أكرم قزل طاش – صحيفة تقويم – ترجمة وتحرير ترك برس

يمكن تصنيف الدول إلى قوية ووسطى وضعيفة بناء على تعدادها السكاني ومساحتها وقوتها العسكرية والسياسية، كما أن هناك صنف آخر وهو الدول العظمى، وبشكل عام يُطلق هذا الاسم على الدول القوية اقتصادياً وسياسياً وخاصةً عسكرياً بالنسبة إلى باقي الدول، وعلى سبيل المثال أمريكا وروسيا وفرنسا وبريطانيا والصين.

وفي هذا السياق يمكن القول إن أمريكا هي الدولة العظمى ولكن يجدر بالذكر أن تعداد سكانها الذي يقارب الـ 325 مليون ومساحتها المقدّرة بـ 9 مليون و629 ألف كيلو متر مربع لا تكفي لتجعل منها دولة عظيمة.

يمكن للكثافة السكانية العالية والمساحة الكبيرة وقوة البنية الاقتصادية والسياسية والعسكرية أن تجعل من أمريكا دولة كبيرة، لكن هناك خواص أخرى ليست موجودة في أمريكا لتكون دولة عظمى، إذ يجب على الدول الكبرى -إذا كانت تريد أن تصبح دولةً عظمى بالفعل- أن لا تنتهج سياسةً تتسبّب بضرر الدول الأخرى من أجل مصالحها الشخصية فقط، بل يجب أن تسعى لتزيد من مستوى رفاهية الدول الأخرى إلى المستوى الذي تعيش فيه نفسها، إضافةً إلى أن محاولة الهيمنة على الدول الأخرى تُعتبر عائقاً كبيراً أمام دولة كبيرة في معظم المجالات لتصبح دولةً عُظمى.

من المعروف أن بقاء الدول التي تُصوّر على أنها تسيطر على شعبها بالظلم والبطش لا يدوم طويلاً، إضافةً إلى أن بقاء الدول التي ترعى شعوبها بالعدل والحقوق يدوم مدةً طويلة كما كان الحال بالنسبة إلى الدولة العثمانية.

لقد أصبحت أمريكا دولة كبيرة بعد أن نجحت في تأسيس هيمنة جديدة عقب الحرب العالمية الثانية عام 1776، لكنها لم تنجح في أن تصبح دولة عظمى، أمريكا هي دولة كبيرة نظراً إلى قوتها الكبيرة في المجالات الاقتصادية والعسكرية، ولكن ليست دولة عُظمى لأنها لا تكترث لمفاهيم العدالة والحقوق.

وفي السياق ذاته يجب التذكير بأن الدول الأخرى قد أصبحت أعداءاً للدولة العثمانية لأنها لم تستعمر وتستغل الشعوب، وكذلك وقفت في وجه الدول التي تنتهج سياسة الاستعمار، وهذا الواقع يكفي لإظهار هذه الدول على حقيقتها، إضافةً إلى أن ما تفعله أمريكا -التي وصلت لمركزها الحالي من خلال استغلال نتائج الحروب العالمية الأولى والثانية والتي اقتربت فيها روسيا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا من القضاء على بعضها نهائياً- في الوقت الحالي توضّح أنها تحاول أن تصبح دولة عظمى ولكنها تكتفي بأن تكون دولة كبيرة.

أمريكا لديها المقوّمات الكافية لأن تصبح دولةً عظمى لو أنّها اتّبعت سياسة وخطوات منتظمة وإيجابية، لكن نظراً إلى الظروف الراهنة يمكن القول إن الأخيرة فقدت هذه الفرصة بسبب مواقفها تجاه الدول الأخرى، وخصوصاً أن استغلال أمريكا لكونها دولة كبيرة واتخاذها موقفاً بعيداً عن العدالة والحقوق تّجاه تركيا يكفي لتوضيح ابتعادها عن احتمال أن تصبح دولةً عظمى بعد الآن.

عن الكاتب

أكرم كيزيلتاش

كاتب في صحيفة تقويم


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس