العربي الجديد

حملت الحكومة التركية الأولى في النظام الرئاسي الجديد الذي دخل حيّز التنفيذ، العديد من المفاجآت التي خالفت توقعات سادت في الفترة السابقة حول الوزراء الذين سيختارهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لقيادة البلاد في المرحلة الجديدة. ولعل أبرز المفاجآت جاءت باعتماد أردوغان على رجالات القطاع الخاص بشكل أساسي ثم يأتي التكنوقراط، وأخيراً 4 وزراء سابقين من حزبه "العدالة والتنمية" استقالوا من البرلمان الجديد، من بينهم صهره براءت البيرق، في وقت شكّل فيه تكليف رئيس هيئة الأركان خلوصي أكار بوزارة الدفاع المفاجأة الكبرى.

وضمّت الحكومة، التي أصبحت تحت سلطة رئيس الجمهورية وفق النظام الرئاسي الجديد، أسماء اختلفت عن التوقعات، فيما برز بشكل واضح غياب حليف أردوغان، حزب "الحركة القومية" اليميني، عن المشهد الحكومي، طارحاً تساؤلات عن مدى التعاون بين الحليفين في "التحالف الجمهوري"، إذ تنازل "الحركة القومية" عن رئاسة البرلمان أيضاً. وعلى الرغم من أن زعيم الحزب دولت باهتشلي، قال سابقاً إنه شكّل التحالف لحماية الدولة وليس لاقتسام المناصب، إلا أن المتتبع للسياسة التركية لا بد أن يتساءل عن ثمن عدم دخول "الحركة القومية" للحكومة، خصوصاً مع تحقيقه نتيجة غير متوقعة، ورغبته المستمرة في أن يكون فاعلاً في الحياة السياسية. وفي الوقت الذي انخفض فيه عدد نواب "العدالة والتنمية" في البرلمان الجديد إلى 290 برلمانياً من أصل 600، رأت أوساط متابعة أن سبب عدم وجود "الحركة القومية" في الحكومة هو تركيزه على التموضع داخل مؤسسات الدولة، والحصول على مناصب في مختلف هذه المؤسسات.

وفي قراءة لتركيبة الحكومة الجديدة التي تكوّنت من توازن ثلاثي، يمكن القول إن الأغلبية جاءت للقطاع الخاص، وليست للتكنوقراط كما كان متوقعاً، وبقيت الوزارات الهامة بيد "العدالة والتنمية"، الذي واصل أسلوبه بإسناد وزارتين لامرأتين، الأولى هي زهرة زمرد سلجوق، كوزيرة للعمل والخدمات الاجتماعية والعائلة، والثانية هي روحسار بكجان كوزيرة للتجارة، وهي مديرة تنفيذية في القطاع الخاص.

وكان أردوغان قد لمّح قبل إعلان الحكومة إلى إمكان اختيار وزراء من أعضاء البرلمان، لكن التسريبات لم تكن تتناول أسماء الوزراء. وتشي أسماء وزراء الداخلية والخارجية والعدل والخزانة، وهي وزارات سيادية هامة جداً في إدارة البلاد، بأن الهدف مستمر في مكافحة الاٍرهاب داخلياً، عبر إبقاء سليمان صويلو على رأس وزارة للداخلية، وهو له احترام كبير في الشارع التركي، وتنسب له نجاحات في مكافحة جماعة "الخدمة" المصنفة إرهابية، وحزب "العمال الكردستاني"، وتنظيمات مثل "داعش". كما أن استمرار وزير العدل عبد الحميد غل دلالة على استمرار نهج المحاكمات التي تجري بحق المتورطين في العملية الانقلابية الفاشلة التي جرت قبل عامين، خصوصاً أن القضاء كان ملعباً مهماً لجماعة "الخدمة". 

أما بقاء مولود جاووش أوغلو على رأس وزارة الخارجية، فيؤكد استمرار تركيا في نهجها بالعلاقات الدولية على ما هو عليه وبقاء سياسات أردوغان في المنطقة والعالم كما هي، ما يعني استمرار الاتفاقات الدولية مع روسيا وإيران حول سورية عبر مسار أستانة من جهة، ومع الولايات المتحدة حول منبج وغيرها، واستمرار العلاقات الاستراتيجية مع دولة قطر، إذ يولي أردوغان أهمية كبيرة لهذه العلاقة لحفظ التوازن في المنطقة، ومهندسها هو وزير خارجيته مولود جاووش أوغلو.

من جهة أخرى، فإن تكليف أردوغان لصهره براءت البيرق بوزارة الخزانة والمالية إشارة قوية للجانب الاقتصادي، إذ وضع الرئيس التركي أهم الوزارات بيد أحد أبرز المقربين منه والذي لديه شعبية وقبول في الشارع التركي، خصوصاً مع نجاحه في وزارة الطاقة بالحكومة السابقة. أما تعيين خلوصي أكار على رأس وزارة الدفاع، فكان من أكبر المفاجآت، ويدل على أن أردوغان عازم على الاستمرار في العمليات العسكرية خارج تركيا، خصوصاً في سورية والعراق. كما أن تكليف أكار كان مفاجئاً في ظل التساؤلات التي تُطرح دائماً في الداخل حوله وحول علاقته بالمحاولة الانقلابية الفاشلة. وبعد ساعات قليلة، أصدر اردوغان مرسوماً رئاسياً عيّن بموجبه قائد سلاح البر التركي الجنرال ياسر غولر رئيساً لهيئة أركان الجيش في البلاد خلفاً للجنرال آكار. فيما اختير نائب رئيس الأركان الحالي الجنرال أوميت دوندار، قائداً لسلاح البر خلفاً لغولر.

أما أردوغان، الذي أكد في وقت سابق أن أداء الوزارات سيكون أسرع وأكثر فاعلية عبر بنيتها في الإدارة الجديدة للدولة، فلم يتأخر في بدء ممارسة مهامه وصلاحياته الجديدة التي أعطاه إياها النظام الجديد، إذ دخل أمس حيّز التنفيذ مرسوم رئاسي، يقضي بأن يقرر رئيس الجمهورية الترقيات والتعيينات في قيادة الجيش. وبذلك تدخل الترقيات من رتب العقيد إلى عميد، ومن لواء إلى رتبة أعلى، ضمن صلاحيات رئيس البلاد. كما نصّ مرسوم رئاسي آخر، على إلحاق عدد من مؤسسات الدولة برئاسة الجمهورية، أبرزها رئاسة الشؤون الدينية، ورئاسة الأركان التركية، ورئاسة الاتصالات والأمانة العامة لمجلس الأمن القومي وجهاز الاستخبارات ورئاسة إدارة القصور الوطنية، ورئاسة الصناعات الدفاعية.

في سياق آخر، ومع تطبيق النظام الرئاسي فإن الرجل الثاني في البلاد بعد أردوغان سيكون نائبه، الذي سيحظى بصلاحيات كبيرة في حال غياب الرئيس، وتم اختيار فؤاد أوكطاي لهذا المنصب، وهو الذي عمل مستشاراً لرئاسة الوزراء التركية سابقاً. وعمل أوكطاي منذ يناير/كانون الثاني 2012 حتى يونيو/حزيران 2016 رئيساً لإدارة الكوارث والطوارئ التابعة لرئاسة الوزراء التركية، وهو من ولاية يوزغات، تخرج في قسم إدارة الأعمال وأنهى الماجستير في هندسة التصنيع وإدارة الأعمال، وبعدها نال درجة الدكتوراه في مجال هندسة الصناعات، وبات متخصصاً في مجال صناعة السيارات والطيران.

أما أبرز رجالات الأعمال في القطاع الخاص الذين ضمتهم الحكومة، فهو مالك مستشفى مديبول الخاص فخر الدين قوجة، الذي اختير وزيراً للصحة، وتولى مناصب طبية في العديد من المؤسسات الطبية وفي مقدمتها رئيس قسم صحة وأمراض الأطفال بكلية الطب في جامعة إسطنبول التي تخرج منها سنة 1988.  كما شغل قوجة منصب نائب رئيس مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية (DEIK)، ومجلس الأعمال بلجنة التعليم. وكان أيضاً رئيس جمعية مستشفيات الجامعة الوقفية، ولجنة الخدمات الصحية في مجلس المصدّرين التركي (TIM).

كما تم تعيين صاحب شركة "أتسطور" للسياحة محمد أرسوي وزيراً للسياحة والثقافة، وهو مولود في مدينة إسطنبول عام 1968 ومتزوج وله ولدان. درس أرسوي في قسم إدارة الأعمال في جامعة إسطنبول. يتمتع الوزير الجديد بخبرة في مجال السياحة، تفوق 25 عاماً، ولديه شركة سياحية والعديد من الفنادق. وكانت أول معرفته بقطاع السياحة من خلال تنظيمه سلسلة من الرحلات وهو طالب في الثانوية الألمانية.

أما وزير التربية الوطنية ضياء سلجوق، فهو صاحب مدارس "مايا"، وكان قد تولى منصب عميد كلية التربية في جامعة غازي في ولاية أنقرة. وخلال الفترة الممتدة من 2003 إلى 2006، مثّل سلجوق تركيا في المباحثات مع الاتحاد الأوروبي حول فصل العلوم والتربية، أحد فصول مفاوضات عضوية تركيا في الاتحاد. ساهم سلجوق في إنشاء العديد من المؤسسات التربوية التعليمية الخاصة، إلى جانب جامعة "جمعية التربية التركية". كما أنه عضو مجلس إدارة مؤسسة "الذكاء" التركية، وعضو اللجنة التنفيذية للمؤسسة التركية للبحوث العلمية والتكنولوجية (توبيتاك).

وعيّن الرئيس التركي، فاتح دونماز المتخرج من كلية الهندسة الإلكترونية في جامعة يلدز التقنية في إسطنبول،وزيراً للطاقة والموارد الطبيعية، وهو كان قد شغل مناصب عدة في بلدية إسطنبول الكبرى، قبل تعيينه عضواً في هيئة تنظيم سوق الطاقة عام 2008. وفي العام 2015، تم تعيين دونماز، مستشاراً لوزارة الطاقة والموارد الطبيعية. لدونماز العديد من الكتابات والتقارير في مجال الطاقة. وقام بتنفيذ العديد من الأعمال مثل أمن التوريد، وفقر الطاقة، وإسقاطات الغاز الطبيعي، والبحث والتطوير في قطاع الطاقة، والتخطيط الاستراتيجي، وإدارة الأداء، وإعداد الجدوى، وتطوير المنظمات والشركات للتكيف مع الاتحاد الأوروبي.

في حين سلّم أردوغان وزارة الصناعة والتكنولوجيا لمصطفى ورانك، المتخرج من كلية العلوم السياسية والإدارة العامة في جامعة الشرق الأوسط في أنقرة. عمل ورانك كخبير في جامعة ولاية فلوريدا، وباحثا ومدير نظام في معهد إنديانا للتكنولوجيا. وفي العام 2005 بدأ ورانك عمله برئاسة الوزراء، وتم تعيينه عام 2011 في منصب كبير مستشاري رئيس الوزراء، قبل أن يصبح في 2014 كبير مستشاري رئيس الجمهورية، وعام 2016 حصل على لقب سفير. واللافت أن ورانك هو شقيق أحد ضحايا المحاولة الانقلابية الفاشلة.

أما وزارة النقل والبنية التحتية، فكانت من نصيب محمد جاهد طوران، المولود عام 1960 في ولاية طرابزون، وتخرّج من قسم الإنشاءات بكلية الهندسة المعمارية في جامعة البحر الأسود، وحصل على الماجستير من الجامعة نفسها. شغل طوران وظائف عدة في مديرية الطرق البرية، فعام 1985 بدأ العمل كمهندس في الإدارة العامة للطرق، واعتباراً من العام 1997 تولي العديد من المهام المتعلقة بمجال عمله في مجالات صيانة الطرق. وخلال الأعوام القليلة الماضية عمل كمستشار للرئاسة التركية.

في حين سُلّمت وزارة الزراعة والغابات لبكر باك دميرلي، المولود عام 1973 في ولاية إزمير وحاصل على الدكتوراه من قسم الاقتصاد في جامعة جلال بيار. عمل إدارياً في عدد من الشركات الرائدة في مجالات الزراعة والأغذية وتربية الحيوانات والتكنولوجيا وصناعة السيارات والحاسوب، وكان له دور في تأسيس العديد من الشركات في هذه المجالات وإدارتها. وباك دميرلي عضو في مجلس إدارة العديد من شركات المحمول والبنوك، وله العديد من الأنشطة في المجال الاجتماعي.

أما وزارة البيئة والتطوير العمراني فكانت من نصيب مراد قوروم، المولود عام 1976 في العاصمة أنقرة. خلال الفترة من 1999 حتى 2005 عمل قوروم لدى العديد من مؤسسات القطاع الخاص العاملة في مجال الإنشاءات. وبين عامي 2005 و2006 عمل كخبير في رئاسة إدارة التنمية السكنية التابعة لرئاسة الوزراء. ومن 2006 حتى العام 2009 عين مديراً لفرع الإدارة بالجانب الأوروبي من مدينة إسطنبول. ويعمل منذ 2009 وحتى الآن مديراً عاماً في إحدى الشركات التابعة لإدارة تطوير الإسكان.

أما وزيرة التجارة روحسار بكجان، فتولّت سابقاً العديد من الوظائف في مؤسسات وهيئات تركية مختلفة كبنك التنمية الصناعية، كما كانت شغلت في عضوية مجالس إدارات بعض الشركات، وتولت منصب رئيسة لجنة العمل التركي السوري في مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية 3 مرات، بالإضافة إلى رئاستها لجنة العمل التركي الأردني بالمجلس ذاته. وقبل تعيينها وزيرة للتجارة، كانت تتولى منصب نائب رئيس مجلس السيدات المستثمرات باتحاد الغرف والبورصات التركية.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!