إبراهيم كالن - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

توجه الناخبون الأتراك إلى صناديق الاقتراع في 24 يونيو/ حزيران في انتخابات حاسمة للرئاسة والبرلمان. ومرة أخرى كان مستوى المشاركة مرتفعا تجاوز أكثر من 80 في المئة. حصل الرئيس رجب طيب أردوغان على 52.5 في المئة من الأصوات أي ما يقرب من 10 ملايين صوت أكثر من أقرب منافسيه ليحسم إعادة انتخابه. وحقق حزب العدالة والتنمية  فوزا ساحقا آخر بنسبة 42.5 في المائة، وأصبح تحالف الشعب ، المؤلف من حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية، يتمتع بأغلبية مريحة في البرلمان.

تُظهر النتائج ثقة الشعب المستمرة في أردوغان وحزبه، ولا يقل أهمية عن ذلك الدعم المقدم للنظام الرئاسي الجديد. وفي معركة انتخابية شرسة ، أدار أدروغان حملة فعالة وحافظ على شعبيته بين الأتراك. صحيح أن أحزاب المعارضة حققت بعض النقاط، لكنها أخفقت في الحصول على دعم كاف لتحدي موقف أردوغان القوي في السياسة التركية. وبعد أن احتفظ السلطة لمدة 16 عاما وحقق الانتصار في جميع الاستحقاقات الانتخابية والدستورية ال 13 ، تفوق أردوغان على أقرب منافسيه بأكثر من 20 نقطة. ولا توجد شخصية سياسية أخرى على قيد الحياة في أي مكان في العالم يمكنها أن تنسب لنفسها هذا النجاح، الأمر الذي يكشف عن الكثير من العبقرية السياسة، وعن الحقائق الاجتماعية والسياسية للمجتمع التركي التي أخفق كثير من المراقبين الأجانب في فهمها.

ظل أردوغان وحزبه حزب العدالة والتنمية يتمتعان بشعبية كبيرة في تركيا بفضل سجلهما القوي منذ عام 2002، وما تزال الأغلبية الساحقة من الناخبين تثني على  قيادة أردوغان وتؤكد أنه نجح في إصلاح الاقتصاد التركي، وأنشأ نظامًا سياسيًا أكثر مرونة وشمولية وجعل الناس من شتى الخلفيات موضع ترحيب أكثر في مجالات الاقتصاد والسياسة والتعبئة المجتمعية. إن سر نجاح أردوغان هو سجله في جعل الشعب محل الاهتمام الأول. تجاوز أردوغان الصراع المستمر بين السياسات الحزبية وسياسات الهوية، وعمل بلا كلل  أو ملل على رفع مستوى مستويات المعيشة لملايين العائلات ذات الدخل المنخفض والمتوسط​​، وعلى الاستثمار في التعليم والصحة والبنية التحتية والطرق والمطارات والمساكن العامة. كان أردوغان نصيرًا لسياسات العدالة الاجتماعية التي عملت لصالح المجتمعات الحضرية والريفية في جميع أنحاء البلاد.

ولا يتعلق نجاح أردوغان فقط بسياسة الخدمة، فقد  فتح المجال الاجتماعي والسياسي للبلاد أمام مختلف الهويات، بما في ذلك المتدينون والأكراد والعلويون والأقليات غير المسلمة مثل اليهود والجماعة الأرثوذكسية اليونانية والأرمن والآشوريون. كما رفع الحظر على اللغة الكردية، وصار بمقدور للأكراد، مثل المجموعات العرقية الأخرى، التعبير عن أنفسهم بحرية، وفتح أمامهم الطريق للحراك الاجتماعي الرأسي والأفقي. والحق أن هناك كثيرا من الشخصيات الكردية التي تقف في صف اردوغان الذي يحتفظ بعلاقات قوية مع جميع شرائح المجتمع التركي بما في ذلك الأكراد. ومن خلال التمييز الواضح بين منظمة البي كي كي لإرهابية والأكراد، حرر أردوغان الأكراد من بطش وتدمير هذه الشبكة الإرهابية التي تهتم ببقائها أكثر من اهتمامها بالقضايا الحقيقية للشعب الكردي.

أما في السياسة الخارجية، فقد وسع أردوغان آفاق تركيا الدولية ووصل إلى مناطق متنوعة مثل أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. وهو لا يرى السياسة الخارجية على أنها لعبة محصلتها صفر: فعضوية تركيا في حلف الناتو وكونها دولة مرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي لا يتعارض مع ارتباطاتها  بأجزاء أخرى من العالم. وفي واقع الأمر، فإن وجود رؤية شاملة للسياسة الخارجية أمر ضروري لمصالح تركيا الوطنية في العالم المضطرب خارج حدود تركيا. ولقيت جهود تركيا في مساعدة شعوب العالم المضطهدة صدى في العالم ، وحصلت على دعم مئات الملايين من الناس في العالم الإسلامي وفي غيره من البقاع . إن دعوة أردوغان للعدالة العالمية التي يختصرها بشعار "العالم أكبر من خمسة" ، قد تثير غضب بعض مراكز القوى، لكنها تعالج أحد العيوب الأساسية للنظام العالمي الحالي. ومن ثم فليس من المستغرب أن يحتفل الناس بانتصاره الانتخابي ليس في تركيا فقط، ولكن في فلسطين والصومال وميانمار وأفغانستان وباكستان وآسيا الوسطى والبلقان وكثير من الأماكن الأخرى.

على المعارضة التركية أن تبدأ في تحمل المسؤولية عن أوجه القصور في داخلها، ذلك أنه خلال السنوات الـ 16 الماضية ، عزز أردوغان الرقابة المدنية على الجيش وقوض من نصبوا أنفسهم أوصياء على الدولة التركية. وفي هذ الصدد فإن الطريقة الوحيدة لممارسة السلطة السياسية في تركيا هي الفوز في الانتخابات الشعبية. وقد وضع أردوغان هذا التحدي أمام نفسه وفاز. ولذلك سيكون على أحزاب المعارضة أن تعمل بجد وأن تستمع بعناية أكثر للناخبين الأتراك بعيدا عن الخوض في المواقف المريحة من سياسات الهوية وحملات التشهير.

ترددت كثير من المعلومات المضللة حول الانتخابات التركية في الأسابيع الأخيرة. كان البعض في وسائل الإعلام الغربية بمثابة نشطاء سياسيين يروجون لمرشحي المعارضة بدلاً من الإبلاغ عن الحقائق على الأرض. ومثلما حدث من قبل مرارا، تبين أن توقعاتهم لسقوط أردوغان كاذبة توقعات خاطئة. وكان لتغطيتهم الانتقائية أجندة  واضحو للتلاعب بالقراء والمشاهدين ، لكن لم ينجح أي من هذه الأساليب، وهو ما يطرح أسئلة جدية حول مصداقية وسائل الإعلام الغربي. والأسوأ من ذلك أنها ما تزال تخفق في فهم الديناميات الاجتماعية والسياسية لتركيا، ولذا يجب أن تكون هذه الانتخابات درسًا آخر لها.

لم يتمكن بعض المراقبين الأجانب من توقع انتصار أردوغان، لأنهم يعتمدون على مصادر غير موثوقة للمعلومات من الأفراد والجماعات الهامشية التي تقدم وجهات نظر متحيزة أو تصل إلى استنتاجات حول تركيا في اجتماعات مغلقة في مراكز الأبحاث في العواصم الغربية.  أن بعض من يزعمون أنهم خبراء في الشأن التركي لا يملكون حتى المؤهلات الأساسية لتقديم أي تحليل جاد عن تركيا. إن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت في 24 يونيو لم تكن تتعلق بأردوغان فحسب ، بل بالمعارضة، والنتائج واضحة. وبينما تدخل تركيا حقبة جديدة مع النظام الرئاسي ، فإنها ما تزال جزيرة من الاستقرار والازدهار في منطقة مضطربة.

عن الكاتب

إبراهيم كالن

الناطق الرسمي باسم الرئاسة التركية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس