حوار: علي الصاوي - خاص ترك برس

خبراء الإعلام كثيرون، لكن القليل منهم من تجده أكثر حضورًا وفاعلية في أوساط مجتمعه ودائم الفكر والتجديد، وفي ظل وجود بيئة إعلامية مضطربة ووسائل إعلام موجهة وسياسات تقليدية، عجزت عن خلق المواطن الثري إعلاميا والملم بطبيعة قضايا عصره، كان لزاماً على المهتم بتطوير الواقع الإعلامي أن يبحث عن عقول إبداعية جديدة وشخصيات تؤمن بالرسالة الإعلامية كهدف استراتيجي يبني العقول ويخلق وعيا مجتمعيا يواكب العصر وتقلباته، وكما أن الغربة طرقها وعرة ويحوطها الأشواك من كل جانب، لكنك لا تيأس من أن تصادف فيها ورودًا جميلة ذات عبير نافذ وأخّاذ تحيى فيك الأمل وتبعث في نفسك روح التحدي، وهذا ما سوف نقرأه في هذا الحوار الثري بالمعلومات ونستنشق من عبير فكره ما يشبع الفضول ويغذي العقول، مع المستشار والخبير الإعلامي الدكتور "نزار الحرباوي".

بدايةً نريد أن يعرف القارئ من هو نزار الحرباوي؟

أشكرك جزيل الشكر زميلي علي، على هذه المقابلة الطيبة ومن خلالك أبرق بالتحية لمؤسستك الإعلامية وللقراء الكرام.

نزار الحرباوي، فلسطيني ولدت في فلسطين وكبرت فيها، ودرست في مدارسها وجامعاتها، بعدها بدأت رحلة سفر ممتدة حصلت فيها على شهادة الدكتوراه الأولى في الإعلام، والثانية في العلوم السياسية، وفي ثنايا هذه الرحلة تشرفت بالعمل في العديد من المؤسسات الإعلامية والأكاديمية والبحثية في أكثر من بلد، حاولت خلالها التعبير عن تعلقي بالإعلام  كفلسفة وسلوك ورؤية من خلال المزاوجة بين المعرفة الأكاديمية والتطبيقية.

بحمد الله عملت في عدد من الجامعات كمحاضر أكاديمي، وألفت العديد من الكتب والمؤلفات، وتنقلت بين أكثر من مؤسسة إعلامية بين إفريقيا وآسيا وأوروبا، وحطت بي الرحال في تركيا، لأقدم فيها تجربتي الجديدة في مجال الإعلام من خلال عملي في القناة التركية لأكثر من خمس سنوات من خلال برنامج الألوان السبعة، إضافة إلى عدد من البرامج والفعاليات الإعلامية في قنوات تركية وعربية أخرى.

أمثل العديد من المؤسسات العربية والتركية في مجالات الحياة الأكاديمية والإعلامية، وأسعد بتمثيل المجلس العربي للعلاقات العامة، وأخيرا، حاولت جمع العديد من مجالات التقاطع المعرفي الأكاديمي والإعلامي  في مؤسسة واحدة متخصصة في العلاقات العامة تحت اسم "سمارت فيوتشر"، لتكون بوابة لتحقيق رؤية إعلامية واعية وواعدة في الواقع العام.

على المستوى الشخصي، أنا تجاوزت الأربعين حديثا، متزوج ولدي خمسة أطفال، ونحمل الجنسية التركية، ونعيش في عاصمة الجمال الكوني - إسطنبول من عشر سنوات تقريباً.

في ضوء إقامتك في تركيا ما يقارب العشر سنوات، ما هي انطباعاتك التي كونتها في تلك المدة عن الحياة في تركيا؟

تركيا بلد متعدد الثقافات والجغرافيا، بلد يعج بشواهد التاريخ والطبائع البشرية، وكما أنه يجمع بين آسيا وأوروبا جغرافيا، فهو يجمع الفلسفة الاجتماعية لطبائع المشرق والمغرب في آن واحد، ومع قدوم اللاجئين والمستثمرين والساعين للحياة إلى تركيا طوعاً أو كرهاً، ازداد تنوع هذه الثقافات وتعددت ملامحها.

تركيا ليست بلداً سهلاً للحياة كما قد يظن البعض، لكن من يفهم الثقافة واللغة التركية بإمكانه أن يتأقلم مع متطلبات العيش فيها، سواء في مجال الدراسة أو العمل أو الاستقرار.

ما هي مشروعاتك الجديدة في الحقل الإعلامي، وإسهاماتك في رؤيتك الحالية في مجال التسويق السياسي الذي تحاضر فيه هذه الأيام؟

إجابة على الشق الأول من سؤالكم أستاذ علي، أنا بصدد العديد من المشروعات الإعلامية والإعلانية والتسويقية من خلال مؤسسة العلاقات العامة التي أنشأناها مؤخراً مع كوكبة من أهل الاختصاص، ونعمل جاهدين على إنتاج بعض البرامج والفعاليات في مجال التلفاز والإذاعة والتشبيك المؤسسي الإعلامي فضلاً عن مسارات التدريب والتكوين والتأهيل الإعلامي التي ننشط بها منذ أكثر من خمسة عشر سنة.

أما بخصوص التسويق السياسي فهو برنامج ضمن عدد من البرامج التخصصية التي نقوم بتدريسها بالتنسيق ما بين جامعات تركية ومؤسسات بحثية ومجتمعية متنوعة التوجهات، وهذه الدبلوم التخصصي في العلوم السياسية والإعلام، وفي مجال البناء المؤسسي وصناعة النجومية، كلها تمثل صورة عن نمطية العطاء الجديد الذي يتناسب مع العصر ومتطلباته وبفلسفة وأسلوب غير نمطي.

كما تعلم أن الغربة مليئة بالتحديات والعقبات، وفي ظل مناخ سياسي يشوبه التوتر وعدم الاستقرار كيف استطاع الحرباوي أن يسبح ضد التيار المعادي للكلمة وحرية الإعلام؟

التقلبات السياسية والعسكرية والاقتصادية التي شهدها العالم العربي مؤخراً أثرت بشكل مباشر وقوي على كل مسارات الحياة، فهناك دول تنهار ودول تظهر، وحروب اقتصادية ومصلحية تفتك بالروتين الذي كان سائداً في العقد الماضي، كل ذلك يتطلب من العاملين اليوم أن يكونوا فطنين في التعاطي مع هذا الواقع، فالحروب والنزاعات والتهجير في سوريا واليمن والعراق وليبيا وفلسطين، والخلافات الخليجية البينية، والأزمات الاقتصادية بين أمريكا والصين وأوروبا وتركيا، تفرض نفسها على طبيعة الفرص المتاحة كمّاً ونوعاً.

لقد تأثر العالم بهذه العوامل، وبالتأكيد، تأثرت شخصيا وفريق العمل، ووجدت العديد من العقبات تعترض مسار العمل الإعلامي، فالمستثمر اليوم يخاف على رأس ماله، ونعيش أزمة ثقة بين كثير من الدول، وهذا تطلّب منّا إعادة هيكلة الفِرق العاملة وطبيعة المشروعات المقترحة والجهات المستهدفة، ونحاول جاهدين مع شركاء النجاح أن نعبر من عين العاصفة نحو شاطئ الأمان.

ما رأيك في أوضاع الجاليات العربية بتركيا، وهل نجحت في تحقيق تفاعل مجتمعي بنّاء لاسيّما في وجود تيار علماني يرفض وجودهم هنا، خاصة على الصعيد الإعلامي؟

طبعاً لكل جالية من هذه الجاليات خصوصيتها، فالجالية الفلسطينية مثلاً أقدم من سابقاتها وأكثر استقراراً من الجالية اليمنية، والسوريين يختلف واقعهم عن العراقيين، وكل جالية تحاول لملمة أوضاعها وترتيب ملفاتها الداخلية لصناعة توجهات خاصة بها، وبدء التشبيك اللازم بعد ذاك مع العرب والأتراك  على حد سواء.

بإيجاز، لا زالت هذه الجاليات - بكل أسف - تعمل بالارتجال والعشوائية، وهناك حالات من النجاح كما أن هناك حالات من التنافس السلبي، والحالة الإعلامية شاهد من هذه الشواهد، فلا يوجد حتى الآن كيان جامع رسمي وفاعل وذو رؤية يمكن لنا تسميته  بمؤسسة جامعة، والواقع الاقتصادي شبيه بذلك، ويمكنك قياس الواقع الأكاديمي والمؤسسي على ذلك بكل وضوح، وهذا الارتجال هو ما يعيق العمل البناء في هذه المسارات جميعاً.

الثورات العربية مرت بمخاض عسر بعد أن حاول إجهاضها أعداء الحرية في المنطقة، برأيك هل لهذا المولود الثوري فرصة أخرى لكي ينمو ويتعافى من جديد؟

قراءتي الخاصة للأحداث - وربما لا يتفق معي بعض المحللين - أن الشعوب قد عاشت حالة كبرى من التغيير، هذه الحالة التي كانت الشعوب تنتظر بعدها نمطاً من الإنجاز لم يتم تحقيقه، فنحن هنا أمام موجة قد كسرت بالفعل في أكثر من دولة، ولكن نواميس الكون، وطبائع الشعوب، وحقائق التاريخ تنبئنا أن الأمواج في البحر لا تتوقف، وأن الشعوب بطبيعتها تتحرك في ظروف وبيئة تختارها متى تريد فتقلب الموازين كلها، ألا ترى معي ما جرى في فلسطين في معركة البوابات الإلكترونية على أبواب المسجد الأقصى الأسير، شعب محاصر محارب من القريب قبل البعيد لم تنهكه سبعون عاماً من النضال، ولكنه بوحدته وتصميمه كسر المعادلة برغم كل الضعف العربي والدولي الحاصل.

في ظل وجود وسائل إعلام موجهة وفقيرة مهنياً ما هي رؤيتك التطويرية تجاه الإعلام الحالي، وكيف نقدم نموذجاً إعلامياً ينافس الإعلام الغربي ويرفع من مستوى الوعي ويخلق نماذج شعبية ثريّة إعلامياً؟

سؤال ذكي، أشكرك عليه بالفعل، فواقع الإعلام العربي اليوم سيء بكل أسف، فلا الإعلام الرسمي العربي حقق التميز، ولا الإعلام المعارض قادر على المنافسة بسبب ضعف الموارد.

أمام هذه الحالة الإعلامية المترهلة، لا بد من التركيز على الإنسان لا على الآلة والسياسيات، نحن بحاجة ماسة لإيجاد الإنسان المبدع الذي يستطيع فهم الواقع الإعلامي، وأن يصنع مؤسسته الإعلامية المميزة.

ما شهدناه في مؤسسات الإعلام العربية في تركيا - على سبيل المثال - يعطينا صورة سيئة بكل أسف، فالتعاطي مع الإعلاميين فيها بناء على المعرفة والوطنية والتصنيفات الأخرى التي تطلقها وتتذرع بها هذه المؤسسات أفقدتها الكثير من الفرص الإعلامية وفرص النمو والتقدم، كما تركت العشرات - إن لم يكن المئات - من الطاقات الإعلامية الشبابية المتخصصة عاطلة عن العمل.

برأيي أن المؤسسات الإعلامية العربية اليوم مطالبة أكثر من أي وقت مضى بتصويب مساراتها وإعادة هيكلة كادرها، وترسيم سياسة استراتيجية خاصة بها بداية، وسياسة جمعية توافقية يمكن أن يعول عليها في التغيير الإيجابي العام، وهذا ميسور وسهل إذا وجدت الإرادة والإدارة، وسيترتب عليها الكثير من التغيير في الواقع.

وبكلمة ختامية، أتوجه لجميع الدول والمؤسسات الإعلامية العاملة بتبني الإنسان، وتطوير مستويات التفكير بما يضمن استيعاب الكفاءات العقلية البشرية التي تعتبر ثروة حقيقية في هذه المؤسسات لتتمكن من تجاوز الواقع بنجاح، أو أن مصيرها سيكون كمصير سابقاتها من المؤسسات التي ولدت وماتت واندثرت دون أن تثمر في واقع الحياة ثمرة حقيقية استفاد منها المجتمع.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!