سيفيل نورييفا – صحيفة ستار – ترجمة وتحرير ترك برس

بدأت أمريكا بتطبيق الجزء الأول من العقوبات المفروضة على روسيا اعتباراً من اليوم الراهن، ومن المعلوم أن الجزء الثاني الذي يهدف لإعاقة تجارة السلاح والقروض المالية وأي علاقة في مجال الاتفاقات التمويل سيبدأ في شهر تشرين الثاني/نوفمبر.

أمريكا تفرض عقوبات اهل يقتصادية على روسيا من جهة، وتظهر ردود فعل قاسية تجاه كل من يتفق مع روسيا على الصعيد العسكري من جهة أخرى، وكما قال المتحدّث الرسمي باسم وزارة الخارجية التركية: "يبدو أن أمريكا لا ترغب ببيع صواريخ S-400 الروسية لأي أحد وليس لتركيا فقط".

من جهة أخرى اتّهمت أمريكا السلطات الروسية باغتيال الجاسوس الروسي السابق "سيرجي سكريبال" الذي كان يعمل لصالح الطرفين معاً في بريطانيا، ويجب لفت الانتباه إلى أن واشنطن وجّهت هذه التهم لروسيا من دون إجراء أي أبحاث وتحقيقات وطرح الأدلّة على الرأي العام، كما أن عداوة بريطانيا التقليدية لروسيا أدت إلى تحويل هذه المسألة إلى ورقة سياسية رابحة ضد الأخيرة.

في سياق آخر يجب اللفت إلى أن قضية الراهب الأمريكي برونسون أيضاً كان حجّةً وضعتها أمريكا لفرض العقوبات على تركيا، والهدف من ذلك هو زيادة توتر العلاقات الاقتصادية التركية من أجل الضغط على تركيا ومنع تقدّمها.

وجّه مستشار الأمن القومي الأمريكي "جون بولتون" لأوكرانيا والاتحاد الأوروبي بعض التصريحات التي تشير إلى ضرورة البحث عن خيار بديل لمشروع التيار الشمالي 2، بتحليل آخر يقول بولتون: "يجب أن لا يجب تتطوّر العلاقات فيما بينكم، بل ويجب أن تصل لنقطة الانكسار إذا أمكن الأمر"، والسبب في ذلك هو أن مصالح أمريكا لا تتكامل من دون الأزمات، أي يجب أن يكون هناك أزمات وحروب ليزداد التوتر بين الدول وتخرج أمريكا بمظهر المنقذ لتجد حل للمشاكل.

يبدو أن هذه الضغوطات المذكورة دفعت الألمانية "أنجيلا ميركل" إلى زيارة دول القوقاز الشمالية بحثاً عن مصادر الغاز الطبيعي، وفي هذا السياق إن جورجيا تحمل أهمية كبيرة بالنسبة إلى ألمانيا، إذ تقرّبت جورجيا من الاتحاد الأوروبي لتتمكّن من الاستقلال التام عن روسيا، لكنهم لم يتمكّنوا من الوقوف في وجه ضم أبخازيا وأوسيتيا لروسيا من خلال الاستفتاءات، إضافةً إلى أنه لم يتمكّن أي أحد من فرض العقوبات على روسيا على الرغم من التطورات المذكورة، وفي هذا السياق بدأت أرمينيا باتخاذ خطوات هامّة في ظل الإدارة الجديدة، وعلى الرغم من ضعف بنيتها الاقتصادية إلا أنها تحمل أهمية كبيرة بقدر روسيا بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، هذا وقد عرضت ميركل على زعيم المعارضة الأرمنية "نيكول باشنيان" أن تكون وسيطاً لإيجاد حل للمشكلة المتعلقة بمنطقة "كاراباغ العلوية"، وقد جاء العرض ذاته من أذربيجان أيضاً، لكن توضّح لاحقاً أن هدف ميركل من هذا العرض هو الوصول إلى اتفاق في خصوص مصادر الغاز الطبيعي، ولكن يبدو أن الغرب لن يدعم أرمينيا اقتصادياً إلى أن تُعلن استقلالها التام عن روسيا.

تزامناً مع زيارة ميركل لأبخازيا وأوسيتيا الجورجية استضاف الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" رؤساء المنطقتين معاً في قصر كريملين، والآن يبدو أن ألمانيا وروسيا بحاجة بعضهما البعض، لكن من الواضح أن الطرفين لا يرغبان في الجلوس على طاولة المفاوضات قبل الحصول على أوراق رابحة في الصدد ذاته، ولذلك شعرت ألمانيا بأنها بحاجة إلى أجراء بعض الاجتماعات خارج إطار اتفاقات مصادر الغاز الطبيعي، وذلك من أجل تخفيف الضغط الأمريكي لأقل حد ممكن.

إن عدم رفض ميركل لحظر الدخول المفروض على أحد الوزراء الألمان الموجودين ضمن الهيئة المتوجهة إلى أذربيجان وموافقتها على إزالة اسم الوزير المذكور من القائمة يشير إلى أن الظروف الراهنة لا تسمح لميركل بالاهتمام بمفاهيم الديمقراطية والحرية، إذ لم تسمح إدارة أذربيجان بدخول الوزير ذاته إلى أذربيجان على الرغم من دخوله إلى كاراباغ العلوية بطرق غير رسمية، واضطرت ميركل للموافقة على هذا القرار.

إن دول القوقاز الشمالية تحمل أهمية كبيرة بالنسبة إلى الغرب، خصوصاً أن كل دولة من دول القوقاز تحمل أهمية خاصة بحسب مضمونها، على سبيل المثال تعود أهمية أذربيجان لوجود مصادر الطاقة، بينما تعود أهمية جورجيا إلى كونها مجاورة للبحر الأسود وتركيا وكذلك إلى وجود إمكانية فصلها عن روسيا بشكل تام، أما أرمينيا فهي تحمل أهمية كبيرة لأن فصلها عن روسيا سيؤدي إلى تغيّر جميع الموازين في دول القوقاز، لكن السؤال الهام هو "هل يمكن فصل هذه الدول عن روسيا؟".

روسيا تسعى إلى وضع جيوشها في كاراباغ العلوية بطريقة أو بأخرى، وبذلك ستكون قد وطّدت وجودها في جنوب القوقاز، وبالتالي تحاول روسيا كسر الحصار المتشكّل حولها من خلال هذه المحاولات، وتؤمن بأنها إن لم تفعل ذلك ستضطر لمواجهة مبادرات الاحتلال الجديدة التي تعارض المحاولات الروسية، وهذه التفاصيل تشمل أذربيجان وأرمينيا في الوقت نفسه، لكن هل يمكن لروسيا أن تسيطر على جنوب القوقاز بشكل كامل؟ لا يمكن توقّع ذلك قبل أن تنتهي مصالح بريطانيا المتعلّقة بموارد النفط في المنطقة.

أدت سياسة أمريكا البعيدة عن مفاهيم الحقوق والحريات إلى تهدئة وجهات النظر تجاه الخطوات التي تتخذها روسيا، علماً أن سياسة روسيا لا تقل عن سياسة أمريكا في الضغط والظلم، لا أعلم إن كان هذا الواقع أمر جيد أم سيء! لكن من المؤكد أنه لا يمكن تأسيس أي إدارة وسلطة من خلال الظلم والاضطهاد.

عن الكاتب

سيفيل نوريفا

كاتبة في صحيفة ستار


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس