د. علي حسين باكير - العرب القطرية

مع دخول الأزمة بين تركيا والولايات المتحدة منعطفاً خطيراً، تحكم أربعة سيناريوهات مطلقة مسار ما ستؤول إليه الأمور بين الطرفين في المرحلة المقبلة. ودون ترتيب للأولويات، فإنّ الاحتمال الأول هو أن يصل الطرفان إلى صفقة كبرى يتم بموجبها حل كل الملفات الخلافية دفعة واحدة. والحاجة إلى صفقة كبرى أصبحت ضرورية في ظل تراكم الملفات الخلافية وازدياد خطورة انعاكساتها السلبية على العلاقة بين البلدين. وبالرغم من أن سيناريو الصفقة الكبرى هو الأفضل، فإنه يبدو الأضعف احتمالاً، على الأقل في هذا التوقيت بالتحديد، فالخلافات بين الطرفين متعددة ومتداخلة وعميقة، وهو ما يجعل إمكانية حلّها دفعة واحدة أمراً معقّداً. 

أما السيناريو الثاني، فهو سيناريو الصفقة الجزئية.. بمعنى آخر، أن يتم التوصل إلى صفقة بين الطرفين تقضي بالإفراج عن القس برونسون، على أن يكون ذلك مقابل ما يطلبه الجانب التركي. المعلومات المتوافرة حتى الآن تقول إن الجانبين كانا يعملان على هذا الخيار، وإنهما وصلا إلى مرحلة متقدّمة قبل أن يقوم نائب الرئيس الأميركي بنسف المفاوضات وينضم إليه ترمب فيما بعد. من الممكن إعادة إحياء هذا السيناريو بالنظر إلى أن الجانب التركي لا يزال يعبّر عن انفتاح ورغبته في حل الخلاف مع واشنطن، بشرط أن تغيّر الأخيرة من سلوكها؛ لكن إلى أيّ مدى سيكون من مصلحة ترمب أن يعقد هذه الصفقة؟ 

يقول تقرير لـ «الفايننشال تايمز»، نُشر قبل عدّة أيام فقط، إن ترمب يستغل الأزمة مع تركيا حول القسّ من أجل كسب أصوات الإنجيليين في الانتخابات النصفية المقبلة. إذا ما قرّر ترمب أنه من الأفضل الاستمرار في هذه الأزمة حتى موعد هذه الانتخابات في نوفمبر المقبل، فهذا معناه أن هذا السيناريو قد يكون صعب التحقق أيضاً؛ لكن إن قرر أنّ ما حصل يكفي وأنه من الأفضل الاكتفاء بالمكاسب التي تحققت داخلياً قبل خسارة تركيا كحليف، فإن إمكانية تحقق سيناريو الصفقة الجزئية هذا تصبح عالية.. لكن هذا السيناريو لن يحل كل المشاكل بين الطرفين، وقد تعود واشنطن لاحقاً إلى الاشتباك مع أنقرة حول ملفات أخرى كملف منظومة «أس-400» الدفاعية الروسية أو ملف العقوبات الأميركية على إيران، والتي سيتم تطبيق دفعتها الثانية في نوفمبر المقبل أيضاً.

وفيما يتعلق بالسيناريو الثالث، فهو سيناريو التصعيد. في هذ السيناريو لن يأتي التصعيد من الجانب التركي، لكن فرض واشنطن المزيد من العقوبات على أنقرة سيتبعه خطوة مماثلة من الأخيرة بالتأكيد، هذا السيناريو هو أسوأ السيناريوهات، وسيكون له انعكاسات سلبية على المستوى السياسي والاقتصادي بين البلدين، وقد تمتد الأزمة لتطول التعاون العسكري أيضاً. فضلاً عن ذلك، فإن لهذا السيناريو تداعيات جيوبوليتيكية كبرى محتملة قد تؤدي في النهاية إلى زعزعة حلف شمال الأطلسي وإلى اتساع الهوّة بين أميركا وحلفائها الغربيين، وبروز دور أكبر لكل من روسيا والصين على المستوى الإقليمي.

أما السيناريو الرابع والأخير، فهو سيناريو استمرار الأزمة على شكلها لكن دون تصعيد في الإجراءات، في هذه الحالة نكون قد دخلنا في مأزق صعب. وبالرغم من افتراض عدم وجود تصعيد، فإن هذا السيناريو يعني أن تراكم الخلافات سينفجر في مرحلة من المراحل دفعة واحدة ودون مسار تصاعدي، ما يعني أنه سيكون من الصعب بمكان توقّع النتائج.
غالباً، المعطيات الحالية تغلّب السيناريو الثاني والثالث، لكن مع وجود رئيس أميركي لا يمكن توقّع خطوته الثانية، فإن باب الاحتمالات يبقى مفتوحاً على السيناريوهات الأربعة.;

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس