ونماذج في دول ديمقراطية مختلفة، تُدار بالنظام الرئاسي.

علينا القبول بحقيقة أنّ اختيار الشعب المباشر لاردوغان "كرئيس" للجمهورية، يعني أنّ الأخير يحظى بثقة الشعب، وأنّ الشعب أراد له أنْ يكون بمستوى "رئيس" فعلي للجمهورية، وليس كما كان الرؤساء من قبله. ولا شك أنّ نجاح اردوغان بترؤس اجتماع الحكومة في القصر الجمهوري، سيزيد من ثقة الناس بالنظام الرئاسي، وسيقلل ذلك من الشكوك حول إيجابيات وجود هذا النظام خصوصا لتركيا، وهكذا ومع الوقت سيدرك الناس أهمية الانتقال للنظام الرئاسي.

لهذا أرادوا إيقاف اردوغان

في مقابل ذلك ستزداد حدة المعارضة والمعيقات، وفي الحقيقة تركيا منذ سنتين تتعرض لأزمة تتلوها أزمة، والسبب في ذلك محاولة منع اردوغان من تحقيق أهدافه والوصول إلى النظام الرئاسي.

كل الأمور السابقة التي حصلت من احتجاجات "غزي بارك"، مرورا بتحفيز عصيان العلويين، وغيرها من الأحداث، لم تكن سوى تدخل من الاستخبارات الغربية عن طريق "أصدقائهم" في الداخل من أجل تعطيل تلك المسيرة نحو التحول لمستقبل أفضل لتركيا.

وأثناء القيام بذلك حاولوا تأجيج الناس على اردوغان من خلال القيام بأعمال إرهابية في الأزقة والشوارع وفي الأحياء، حيث كان الهدف المشترك لكل تلك الأعمال هو شخص اردوغان نفسه، ومحاولة إقصائه عن حاضنته الشعبية الكبيرة، ليسقط من عين المجتمع والناس، وكانوا يريدون الإيقاع بعد ذلك بكل الأشخاص الذين دعموا اردوغان في هذه المسيرة، من خلال زجهم في السجون وإرجاع تركيا إلى دولة القرن العشرين القومية.

ولكي لا تحاول تركيا النهوض مجددا بعد القضاء على اردوغان وحاشيته، كانوا يريدون استهلاك كل مصادر الطاقة في تركيا خلال سنوات، وسحب تأثيرها في الدول صاحبة النفوذ فيها، وقطع الطريق أمام أخذ دور هام في المنطقة وفي النظام العالمي، من أجل تكبيل الدولة التركية لأطول فترة زمنية ممكنة.

ملخص الحديث، أرادوا جعل تركيا بجغرافيتها وسياستها تحت الهيمنة والوصاية كما كانت في السابق، وقطع الطريق أمامها لتصبح قوة إقليمية مستقلة عن الأقطاب العالمية.

تركيا الآن تلعب أخطر لعبة في تاريخها، وهو أكبر تحدي لها منذ انهيار الدولة العثمانية، وهي تزيد من حدة الاعتراض على معادلات التوازن في النظام العالمي، وتدعو الدول المظلومة لاتخاذ هذا الطريق، وهي تحضر مجتمعها ونفسها من أجل خوض غمار هذا الكفاح والتحدي.

لهذا لم ينجحوا في إيقاف تركيا من المضي قدما في طريقها، وهكذا فشلوا في تحقيق سيناريو أوكرانيا في تركيا، بسبب إدراك الشعب التركي للمؤامرة الدولية، وبسبب فطرة الشعب السليمة.

ضربوا تركيا باستخدام جماعة غولن

بعد ذلك أدخلوا خطة انقلاب 17 ديسمبر حيّز التنفيذ، وجمعوا كل المعارضين لحزب العدالة والتنمية تحت عصابة واحدة، وعندما فشلوا، استخدموا المحافظين الذين تسللوا إلى كل شرايين الدولة حتى وصلوا إلى شعيراتها وإلى كل مفاصلها، وهكذا أرادوا إيقاف تركيا من خلال استخدام جماعة دينية، كانت تحظى بدعم شعبي، قبل أنْ يتم اكتشافها على حقيقتها وإظهار مؤامرتها وعمالتها أمام الناس.

وهكذا كانت محاولة الانقلاب هذه أشد خطرا من أحداث "غزي بارك"، لأنهم استخدموا طبقة دينية محافظة، وكانت قد دعمت حزب العدالة والتنمية من قبل، وبسبب ذلك سيعيش الكثير من المحافظين حالة من اللبس واللغط، حتى إنهم استخدموا مصطلحات متعلقة "بالفساد" لأنهم يدركون أنّ هذا أكثر ما يثير غضب المحافظين.

اكتشاف اردوغان لخيوط تلك المؤامرة أدى لاتخاذه ردة فعل قوية، وعندما حصل على الدعم اللازم من الشعب لمحاربة ومكافحة هذه الآفة، قضى عليها بصورة كبيرة، وأفشل مخططهم، وهكذا فشل السيناريو الذي حصل في مصر.

مرحلة العاصفة، وإغلاق تلك الأقواس

تقترب الانتخابات العامة، والعديد يعتقد أنه سيكون هناك محاولة ثالثة من أجل إيقاف تركيا، ولكي لا يحصل حزب العدالة والتنمية على أغلبية تؤهله لتغيير الدستور، وعند النظر فيما تبقى من ملفات يمكنهم استخدامها، فنرى أنّ ملف عملية السلام والمصالحة الوطنية مع الأكراد، وكذلك قضية الإرهاب، تحتل الصفوف الأمامية فيما يمكن أنْ يحصل من أجل التأثير على الانتخابات القادمة.

سيحاولون مجددا، وربما تكون تلك محاولتهم الأخيرة، لأن عدم نجاحهم مجددا سيعني إقفال كل الطرق والأدوات أمامهم التي كانوا يستخدمونها للتدخل في تركيا، وهم يدركون ذلك جيدا، لهذا يعتبرون المدة الزمنية المتبقية للإطاحة بمشروع اردوغان أصبحت ضيقة جدا.

وإذا سألنا أنفسنا، لماذا يهتمون إلى تلك الدرجة بتركيا ويحاولون قلبها رأسا على عقب؟

عند البحث عن إجابة هذا السؤال سنجد كل شيء أمامنا واضح، فالإرادة التي تمكنك من خوض كفاح الانتقال للنظام الرئاسي بحد ذاتها سبب من أسباب محاولات التدخل في تركيا، والسبب الآخر هو أنهم يريدون تصفية اردوغان وطاقمه، لأن تركيا بكل ما تملك تحضر نفسها للمستقبل، فهم يريدون القضاء على إرادة مؤسسيي تركيا الجديدة، لأن الوصول إلى تركيا الجديدة يعني تغييرا كبيرا في حسابات المنطقة، خصوصا وأنّ تركيا تحتل مكانة جغرافية تشكل لها بحد ذاتها مصدر قوة وتحكم كبيرين، وهذا سيقلل كثيرا من نفوذ القوى المركزية في المنطقة.

على تركيا أنْ تكون أكثر إدراكا لما يجري حولها، فكل تلك الأحداث التي حصلت في المنطقة ربما يراها البعض بأنها تصادف وقضاء وقدر، لكنها في الحقيقة ليست كذلك، فالفوضى والاضطرابات وعدم الاستقرار الذي يشهده الشرق الأوسط، يتطلب من تركيا أنْ تكون أكثر ديناميكية في التعامل مع ما يجري في محيطها.

لا يمكن لتركيا الضعيفة أنْ تتجاوز مرحلة العاصفة هذه التي تجري، أما تركيا اليوم، فلن تكتفي بتجاوز هذه الأزمة وهذه العاصفة التي تحاول قطع الطريق أمامها فحسب، وإنما ستتجاوز ذلك من أجل الرجوع إلى تاريخها، ومن أجل إقفال الأقواس التي فُتحت في القرن العشرين، ولتحقيق ذلك يجب إنشاء دولة بنظام سياسي يجعلها أكثر قوة وأكثر استقرارا، وهو ما يتمثل بالنظام الرئاسي.

عن الكاتب

إبراهيم قاراغول

كاتب تركي - رئيس تحرير صحيفة يني شفق


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس