ترك برس - الأناضول

تحتضن العاصمة المصرية القاهرة، تحفة "عثمانية"، تنطق بحضارات العالم، جذبت، بأساطير شعبية رواها كتاب إنجليزي، كبار صنَّاع السينما محليًا ودوليًا. 

هو "بيت الكريتلية"، الملاصق لمسجد أحمد بن طولون، مؤسس الدولة الطولونية بمصر والشام (835: 884 م) بحي السيدة زينب (وسط القاهرة). 

أطلقت عليه أسماء عدة بينها "بيت الكريتلية"، و"بيت الجزار"، و"منزل آمنة"، وأخيرًا "متحف جاير أندرسون"، نسبة إلى ضابط إنجليزي أعاد بناءه أثناء إقامته بمصر.

** تاريخ عثماني 

يتكون "البيت"، من منزلين يعودان إلى العصر العثماني (1517-1867م)، تم بناؤهما في القرنين الـ 16 والـ 17 الميلادي، قبل أن يدمجا في بيت واحد في ثلاثينيات القرن الماضي. 

ويعد من أكبر المنازل التاريخية بمصر، وفق وزارة الآثار المصرية، حيث بني على مساحة تزيد عن 6 آلاف م². 

ومع بداية القرن الـ19 الميلادي، بيع البيت الأول، لسيدة من جزيرة كريت، لذلك أطلق عليه "بيت الكريتلية"، والثاني لسيدة مصرية تدعى "آمنة بنت سالم". 

وبمرور الزمن تهدمت أجزاء كبيرة منهما، ما دفع الحكومة المصرية في ثلاثينيات القرن الماضي، إلى قرار بإزالتهما لتوسعة مسجد "ابن طولون" الملاصق لهما، قبل أن ينقذهما ضابط إنجليزي يدعى "جاير أندرسون". 

** في حب "البرقع" 

أنقذ "أندرسون" بيت الكريتلية من الزوال، بعد أن وقع بغرام امرأة مصرية جذبه "برقعها" بمنطقة قريبة من "الكريتلية"، وفق ما دونه في مذكراته ونقله عنه أثريون مصريون في كتاباتهم. 

واشتهر أندرسون، الذي خدم بالجيش المصري سنة 1907 بولعه لمصر.

وحين سمع عن قرار هدم البيتين، وفق مذكراته، تقدم بعرض بترميمهما ومدهما بمجموعة أثرية كانت بحوزته، على أن يسكن بهما، ويكون البيت بعد وفاته متحفًا للجمهور. 

وفى عام 1942م أطلقت الحكومة المصرية على البيت اسم متحف "جاير آندرسون". 

** مكونات المتحف 

وفق مشاهدات مراسل الأناضول، ينقسم متحف "جاير أندرسون"، إلى منزلين يربط بينهما ممر صغير، إلى قاعات عرض تحوى كل منها طرازاً أثرياً وتاريخياً مختلفاً. 

ومن فناء أرضي واسع، خلف مسجد بن طولون، صُمم المدخل بطريقة الحصون الإسلامية، يحاوطه غرف صغيرة بداخلها أدوات تجميل للعرائس ووسائل للولادة أغلبها خشبية تعود للعصر العثماني. 

ومن أمام المدخل اصطحبنا أحد المتطوعين للتعريف بتاريخ المتحف، حيث بدأ بـ"بئر الوطاويط"، الموجودة به، وهو عبارة عن حفرة عميقة دائرية بعمقها مياه. 

وفي صحن بقلب الفناء الأرضي، يتمدد حبل طويل حتى الطابق الأخير، يتدلى منه أداة تستخدم كمصعد يدوي لرفع الطعام. 

صعدنا إلى الطابق الأول للمتحف، حيث يوجد مقعد صيفي، وآخر شتوي (كان منعشًا في ذلك اليوم الحار)، مخصصان للرجال، بخلاف ثالث مخصص للنساء يطلق عليه "قاعة الحريم"، ويضم تحفًا إسلامية ونوافذ خشبية عتيقة. 

وداخل خزانة كبيرة، يوجد المفتاح الأصلي لـ"بيت الكريتلية" بطول يقترب من نصف متر. 

ومن ممر صغير، مررنا نحو "قاعة الصور"، تضم صوراً من عصور إسلامية مختلفة، وعلى مقربة منها "قاعة الحفلات الكبرى" تعتبر الأضخم ومبنية على الطراز العثماني. 

وفي الطابق الثاني، تعددت الغرف بين مكتبة خصصها "جاير أندرسون" للكتابة، وأخرى للقراءة، تجاورهما "قاعة الحريم"، وهي تحوي حجرة سرية كانت نساء المنزل يراقبن من خلالها مقاعد الرجال. 

وبالطابق الثالث، توجد "الغرفة التركية" ومعظم آثارها تعود إلى العصر العثماني، و"الغرفة الفارسية"، و"غرفة الملكة" نسبة إلى ملكة بريطانيا في القرن 18 "آن ستيوارت"، و"الغرفة الصينية"، وكذلك "الغرفة الدمشقية". 

وعلى سطح المنزل، تتراص أحواض مياه رخامية على الطراز العثماني، وعلى مقربة منها تقع مجموعة أوان لتخزين الغلال. 

والسطح، وفق المتطوع، للجلوس خلال فصل الصيف، ومن خلاله يمكن رصد معالم تاريخية بالقاهرة أبرزها قلعة صلاح الدين الأيوبي. 

**أساطير الكريتلية 

نُسجت أساطير رواها "سليمان الكريتلي" مرافق "أندرسون" حول "البيت"، جمعها الأخير في كتاب بعنوان "أساطير بيت الكريتلية"، كما نقشها على أطباق صينية وضعت في أحد غرف المتحف. 

ومن بين هذه الأساطير، أن "البئر الموجود به، لو نظر إليه العاشق وتمنى رؤية محبوبه انعكست صورة الحبيب على مياه البئر". 

وكذلك أن "ملك الجان أمر ببناء البيت ويسكنه ثعبان طيب". 

وأيضًا: "البيت بُني على جبل يشكر، مرسى سفينة نبي الله نوح، بعد الطوفان الذي أغرق الأرض". 

وبحسب الديانات السماوية الثلاث (اليهودية والمسيحية والإسلامية)، فإن سفينة نوح، صنعها نوح لحماية عائلته والحيوانات وجميع الكائنات الحية من الطوفان العظيم بعدما كثر شر الناس.

ولم يستدل على مكانها بعد، غير أن مفسرين إسلاميين قالوا إنها تستقر في جنوب شرقي تركيا 

 

**ملهم الفن السابع 

جذب غموض البيت وأساطيره، كبار صنَّاع السينما محليًا ودوليًا، حيث وصلت شهرته إلى صانعي أفلام جيمس بوند، الذين صوروا به جزءًا من فيلم "الجاسوسة التي أحبتني" في أحد قاعاته الشرقية، عام 1977. 

كما شهد تصوير أفلام، كتبها الأديب المصري الحاصل على نوبل في الأدب نجيب محفوظ، وأبرزها "بين القصرين (إنتاج 1962)"، و"قصر الشوق (إنتاج 1966)"، و"السكرية (إنتاج 1973)". 

وفي أبريل/ نيسان الماضي، احتفل المتحف باليوبيل الماسي بمناسبة مرور 75 عامًا على افتتاحه.

 

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!