ترك برس

رأى الكاتب والمؤرخ العربي، بشير نافع، أن حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، والذي يقوده الرئيس رجب طيب أردوغان، يكمل مشروع مصالحة الدولة مع شعبها، ومصالحة الأمة مع ذاكرتها وتاريخها الطويل.

وفي مقال نشرته صحيفة "عربي21"، قال نافع إن يوم الثلاثين من آب/ أغسطس يحتل موقعاً بارزاً في ذاكرة الشعب التركي، شعب الجمهورية التركية.

في هذا اليوم من كل عام، يحتفل الأتراك، دولة وشعباً، بيوم النصر، إحياءً للانتصار الكبير الذي حققه جيش المقاومة الوطنية وحرب الاستقلال في عام 1922.

وكانت حرب الاستقلال انطلقت في الأناضول في 1919، لتؤشر إلى تطورين بالغي الأهمية في مصائر ما تبقى من السلطنة العثمانية، بعد إقرار السلطنة بالهزيمة في الحرب الأولى وتوقيعها هدنة مدروس المهينة في أكتوبر/ تشرين أول 1918.

بيد أن قوى معسكر الحلفاء، المنتصرة في الحرب، لم تترك السلطنة وشأنها إلى أن يعقد مؤتمر الصلح. اقتسمت دول الحلفاء، بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، السيطرة على مناطق السلطنة المختلفة، التي لم تكن سقطت في الحرب، بما في ذلك اسطنبول، عاصمة السلطنة والخلافة.

وشجعت قوى الحلفاء الحكومة اليونانية، المسكونة آنذاك بفكرة اليونان الكبرى، على إنزال قواتها في منطقة إزمير، واحتلال قطاع واسع من الأناضول.

وجاء في المقال: في مواجهة هذا التطور المهين، توافق عدد من كبار الضباط العثمانيين، المتواجدين على رأس قواتهم في الأناضول، وعدد من الوجهاء والنواب وزعماء العشائر، على إطلاق حركة مقاومة وطنية، للمطالبة بتحرير واستقلال كافة المناطق التي كانت لم تزل تحت سيطرة السلطنة عشية تواقيع هدنة مدروس.

هذه كانت بداية الحرب الطاحنة والمؤلمة، التي انتهت بدحر القوات اليونانية كلية من الأناضول، ودخول قوات حركة الاستقلال مدينة إزمير يوم الثلاثين من آب/ أغسطس 1922.

وربما يمكن القول إن جملة التطورات اللاحقة، التي صاغت تركيا الحديثة، تركيا الجمهورية، ولدت من ذلك الانتصار الكبير، بما في ذلك إلغاء السلطنة والخلافة، إعلان الدولة الجمهورية، وخيارات مصطفى كمال، القائد الأبرز لحرب الاستقلال، ورفاقه، الثقافية والاستراتيجية.

بدأ الهجوم الأخير لقوات حرب الاستقلال، في 26 آب/ أغسطس 1922، أي قبل أربعة أيام فقط من تحقيق النصر الكبير في إزمير؛ وهو أيضاً يوم بالغ الأهمية في ذاكرة الأتراك المسلمين

ففي هذا اليوم، قبل تسعة قرون، في 1071، حقق السلطان السلجوقي المسلم ألب أرسلان انتصاره التحولي على الجيش البيزنطي في معركة ملاذكرد، جنوب شرقي تركيا الحالية، التي انتهت ليس فقط بهزيمة طاحنة للبيزنطيين، ولكن أيضاً بأسر الإمبراطور البيزنطي.

الانتصار في ملاذكرد هو الذي فتح الأناضول لاستيطان المسلمين على نطاق واسع، سيما استيطان العشائر التركية، بعد أن كان الوجود الإسلامي محدوداً في أطراف شبه الجزيرة.

خلال المائتي عام التالية على ملاذكرد، بدأت الخطوات الأولى لإقامة الإمبراطورية العثمانية، وأصبح المسلمون الأتراك العنصر المسيطر في الأناضول.

كان قادة حرب الاستقلال يعرفون أهمية يوم 26 آب/ أغسطس في تاريخهم، الذي هو نفسه يوم انطلاق المعركة الأخيرة للحرب؛ ولكن الدولة الجمهورية، التي تدرك الصلة الوثيقة بين ملاذكرد والتاريخ الإسلامي لشعوب الجمهورية، اختارت نهاية الهجوم الحاسم، 30 آب/ أغسطس، للاحتفال بيوم النصر.

أرادت الدولة الجمهورية بناء أمة تركية جديدة، وليس دولة جديدة وحسب، ولبناء الأمة كان لابد من صناعة تاريخ جديد، وعي جديد، وذاكرة جديدة.

تجاهلت الدولة الجمهورية ذكرى ملاذكرد، فتح القسطنطينية، ولادة الدولة الإمبراطورية العثمانية، وكل التواريخ التي تذكر بالماضي الإسلامي لشعبها.

وأعلنت مناسبات، مثل يوم النصر؛ يوم السيادة الوطنية، الذي يحيي انعقاد المجلس الوطني الكبير في 23 نيسان/ أبريل 1920، بعد إغلاق المحتلين البريطانيين لبرلمان اسطنبول؛ ويوم إعلان الجمهورية في 29 أكتوبر/ تشرين أول 1923، مناسبات رسمية، بالرغم من عمر الجمهورية القصير وتاريخها المحدود.

انتهت سلطة الحزب الواحد في 1950 بفوز الحزب الديمقراطي في أول انتخابات تعددية، وأصبح عدنان مندريس رئيساً للحكومة. بذلك ولد التيار المحافظ التركي، الذي أصبح مباشرة تيار الأغلبية السياسي؛ وبدأت عملية مصالحة الشعب التركي مع تاريخة واستعادة ذاكرته المنسية.

حكومة مندريس هي أول من بدأ الاحتفال بانتصار ملاذكرد في الخمسينيات. وبعد ذلك بقليل، في نهاية الستينات، بادر تيار الضمير الوطني (مللي غروش)، أو ما يوصف أحياناً بالتيار الإسلامي السياسي التركي، بالاحتفال بذكرى فتح القسطنطينية في 29 أيار/ مايو 1453.

منذ صعود حزب العدالة والتنمية للسلطة في نهاية 2002، اكتسب الاحتفال بملاذكرد وفتح القسطنطينية صفة رسمية. لم يتوقف إحياء المناسبات التي أدخلتها الدولة الجمهورية إلى الجدول الزمني للأمة التركية؛ ولكن مناسبات أخرى، سابقة في تاريخ البلاد، جرى استعادتها وإحياؤها.

بمعنى، أن العدالة والتنمية يكمل مشروع مصالحة الدولة مع شعبها، ومصالحة الأمة مع ذاكرتها وتاريخها الطويل، الذي بدأه الأب الشرعي للتيار السياسي المحافظ في تركيا: عدنان مندريس.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!