علي الصاوي - خاص ترك برس

في واقعة ليست هي الأولى من نوعها في القمع والاعتقال لكنها الأشدّ عبر سنوات مضت، قامت الصين بحبس ما يقارب عن مليون من مسلمي الايجور بتركستان الشرقية، في معسكرات سرية بذريعة مكافحة التطرف والحفاظ على الأمن القومي للبلاد، لكن الهدف الحقيقي من وراء هذه الحملة هو دمجهم مع التقاليد والثقافة الصينية التي تحاول الصين غرسها في الاقليم المسلم منذ عدة سنوات، وقد جاء ذلك في الاجتماع الذي عقدته لجنة القضاء على التمييز العنصري التابعة للأمم المتحدة بجينيف والتي عُقدت خصيصا من أجل مراجعة قرارات الصين وسياستها ضد الأقليات، الأمر الذي أزعج الوفد الصيني ورفض التعليق على تلك الادعاءات واكتفى بأن الأمر يعد انتهاك للسيادة والشأن الداخلي!

"إن الله لا يدفع رواتبكم " هذه العبارة التي دائما يرددها رجال الشرطة الصينيين أثناء مداهمة منازل مسلمي الإيجور بتركستان الشرقية، بحثاً عن أي مواد أو كتب تتعلق بتعاليم الدين الإسلامي، فما هي حكاية تلك الفئة المسلمة، التي تعيش في غرب الصين، وتتعرض لاضطهاد دائم ؟

بداية النشأة

تركستان دولة مسلمة ينحدر سكانها من العرق التركي، وتتخذ من التركية لغة لها ويستخدمون أيضا اللغة العربية، مساحتها خمس مساحة الصين1,7 مليون كيلومتر مربع، فتحها قتيبة بن مسلم عام 95 هجرية، ومنذ ذلك الوقت والإسلام هو الدين الرسمي للبلاد، وبقيت دولة مستقلة حوالى عشرة قرون، وفى عام 1759 حدث أول احتلال صيني لتركستان لمدة أربع سنوات، ثم احتلتها مرة أخرى عام 1881 لكن أهل تركستان ثاروا ضد الحُكم الصيني وأعلنوا قيام دولتهم باسم " جمهورية تركستان الشرقية الإسلامية " في مدينة كاشغر عام 1933م، لكن روسيا رفضت قيام دولة إسلامية مستقلة بجوار مستعمراتها، وقدمت مساعدات حربية لحليفتها الصين الشيوعية لمحاربة المسلمين وإنهاء دولتهم .

الاحتلال الأخير

ظلت تركستان جزءًا من العالم الإسلامي حتى قيام دولة الصين الشعبية، التي احتلّتها مرة أخرى عام 1949م، بعد مجازر دموية ضد المسلمين وأطلقت عليها اسم "إقليم شينجيانج " أي الحدود الجديدة ، وبعد سياسة التهجير ونزوح كثير من أهلها لمناطق أخرى، قل عددهم، وفرضت الصين النظام الشيوعي الإلحادي علي كل المسلمين بأبشع صور الإرهاب وانتهاك حقوق الإنسان، حيث هدمت المساجد ومنعتهم من أداء الشعائر الإسلامية كالصلاة والصوم وإعفاء اللحية والنقاب، ومنع لبس الزى الإسلامي وتم إحراق المصاحف والكتب الإسلامية، وتغيير لغة التعليم في تركستان إلى اللغة الصينية، واعتقال العلماء من شتى الطوائف الإسلامية ومحاولة طمس الهوية الإسلامية، وكان آخر القرارات هناك منع التسمية بالأسماء الإسلامية مثل محمد وجهاد وإسلام وإمام، لقطع  صلتهم  بكل ما هو إسلامي، وظل الوضع على هذا الحال من العنف والتضييق عليهم حتى بداية السبعينيات، حين أعلنت الصين احترامها لمكانة جميع الأديان وإعادة فتح كثير من المساجد التي تم إغلاقها، وأعادت بعثات الحج والعمرة والعطلات الرسمية الإسلامية، لكن بكل أسف لم يستفد من تلك الإصلاحات سوى مسلمي الهوى فقط، وهي طائفة مسلمة تجيد اللغة الصينية، وتعتبرهم الصين المسلمون الحقيقيون، فهي تمنحهم كل الحريات الدينية التي يريدونها، أما المسلمون الآخرون الذين لا يجيدون الصينية ويقطن أغلبهم في إقليم تركستان، تفرض عليهم الدولة رقابة صارمة وتمنعهم من أبسط حقوقهم، وبدأت حملات القمع تتصاعد بحقهم أكثر منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2011، بعد أن توفرت بيئة دولية تتسامح مع أي عنف ضد المسلمين .

