رسول طوسون – صحيفة ستار – ترجمة وتحرير ترك برس

يزعم الغرب أنه يهتم بمفهوم الديمقراطية ويحاول تلقين هذا المفهوم للآخرين أيضاً، لكن عندما تتعلّق المسألة بالدول الإسلامية يتحوّل الديمقراطيون لديكتاتوريين، والديكتاتوريون لديمقراطيين، وأبرز مثال على ذلك هي مصر، إذ يستمر عبد الفتاح السيسي بإدارة سلطته التي وصل إليها بدعم من الغرب في سنة 2013 من خلال انقلاب عسكري وقتل آلاف المدنيين، لكن في الوقت نفسه يشعر الغرب ذاته بكراهية تجاه أردوغان الذي وصل إلى منصبه من خلال الانتخابات الديمقراطية.

يعتبر الغرب أن السيسي قائد ديمقراطي على الرغم من أنه وصل إلى منصبه من خلال تنفيذ انقلاب عسكري أدى إلى الإطاحة بالرئيس المُنتخب "محمد مرسي"، ولم يسمح لخصومه بالمشاركة في الانتخابات الرئاسية، وأدخل الغش في نتائج الانتخابات ليفوز بنسبة 99% على الرغم من مشاركة 30% من الناخبين فقط في الانتخابات الرئاسية، وحكم على الرئيس المشروع "مرسي" بالسجن ومنعه من رؤية عائلته خلال الخمسة أعوام الأخيرة.

لكن في الوقت نفسه ينظر الغرب إلى أردوغان على أنه ديكتاتوري على الرغم من أنه وصل لهذا المنصب عقب صراع مرير ضد الانقلابات والهجمات الإرهابية ومحاولات الحصار الاقتصادي وغيرها من العوائق الأخرى، وفتح المجال لمشاركة مرشّحي المعارضة في الانتخابات الرئاسية وتغلّب عليهم واحد تلو الآخر، وحصل على نسبة 52% من الأصوات مع مشاركة 90% من الشعب التركي في التّصويت، كما سمح -لمن يريد- بزيارة "صلاح الدين دميرطاش" زعيم حزب الشعوب الديمقراطي المسجون بتهمة تشكيل الامتداد السياسي لتنظيم بي كي كي الإرهابي، ولم يكتف بذلك بل وسمح بمشاركة دميرطاش في الانتخابات الرئاسية أيضاً.

من خلال هذه المواقف يمكننا رؤية الوجه الحقيقي للغرب، لكن ما السبب في كراهية الغرب لأردوغان؟ لأن الأخير يعطي الأولوية لمصالح شعبه ودولته، ويُفشل مخطّطات الغرب تجاه المنطقة، فضلاً عن أنه يساهم في نهوض تركيا وزيادة قوتها يوماً تلو الآخر، في حين أن الغرب يريد تركيا ضعيفة لتبقى بحاجة الغرب دائماً، لكن أردوغان يبذل جهوده للوصول إلى دولة تركية مُكتفية وليست بحاجة أي قوة خارجية، ولهذه الأسباب لطالما كان الغرب الداعم الأكبر لجميع المبادرات المنفّذة ضد أردوغان، على سبيل المثال اعتقال مستشار منظمة الاستخبارات الوطنية والانقلاب العدلي في 17-25 ديسمبر/كانون الأول وأحداث مسيرة "تكسيم" وانقلاب 15 تموز/يوليو، لكن لحسن الحظ لم ينجح الغرب في أي محاولة من المذكورة.

مرّت خمسة أعوام على الانقلاب المدبّر من قبل السيسي في مصر، والغرب لم يُظهر أي ردة فعل عندما حكم السيسي على إعدام ثلاثة آلاف مواطن مصري خلال بث مباشر عبر قنوات التلفاز، واعتقال 60 ألف آخرين لأنهم معارضون لهذه الإدارة الظالمة، ومن الغريب أن هذه الإجراءات لا تُلاحظ من قبل منظمة حقوق الإنسان في الغرب، إضافةً إلى مرور خمسة أعوام على سجن مرسي وإبقاءه في غرفة منفردة بحجج بالية ومزاعم ضعيفة، لكن بطبيعة الحال هذه المسألة أيضاً لم تُحرّك الدوافع الديمقراطية التي يتباهى بها الغرب طوال الوقت.

من جهة الأخرى لا يتردّد الغرب في إدلاء التصريحات المتتالية للدفاع عن المساجين بتهمة الإرهاب في تركيا، والسبب الرئيس لمواقف الغرب المعادية لأردوغان هو عدم استسلام الأخير وتركيا للظلم والاضطهاد، ولذلك يفضّل الغرب دعم السيسي لأنه يسخّر إحدى أهم دول المنطقة -مصر- لخدمة مصالح الغرب، ويساهم في زيادة زخم الأزمات الناشئة في المنطقة، ويتّخذ خطوات تتسبّب بضرر أكبر من الذي تسبّبت به دولة الاحتلال تجاه فلسطين وشبعها، لكن الغريب في المسألة هو أن السيسي يُعتبر قائداً ديمقراطياً بالنسبة إلى الغرب على الرغم من أنه تسبّب في تدمير بلاده وتحويلها إلى ساحة سجن مفتوح، في حين أن أردوغان الذي يعمل من أجل نهوض تركيا وزيادة قوتها يُوصف بالديكتاتوري من قبل الغرب!

قد يكون الغرب واقعاً هاماً بالنسبة إلى تركيا في إطار المصالح المتبادلة، وكذلك إن الأخيرة تفضلّ استمرار العلاقات ضمن مجراها الطبيعي  لأن جزء هام من الأراضي التركية تقع ضمن الجغرافيا المعروفة بالغرب، كما أن هذا الواقع هو السبب في سعي أنقرة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لكن الغرب لم يعد يتردّد في تطوير سياسة معادية لتركيا وإظهارها علناً، ولذلك يبدو أن انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي قد أصبح احتمالاً مستحيلاً، وفي هذا السياق أعتقد أنه يتوجّب على الحكومة التركية إعادة النظر في التغييرات القانونية التي لا تناسب طبيعة المجتمع التركي ولكن تمّ تطبيقها من أجل إكمال معايير القبول في الاتحاد الأوروبي، لكن دون قطع العلاقات بشكل نهائي لأن المصالح المتبادلة تبقى مفيدةً لجميع الأطراف.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس