ترك برس

عقدت ميليشيات "حزب الاتحاد الديمقراطي" (PYD)، الذراع السوري لـ"حزب العمال الكردستاني" (PKK)، خلال الأيام القليلة الماضية، مفاوضات علنية من النظام السوري، أفضت إلى اتفاق على تشكيل لجان مشتركة "لتطوير الحوار والمفاوضات ورسم خريطة طريق تقود إلى سوريا ديمقراطية لامركزية".

وأشار تقرير لشبكة الجزيرة القطرية إلى أنه لم يخرج اللقاء غير المسبوق بين ما يسمى "مجلس سوريا الديمقراطية" والنظام في دمشق بنتائج مهمة، لكن انعقاده يشير إلى تبدل بموقف ميليشيات (PYD) وتحولات عميقة في المشهد السوري يجعلان مناطق الشمال والشمال الشرقي العنوان الأبرز للمرحلة المقبلة.

وتأتي المفاوضات في وقت تقترب فيه دمشق من حسم جبهة الجنوب عسكريا (حوض اليرموك والقنيطرة وبادية السويداء الشرقية)، وتوجه الأنظار خصوصا إلى محافظة إدلب ومحيطها والمناطق التي يسيطر عليها مسلحو (PYD) شمال شرقي البلاد.

ترى الجزيرة أن متغيرات الحرب فرضت  حاجة الطرفين لبعضهما البعض، فميلشيات (PYD) غيرت مواقفها نحو التقارب مع دمشق بعد عملية "غصن الزيتون" التي شنتها تركيا وفصائل الجيش الحر على منطقة عفرين بموافقة ضمنية أميركية وروسية، خصوصا بعد الاتفاق الأميركي التركي بشأن منطقة منبج.

ويشعر (PYD) بخذلان أميركي، خاصة بعد موقف واشنطن من عفرين ومنبج، إضافة إلى دروس الموقف الأميركي من استفتاء إقليم شمال العراق وما تلاه من أحداث، ومؤداها أن الرهان على واشنطن سقط، وأن حلم "الاستقلال" أصبح بعيد المنال بفعل الرفض التام له من قبل تركيا والنظام السوري والتحفظ الأميركي والروسي.

ويبدو العامل التركي هو حجر الأساس في الالتقاء بين الميليشيات والنظام في الشمال السوري، فهو الخطر الداهم بالنسبة لكليهما، خصوصا بعد تقدم الفصائل المعارضة المدعومة تركيا في شمالي حلب، وتهديد أنقرة بالوصول إلى الحسكة والقامشلي.

وقد بنيت المفاوضات الجارية حاليا على تجارب سابقة أسس لها "الخطر التركي" عندما شاركت قوات النظام الرديفة -ولو رمزيا- في الدفاع عن عفرين أثناء عملية غصن الزيتون في فبراير/شباط الماضي، وسلمت الميليشيات أحياء تحت سيطرتها في شرقي حلب (الشيخ مقصود والأشرفية والحيدرية والهلك) إلى جيش النظام.

وفي المرحلة الراهنة يسعى النظام إلى حسم جبهة إدلب أولا، وتتطلب صعوبة العملية العسكرية في المنطقة المكتظة بالمعارضة المسلحة حسم كل الجبهات الأخرى الساخنة ولو مرحليا، كما أن النظام يدرك -رغم تهديداته أحيانا- أن الحسم العسكري مع الميليشيات الكردية صعب ومكلف ويصعب مهمة الحل الشامل.

وترى مصادر مقربة من المجلس أن مسار المفاوضات لن يكون سهلا باعتبار الاختلاف الكبير في رؤية الطرفين (دمشق وقسد) للحل المفترض، وكذلك مواقف القوى الأخرى الفاعلة في الأزمة.

وفي حين تساند موسكو المفاوضات بين الطرفين في اتجاه عودة دمشق لإدارة شمال شرق سوريا تبدو واشنطن وأنقرة الطرف الأبرز في معادلة الشمال السوري وهما يرقبان باهتمام سير المفاوضات ومآلاتها.

ويقول الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطية رياض درار إن "الأميركيين على علم بالمفاوضات مع دمشق، وهم لم يتدخلوا في قرار المجلس، كما لم يحددوا أي اتجاهات أو سياسات حولها"، مشيرا إلى أن موسكو تعلم أيضا بكل الخطوات.

ويؤكد محللون أن واشنطن لا تمانع – وفق اتفاق مع روسيا جرى تداوله في قمة هلسنكي – عودة سيطرة النظام على مناطق شمال شرق سوريا (شرق الفرات) كما حصل في الجنوب في إطار "لامركزية" مع الحفاظ على المصالح الأميركية هناك، على أن تلعب موسكو دورا في تحجيم النفوذ الإيراني بسوريا.

وتنظر تركيا بعين الحذر إلى التقارب المتسارع بين دمشق والميليشيات والذي يؤثر بشكل كبير على نفوذها في المنطقة ومستقبل عملياتها ضد تلك الميليشيات الإنفصالية، خصوصا إذا ما عاد النظام إلى الشريط الحدودي، وهو ما يستوجب تفاهمات معه أو التصعيد العسكري.

ومن شأن الاتفاق بين دمشق والميليشيات الكردية أن يلقي بظلاله أيضا على الصعيد العسكري في إدلب وشمالي حلب حيث المعارضة المسلحة التي تحظى بدعم تركي، وستكون الميليشيات عاملا مساعدا للنظام في المعركة المرتقبة والمحددة لمآلات الأزمة.

واستُبعد (PYD) من المفاوضات بين النظام والمعارضة في مؤتمرات جنيف وأستانا خصوصا بسبب رفض المعارضة وتركيا، في حين تتهم المعارضة المسلحة الوحدات الكردية بالارتباط بشكل أو بآخر مع النظام.

وفي السنوات السابقة أجريت مفاوضات بين الميليشيات الكردية والنظام في ظروف ميدانية وسياسية مختلفة -سواء في دمشق أو القامشلي وحميميم- ولم تؤد إلى نتائج تذكر، لكن الضغوط السياسية والميدانية الجديدة تدفع الطرفين لحل وسط.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!