حجم الموارد وسياسة التغيير الديموغرافي.

مع كثرة الموارد التي حبا الله بها تلك البلد، إلا أن شعبها فقير جداً ولا يحظى بأي خدمات، فالصين تعتبرهم غرباء لأنهم لا يجيدون اللغة الصينية وغير مندمجين مع ثقافة المجتمع الصيني، يوجد في تركستان 40 نهرا وهى منطقة غنية بالثروات، فهي تنتج "25% من احتياطي الصين النفطي" و28% من احتياطي الغاز الطبيعي، بالإضافة إلي الذهب والفضة والبلاتين والفحم واليورانيوم، وبذلك فإن 40% من دخل الصين يأتي من تركستان الشرقية، بينما يعيش 80% من مسلمي الإيجور تحت خط الفقر! انتهجت الصين سياسة تهجير قوميّة "الهان" البوذية إلى داخل تركستان الشرقية فكانت نسبة المسلمين قبل عام1949م حوالى 97% ثم انخفضت الآن إلى 50%، وزادت نسبة الهان البوذية 40% بعد ما كانت لا تُمثل في الماضي سوى 10%فقط، وآخر ما ابتدعته الصين لاضطهاد الإيجور هو سياسة "القرابة التوأمية" التي يتم من خلالها استضافة مسلمي تركستان للبوذيين في بيوتهم، وإجبارهم على التعايش معهم كإخوة! مما يؤدى ذلك للتغيير الديموغرافي المتدرج لصالح البوذيين بتوطينهم، كما تُشجّع الصين شبابها العاطل عن العمل إلى الذهاب للعمل هناك بحوافز مغرية، والإقامة في مستوطنات أنشأتها الصين على غرار المستوطنات اليهودية في فلسطين.

ولم يقتصر الأمر على هذا الحد، بل قامت الصين بتجريف بعض الأراضي الزراعية وهدم مشاريع مسلمي الايجور التي يعيشون منها وأقامت بدلاً منها مشاريع استثمارية لإجبارهم على العمل في هذه المشروعات بهدف السيطرة على مصادر دخلهم والتحكم بهم وإخماد أي تمرد محتمل من جانبهم، بل قاموا أيضا بملاحقتهم في الخارج، ففي بداية هذا العام سافر وزير الداخلية الصيني بزيارة قصيرة إلى القاهرة وقام بالتنسيق الأمني مع وزير الداخلية المصري بترحيل مسلمي الايجور من طلبة الأزهر الشريف، وبالفعل تم ملاحقتهم في مساكنهم وفي المساجد التي يترددون عليها وقاموا بترحيلهم، ولم يصرح أي مسئول مصري عن السبب وراء تلك الاجراءات التعسفية.

حاولت تركستان الشرقية أن تدخل تحت مظلة الأمم المتحدة وحمايتها، لاسيما أنها تتعرض إلى شتى أنواع الاضطهاد والتهجير، إلا أن كل محاولتها باءت بالفشل وتم رفض جميع الطلبات التي قدمتها للأمم المتحدة، فمتى تنتهي مأساة تلك الأقلية المستضعفة ويعيش أفرادها كمواطنين طبيعيين، معترف بهم ولهم كافة الحقوق التي يتمتع بها كل مواطن صيني، فإن مشاعر الأخوة ورباط الدين تُحتّم علينا الوقوف بجانبهم في الإعلام والمحافل الدولية لنيل أبسط حقوقهم، على الحكومة التركية أن تستغل علاقتها السياسية الجيدة مع الصين في تلك المرحلة، كخطوة لتحسين أحوال تلك الفئة المسلمة ، لاسيما وأنها تنحدر من أعراق تركية ذات جذور تاريخية.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس