سينيم جينغيز - آراب نيوز - ترجمة وتحرير ترك برس

ما يزال صدى الانتخابات التاريخية التي جرت في تركيا في 24 يونيو/ حزيران يتردد.

للمرة الأولى في تاريخ تركيا السياسي، أجريت انتخابات رئاسية وبرلمانية في نفس الوقت. وللمرة الأولى تحول نتيجة الانتخابات النظام السياسي للبلاد من النظام البرلماني إلى الرئاسة التنفيذية، وللمرة الأولى دخلت الأحزاب السياسية السباق الانتخابي في تحالفات.

لأول مرة منذ توليه السلطة، واجه الرئيس، رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية تحديًا خطيرًا. فبعد سنوات كثيرة من هيمنة حزب العدالة والتنمية، ظهرت شخصية جديدة وقوية على المسرح السياسي التركي، هو محرم إينجه، المرشح الرئاسي عن حزب الشعب الجمهوري المعارض. وللمرة الأولى، بعد ما يقرب من ثلاثة عقود، كان إقبال الناخبين عاليا حتى بالمقارنة مع معظم الدول الغربية "الديمقراطية".

حملت الانتخابات كثيرا من المستجدات، ولكن شيئا واحدا لم يتغير: القوالب الأيديولوجية التي وضعتها وسائل الإعلام الغربية في خطابها تجاه تركيا والشعب التركي، فقبل الانتخابات غصت وسائل الإعلام الغربية بالمقالات والتقارير التي تحذر الأتراك من التصويت لأردوغان و"ديكتاتوريته". وهنا، من الأهمية بمكان أن أقول إنني لا أحاول الدفاع عن أردوغان أو حزبه، ولكن سأحاول  تسليط الضوء على إخفاق وسائل الإعلام الغربية والأكاديميات في فهم الرأي العام التركي، ناهيك عن السياسة التركية.

في السنوات القليلة الماضية، أظهرت نتائج الانتخابات أنه بقدر ما يكون الخطاب الغربي بشأن أردوغان أكثر حدة، فإنه هو وحزبه يثيران حماسة الشعب التركي ويحصلان على دعم أوسع. إن الغرب بخطاب "إملاء ما ينبغي على الشعب التركي القيام به"، وتبني موقف الاستعلاء إنما يدفع  الشعب التركي للوقوف إلى جانب أردوغان الذي يؤكد في خطاباته على دور "العملاء الأجانب" في محاولة الاستيلاء على مستقبل تركيا.

وعلى سبيل المثال، كتب صحفي في صحيفة الغارديان البريطانية مقالا افتتاحيا بعنوان "الصبي الفتوة أردوغان تهديد لتركيا - والعالم"، دعا فيه  الناخبين الأتراك إلى طرد أردوغان من منصبه. ولكن من الواضح أنه لم يحصل على الاستجابة المطلوبة من الشعب التركي.

عندما نشر موقع "ديلي بيست" الإخباري الأمريكي مقالاً يسأل فيه "هل يمكن للناخبين إسقاط أردوغان في تركيا؟" فإنه أخفق في فهم غالبية هؤلاء الناخبين الأتراك. وحتى المجلة الأكاديمية "فورين أفيرز" التي تحظى باحترام كبير، نشرت مقالا تحذر فيه الشعب التركي من أن الانتخابات فرصتهم الأخيرة لهزيمة أردوغان.

على مدى سنين طويلة وصفت وسائل الإعلام الغربية أردوغان بـ"السلطان" (هو وصف إشكالي في حد ذاته فيما يتعلق بالفهم الغربي للتاريخ العثماني)، وقبل هذه الانتخابات، احتلت مثل هذه الأوصاف عناوين الصحف في وسائل الإعلام الغربية.

لن أوجه في هذا المقال محاضرة لوسائل الإعلام الغربية حول أخلاقيات الصحافة وقواعدها، حيث إنها تجاوزت تلك القواعد والأخلاقيات في تغطيتها المتحيزة والأيديولوجية. لكن لدي بعض الملاحظات التي تحتاجها وسائل الإعلام الغربية لمعرفة الشعب التركي قبل أن تكتب تقارير ومقالات عن الانتخابات المقبلة في البلاد:

الملاحظة الأولى: أن الأتراك سواء أكانوا مؤيدين لحزب العدالة والتنمية أو أي حزب آخر، لا يقبلون بموقف متعال يملي عليهم ما يجب عليهم فعله. فعندما تحث وسائل الإعلام الغربية المواطنين الأتراك على التصويت ضد أردوغان، فإنهم يشعرون بالإهانة لأنه ينظر إليهم على أنهم أشخاص غير قادرين على اتخاذ قرار بشأن مستقبل بلدهم. وهكذا، لم ينجح النهج الغربي في التأثير في الخيارات السياسية للشعب، بل على النقيض من ذلك، فإنه عزز آراء الأتراك بشأن من يصوتون لصالحه.

الملاحظة الثانية: يجب على الإعلام الغربي أو الأكاديميين تجنب النهج "الاستشراقي" عند تفسير السياسة في تركيا، أو أي بلد شرق أوسطي. إن موقف "الشرق يريد هذا" ومن ثم "شعوبهم يجب أن تفعل هذا" لا يضر فقط صورة الغرب في أعين شعوب هذه المنطقة، بل إنه يوسع الفجوة بين "نحن" و"الآخرين" "التي وضعها الغرب نفسه.

الملاحظة الثالثة: أن وسائل الإعلام الغربية بتركيزها فقط على شخصية سياسية محددة، وهو أردوغان في هذه الحالة، فإنها لا تغطي سوى جانب واحد فقط من القصة في تركيا، بل وتقود إلى قراءة خاطئة لأوجه القصور أو الإنجازات الحقيقية للحكومة أو المعارضة. وعلى سبيل المثال، فإن فقدان حزب العدالة والتنمية للأغلبية في البرلمان يكشف الكثير عن أن الناخبين الأتراك يدركون جيداً أوجه القصور في الحزب الحاكم، وعن كيفية جعل الحكومة تدرك ذلك.

الملاحظة الرابعة: أن نسبة المشاركة في هذه الانتخابات التي قاربت 90 في المئة، تعكس كيف يؤمن الأتراك أن بإمكانهم التأثير في مستقبل بلدهم. يرى الأتراك سواء أكانوا مؤيدين أو معارضين للحكومة، أن مشاكل البلاد يمكن حلها عندما تتحقق الديمقراطية، وقد أظهروا هذا الإيمان من خلال ممارسة إرادتهم الديمقراطية. وكانت نسبة المشاركة أمرا لا يمكن تصديقه لدى معظم الدول الغربية التي تمدح ديمقراطياتها، فعند مقارنتها بفرنسا، على سبيل المثال، كانت نسبة المشاركة في آخر انتخابات 65٪، أو بالولايات المتحدة، حيث كانت نسبة المشاركة 55٪.

الملاحظة الخامسة: أن تركيا أكثر تنوعًا بكثير مما تصوره وسائل الإعلام الغربية، ومن ثم فهي تحتاج إلى فهم أعمق. وعلاوة على ذلك، فإن الدولة التركية أكثر بكثير من مجرد شخصية سياسية أو حزب واحد، والأتراك لديهم وجهات نظر سياسية واسعة. وإذا أرادت وسائل الإعلام الغربية أن تفهم حقا الديناميكيات في هذا البلد، فعليها أن تنحي جانبا تحيزاتها وأن تخرج من "عالم الأوهام" الذي يبدو أنها تعيش فيه.

ما لم تتخل وسائل الإعلام الغربية ومراكز التفكير عن هذا الواقع الوهمي الذي تؤمن به، فإنها ستستمر في الفشل في فهم الحقائق في تركيا، أو أي بلد آخر. إن الهوس الشديد يؤدي إلى القراءة الخاطئة للأمور المتعلقة بهذه المنطقة.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس