فهد الرداوي - خاص ترك برس

إيران التي تعيش بشبه عزلة دولية بدأت نتائجها تظهر شيئاً فشيئاً، فمن مظاهرات داخلية تمتد شرارتها يوماً بعد يوم وتتسع رقعتها الجغرافية في الداخل الإيراني، إلى جملة عقوبات طالت شركات ورجال أعمال بل وحتى دول لها علاقات تجارية مع إيران، ومع ازدياد الضغط الدولي على هذه الدولة المارقة التي تُصدّر إرهابها إلى دول العالم وتمنع استقرار دول المنطقة "بشكل خاص" بغية الوصول لأهدافها التوسعية من خلال تصدير ثورتها التي لم تجلب للشعب الإيراني سوى العُزلة والتردي الاقتصادي، لم تجد إيران وسيلة للنجاة "ولو بظرفية زمانية محدودة" لم تجد إلا إشعال المنطقة مستخدمةً أذنابها بتأجيج الوضع، فهاهي الاحتجاجات العراقية (المدعومة إيرانياً) تدخل أسبوعها الثاني وتنتهج منهج التصعيد والقادم أعظم.

لماذا العراق...؟؟

بعد الإطاحة بنظام صدام حسين في العام 2003م قدّمت إيران نفسها كطرف حليف للمجتمع الدولي عارضةً خدماتها للمحافظة على وحدة العراق وضمان أمنه مستعينةً على ذلك بمليشياتٍ طائفية تُشاطرها نفس العقيدة والمذهب وكان لها ما أرادت، فاستغلت إيران هذا التكليف وعملت على شحذ الأنّفُس بنَفَسٍ طائفي مقيت وعملت على إفراغ الدولة من مضمونها وتفكيك المجتمع العراقي وتجريده من الرؤية الوطنية المتحدة والنهج السياسي البنّاء مع غياب تام لصفة المواطن العراقي واحتكار إيران لمهنة توزيع المصداقية والشهادات الوطنية وإبعاد رموز ورجالات الدولة واستبدالهم بشخوص يدينون بالولاء المُطلق لولاية الفقيه لتتحول بذلك أرض العراق إلى دولة دينية سمتها الفشل السياسي بائن المعالم، وأما الجانب الاقتصادي الذي يعتمد بنسبة 95% على الناتج النفطي البالغ 5 ملايين برميل يومياً فقد سيطرت عليه سيطرة تامة لتحوله إلى ورقة (بوكر) تؤثر بها عالمياً متى شاءت، وبالتزامن مع منعها من تصدير نفطها البالغ 4 ملايين برميل يومياً ها هي تقوم بالتأثيرعلى نفط العراق لتعرقل بذلك موازين الاستهلاك النفطي للأسواق العالمية، ومع استحالة تغطية هذا النقص الهائل ستدخل سوق النفط العالمي بحالة اضطراب كبيرة.

إيران تُشعل المنطقة...

تمتلك إيران في مواجهتها هذه نوعان من أوراق اللعب (السياسية والتصعيدية).

أولاً- الأوراق السياسية:

لا شك بأنَّ إيران ستبحث عن المُتناقضات السياسية العالمية، فالصين مثلاً المكتوية بلهيب الرسوم الأمريكية المفروضة عليها حديثاً والباحثة عن عمق استراتيجي في المنطقة لتضمن به مصالحها الاقتصادية ومواردها النفطية وضمان طرق تجارتها فهي حتماً لن تكون في صف الولايات المتحدة وستكون حليفاً محتملاً لإيران إذا ماتم تفعيل "الورقة الروسية" القاسم المشترك بينهما والحليف المزدوج الأقوى خصوصاً بعد فشل قمة هلنسكي بالأمس وذهاب العالم إلى متغيرات اصطفافية جديدة قد تشمل دولاً أوروبية أبرزها فرنسا وألمانيا المتضررتان اقتصادياً، بالإضافة إلى قواعد اقتصادية متقدمة سعت إليها إيران منذ زمن، تمثلت بإبرام معاهدات اقتصادية ودفاع مشترك مع دول في المنطقة كـالكويت وعُمان وقطر.

وأما عن دول تصدير النفط الإيراني فهي الهند وباكستان وكوريا الشمالية، وهي الدول غير الموقّعة على اتفاقية الحد من انتشار السلاح النووي وفي هذا تقاطع هام لملف إيران النووي، جميع هذه الأوراق ستكون بيد إيران على طاولة المقامرة السياسية الإرهابية التي تتبناها والرامية لزعزعة الأمن والاستقرار الدولي.

ثانياً- الأوراق التصعيدية:

ستعمل إيران من خلال خلاياها الإرهابية النائمة وأذنابها في المنطقة على تأجيج الوضع الأمني وستحاول مضايقة المملكة العربية السعودية وبقية الحلفاء أصحاب الاستثمارات المهمة والقواعد العسكرية في منطقة الخليج العربي والرافضين لسياساتها التوسعية، فمن العراق شمالاً مُعتمدةً على ميليشياتها الطائفية ومستغلةً وجود الحدود البرية، إلى اليمن جنوباً مستفيدةً من خدمات عاملها "الحوثي" فضلاً عن امتلاكها شريطاً بحرياً مُطلاً على الخليج العربي وسيطرة شبه تامة على (مضيق هرمز) الاستراتيجي وتأثير شبه ممكن على باب المندب، الشيء الذي يُنذر بشرارة "صراع ثروات" قد لا يكون بصيغة الحرب العسكرية لكنه نوعٌ من الصراع الشرس وارتداداته ستكون عظيمة إذا ما أخذنا بعين الحُسبان الدول المستفيدة من ثروات المنطقة وطرق التجارة أيضاً (طريق الحرير أهمها) وهو المطمع الصيني في المنطقة، فضلاً عن امتلاك إيران نفوذاً كبيراً في سوريا ولبنان تتقاطع استراتيجياته مع دول اقليمية عديدة ستستغلها إيران جيداً بالتأثير على جميع الأطراف.

إن لم يتغير شيء مهم وعاجل في هذه المعادلة المتشابكة يتم من خلاله تقليم أظافر هذه الدولة المارقة المُصدّرة للإرهاب والضليعة في خلخة التوازن الأمني العالمي، فالعالم أجمع سيكون في مهب ريح صراع طويل الأمد لا تُحمدُ عقباه.

عن الكاتب

فهد الرداوي

الأمين العام لتيار التغيير الوطني السوري


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس