رسول طوسون – صحيفة ستار – ترجمة وتحرير ترك برس

من المعلوم أن تركيا تشهد ذروتها في الاستقرار السياسي وازدياد واضح في سرعة التطوّر، واستطاعت تركيا مواجهة العديد من الكوارث الطبيعية مثل الزلازل وغيرها وأصبحت ضمن الـ 20 الدول الأوائل في المجال الاقتصادي، لذلك إن التلاعب الأخير في أسعار الصرف على الرغم من الواقع التركي المذكور يشير إلى وجود أمور غريبة.

توضّح أن التلاعبات الأخيرة التي تشهدها تركيا في أسعار الصرف لا تتعلّق بواقع الاقتصاد التركي، بل تمثّل هجمة سياسية ذات مصدر أمريكي، أو على الأقل إن الجهات التي تؤيد الحكومة التركية تحلّل المسألة في هذا المنوال.

يمكن ربط التلاعب في أسعار الصرف بالإدارة الحاكمة للدولار، ونستمر في ذكر أن الهدف الرئيس من ذلك هو إخضاع تركيا، نظراً إلى أن المعارضة الداخلية تزعم أنها لا تنحاز لأي طرف يمكنها اعتبار هذا التحليل بأنه انحياز للحكومة التركية، أنا شخصياً لم أخف أنني أنحاز للحكومة، لكن في الوقت نفسه لم أتخلّ عن الموضوعية ولم أذكر أي شيء لا أؤمن به على أرض الواقع، وبالتالي حاولت أن أحلّل الأحداث الأخيرة من خلال مراقبة وجهة نظر أمريكا تجاه المسألة.

 لقد راقبت وجهة النظر الأمريكية من خلال وكالات الإعلام الدولية وبعض الكُتّاب الذين يقيمون المسألة بشكل موضوعي، وفي هذا السياق سأذكر لكم بعض التحليلات التي حدّدها "سيردار تورغوت" ذو الفكر اليساري والذي يُعتبر ممثّلاً لأمريكا في وكالة "خبر ترك"، إذ قال: "تسلّط جميع وكالات الإعلام الأمريكية الكبيرة وعلى رأسها -نيويورك تايمز- و -وول ستريت- الأضواء على تركيا، وقد تداولت هذه الصحف جميع تفاصيل المسألة لكنها لم تذكر أن البنية الاقتصادية التركية ضعيفة في الأساس، على العكس تماماً حاولت لفت الانتباه إلى أن تركيا هي الدولة السابعة عشر اقتصادياً في العالم، إضافةً إلى أن الأزمة الحالية تتسبّب في فوضى كبيرة في الأسواق العالمية وعلى رأسها نيويورك، وكذلك ذكرت الصحف الأمريكية أن المسألة هي مشكلة سياسية وتتعلّق بالخلافات الموجودة بين الدولتين التركية-الأمريكية".

بتعبير أوضح هناك حرب اقتصادية تشنّها أمريكا ضد تركيا، ويجدر بالذكر أن المتأثر من هذه الحرب ليست الحكومة التركية فقط، إنما المجتمع التركي بأكمله بما فيهم أحزاب المعارضة ومؤيديها أيضاً، كما أن هذه الحرب لم تبدأ ضد تركيا فقط، بل ضد جميع الدول التي تحاول الوصول إلى الاكتفاء الذاتي والاستقلال التام كما هو الحال بالنسبة إلى تركيا.

بطبيعة الحال لن نستسلم خلال هذه الحرب، ولن نسلّم حريتنا لأمريكا، لكن يتوجّب على تركيا اتّخاذ خطوات منطقية مع أخذ النظام الدولي بعين الاعتبار، والابتعاد عن دوافع الحماس والغضب التي قد تؤدي إلى التهوّر والانفعال الزائد وبالتالي دخول تركيا في أزمة قد يستحيل الخروج منها، لذلك يجب الرد على هذه الحرب بالأسلوب ذاته والخروج منها بأقل الخسائر.

في الوقت الحالي تخوض أمريكا هذه الحرب من خلال فرض العقوبات الاقتصادية على الوزراء الأتراك ومن خلال الدولار الأمريكي الذي يُعتبر العملة المهيمنة في مجال التجارة العالمي، وفي السياق ذاته ردّت الحكومة التركية على ذلك بنفس الأسلوب وفرضت العقوبات الاقتصادية على الوزراء الأمريكيين، ومن جهة أخرى تسعى تركيا منذ مدة طويلة للإبحار في مجالات تجارية جديدة مع بعض الدول مثل إيران وروسيا، معتمدةً في ذلك على العملات المحليّة بدلاً من الدولار الأمريكي، ولحسن الحظ إن بنية الدولة التركية قوية جداً، وتتخّذ الإدارة خطواتها وفقاً لمصالح البلاد والشعب، وبما يتناسب مع العقل والأسلوب الدولي.

يمكن القول إن تركيا هي الدولة الوحيدة التي تعترض على النظام العالمي بأعلى صوتها، ولذلك إن التعامل بالعملات المحليّة أو تبادل السلع في إطار التجارة الدولية قد يدفع الدولار وبالتالي أمريكا للبقاء وحيدة، ربما ستستغرق هذه الفترة مدة طويلة، ولكن إن أعداد الدول التي تترقّب هذه النتيجة لا يُستاهن بها.

يمكن لهذه الحرب أن تصبح نقطة انطلاق جديدة من خلال ثبات تركيا على مواقفها، مما يشجّع الدول الأخرى على استعمال العملات المحلية في مجال التجارة الدولية، ولندع أمريكا تفكّر بما سيحدث بعد ذلك.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس