حسن بصري يالتشين – صحيفة تقويم – ترجمة وتحرير ترك برس

منذ مدة طويلة وأنا أكرّر أن العالم أصبح يميل نحو سياسة الحرص، إذ يُعرف أن النظام الليبرالي الذي أسسته أمريكا يعمل بشكل ناجح، واستطاعت أمريكا البقاء في قمة النظام الدولي لعشرات السنين من خلال هذا النظام على عكس توقعاتها تماماً، لكن سئمت أمريكا من ذلك بشكل مفاجئ وأصبحت تطالب بالمزيد.

من الغريب أن الدول التي تواجه أمريكا وعلى رأسها الصين لا تملك الجرأة بتغيير النظام المذكور، في حين أن أمريكا بدأت بتخريب البنية التحتية للنظام الذي أسسته بنفسها مسبقاً، كذلك إن الحرب التجارية التي بدأتها أمريكا ضد الصين هي المثال الأبرز في هذا الصدد، تزامناً مع ذلك وبطبيعة الحال يُتوقّع أن تهتم أمريكا بوجود بعض الحلفاء إلى جانبها خلال هذه الحرب، لكن تشير الأحداث الأخيرة إلى أن واشنطن لا تهتم بهذه المسألة، وتثق بأنها ستنتصر إلى درجة أنها لا تريد أي حليفاً يشاركها أرباحها بما فيهم حلفاؤها الأوربيين، بل على العكس تماماً تحاول الضغط على الدول الأوروبية أيضاً.

لا تطيق أمريكا زيادة الدول الأوروبية لأرباحها من خلال النظام الليبرالي، وتؤمن بأنه يتوجّب على أوروبا دفع ثمن هذه الأرباح، ومن جهة أخرى يتوضّح من خلال موقف أمريكا تجاه تركيا أن سياسة الحماية بالنسبة لواشنطن هي زيادة الأرباح إلى جانب الابتزاز أيضاً، وفي السياق ذاته إن زيادة ضرائب تصدير معادن الحديد والألمنيوم والتلاعب في أسعار صرف الدولار الأمريكي بحجة الراهب برونسون تمثّل خطّة تم وضعها بهدف إخضاع تركيا، وبذلك نرى أن أمريكا التي كانت تستغل المؤسسات الدولية لإقناع حلفائها خلال مرحلة النظام الليبرالي قد بدأت باستخدام أدوات تناسب فترة المذهب التجاري، ولا يبدو أن هذا الأسلوب سيعود بالفائدة لأمريكا.

غالباً لن تتخذ تركيا أي خطوة في هذا الصدد بما فيها الخطوات التي كانت تتخذها في الأجواء الطبيعية، وكذلك ستميل الأخيرة لموقف معارض لأمريكا أكثر من السابق بعد الآن، بدأت أطراف الأزمة بالبحث عن طرق لإيجاد الحلول، أنا لست مختصاً في مجال الاقتصاد، ويمكن لرجال الاقتصاد تحديد الخطوات التي يجب اتّخاذها على المدى القريب والبعيد، لكن اعتماداً على خبرتي في المجال السياسي يمكنني القول إنه من الضروري اتّخاذ خطوة ملموسة في سبيل التحوّل بشكل جذري.

لا يمكن لتركيا أن تتخذ خطواتها بناء على النظام الليبرالي، ولا أعلم إن كانت تركيا مستعدّة للتغيير لكن يتوجّب عليها أن تتخذ الاحتياطات اللازمة لتستطيع مواكبة المرحلة الجديدة، ولا يمكن لها أن تبق متأخرة عن العالم للميل نحو سياسة الحماية كما هو الحال بالنسبة إلى باقي الدول، ولذلك يجب على تركيا توليد سياسة مناسبة للشروط الجديدة كما فعلت فيهما يخص شروط سياسة الساحة السورية.

إن البعض مما أذكره قد يتسبّب بالقلق على أرض الواقع، وخصوصاً بالنسبة للجهات المعتادة على نظام التجارة الليبرالية، إذ تعتبر هذه الجهات أن سياسة الحماية ستؤدي إلى التخلّف والعودة لمئات السنين نحو الخلف، والسبب في ذلك هو عدم قدرتهم على التفكير خارج إطار النموذج الليبرالي، لكن إن فضيلة الواقعية تدفعنا لإدراك أن التاريخ لا يتقدّم وأن السياسة عبارة عن معادلة رياضية تنتهي نتيجتها بالصفر.

لم نعد في مرحلة تسمح لنا بالبحث عن تحالفات جديدة من أجل زيادة الأرباح، على العكس تماماً نمر في مرحلة توضّح لنا أن الرابح الأكبر هو من يقلّل نسبة الخسائر إلى أدنى درجة ممكنة، ولذلك إنّ سياسة الحرص والاحتياطات التي ستُتخذ في هذا الصدد قد تعود بنتائج إيجابية إن تم تطبيقها في إطار علاقات تجارية صائبة مع الدول الصحيحة.

يجب على تركيا تعديل بعض مواد الدستور المتعلّقة بالتجارة مثل الاستهلاك الفاخر وزيادة نسبة الضرائب المفروضة على جميع واردات الدول المتقدّمة من أجل الحث على تجارة المنتجات الوطنية، إضافةً إلى الإبحار نحو أسواق تجارية جديدة في هذا المنوال، وبذلك قد تقل أرباح تركيا عن أرباحها خلال نظام التجارة الحرة، ولكن ستقل نسبة خسائرها أيضاً وبالتالي يتم تحويل الأزمة التي تواجهها تركيا إلى فرصة جديدة.

ربما ستضرر تركيا خلال مرحلة انتشار سياسة الحماية ولكن المتضرر الأكبر من المسألة هي الدول المتقدمة، إذ يمكن القول إن الرابح الأكبر من التجارة الحرة هي الدول المتقدمة، فيما يكون الرابح الأكبر من خلال سياسة الحماية هي الدول التي ما زالت في مرحلة التقدّم، وإن اتباع تركيا لهذا المبدأ سيزيد من مناعتها بالتأكيد.

عن الكاتب

حسن بصري يالتشين

كاتب في صحيفة تقويم


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس