د.عبد الرحمن الجاموس - خاص ترك برس

تعود فكرة اهتزاز عرش الإمبراطورية الأمريكية الى الواجهة بعد كل أزمة اقتصادية أو سياسية، حيث تناولها كثير من المنظرين الامريكيين، وتنبأ بتفككها صمويل هنتنغتون (Samuel P. Huntington) وهي رؤية تتوافق مع ما طرحته تقارير وكالة الاستخبارات المركزية CIA والتي حذرت في تقريرها عام 2017 من نهاية عصر الهيمنة والنظام العالمي القائم، وهي تنبؤات طرحها منظرون آخرون من بينهم جوزيف ناي (Joseph S. Nye) صاحب كتاب القوة الناعمة وكذلك يستدل عليها من خلال كتاب مايكل وولف (Michael Wolfe) المعنون بالنار والغضب والذي شرّح فيه شخصية ترامب في البيت الأبيض، حيث استعان بحوارات يتجاوز عددها 200 حواراً أجراها مع كبار موظفي البيت الأبيض، وخرج بمعلومات صادمة حول الطريقة التي تتبعها الإدارة في البيت الأبيض.

ما الذي يجري للأمريكان؟

بداية، تجاوز 

أمريكا فحولة عسكرية أم جنون عظمة؟

تنفق الولايات المتحدة الأمريكية على حلف الناتو 3.6٪ من ناتجها المحلي، كما رصدت ميزانية للدفاع تقدر بـ700 مليار دولار للعام 2018، وهي ميزانية للإنفاق على التسليح من أجل الدفاع عن أمريكا وحلفائها، إلا إن الأمريكان بدأوا مؤخراً بمراجعة استراتيجيات الدفاع، ليكتشفوا أنهم دخلوا حروب خاسرة في كل من العراق وافغانستان حيث أنفقوا مبالغ فلكية تجاوزت أكثر من 2.4 تريليون دولار حسب إحدى التقديرات المحافظة، وهي تقديرات حتى عام 2017 لأن عداد الإحصاء لا زال مستمراً فالحرب لم تنتهي بعد!

أمريكا والشعور بالغُبُن

لقد جُن الأمريكان من ألمانيا - مثلاً- فهي رافعة الاتحاد الأوروبي وقاطرته الاقتصادية، بناتج محلي إجمالي سيبلغ 4.2 تريليون للعام 2018 حسب تقرير للبنك الدولي وضعها رابع أقوى اقتصاد عالمي، بل أكثر من ذلك حققت منذ يومين فائضاً في الميزانية - لست شهور فقط - بما يقارب 55.7 مليار دولار وهو أعلى فائض حققته منذ توحيد الألمانيتين عام 1990! بينما تغرق ميزانيات الدول بالعجز، ورغم ذلك تساهم ألمانيا في ميزانية الناتو بأقل من 1.3٪ من ناتجها المحلي (الناتو يفرض على كل عضو 2٪ وهي نسبة أقل من 16 دولة عضو في الناتو منها دول تعاني من أزمات اقتصادية كاليونان وتركيا والبرتغال وغيرها، بل إن الأسطول البحري والجوي والبري الألماني متهالك وأغلب السفن والطائرات الحربية لا يمكنها العمل، لدرجة أنها قامت بعرض عسكري - طريف - منذ سنوات استخدمت فيه - باستخفاف - عصي خشبية مدهونة كما لو أنها مدافع! ويسأل بعضهم لماذا لا يجنّ الأمريكان من الألمان؟

ترامب: الواقع الأمريكي بلا مكياج

كل ما سبق أدى إلى بزوغ عصر ترامب؛ الذي مثّل برأي العديد من المنظرين ظاهرة طبيعية عبّرت عن الواقع الأمريكي - بلا مكياج -، أذكر أنني قد كتبت في وقت سابق مقالاً عن السطو الممنهج لأمريكا على المال العالمي، ومقالاً آخر عن أمريكا وتجارة الموبقات وتبين لي أنها تستثمر الأزمات والعواصف الاقتصادية التي تمر بها، بدءًا من فك الارتباط بالذهب وصولاً إلى عملية التيسير الكمي وما سبقها من تشريعات.

حمائية ترامب: بين لغة سميث وريكاردو وتصرف ألكسندر هاملتون

في عالم مثالي، تُحكم التجارة في بلدان العالم المختلفة بمذاهب كل من آدم سميث وديفيد ريكاردو القائلة بأن التخصص الدولي (كل دولة تتخصص في إنتاج سلع معيّنة) والميزة النسبية (ميزة كل دولة في السلعة المختصة بها) ستؤدي إلى إنتاج أكثر كفاءة ونمو أقوى ومستويات معيشة أعلى، لكن تلك ليست الطريقة التي تعمل بها دول العالم في الوقت الحالي حسب أسماء الخولي. فالسياسيون أمثال الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتحدثون بلغة سميث وريكاردو، لكنهم يتصرفون مثل ألكسندر هاملتون، وهو رجل دولة أمريكي وأحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، وجد شهرته أيضًا في الموسيقى الغنائية، ولكنه كذلك كان المؤسس الأصلي للحمائية الأمريكية في القرن الثامن عشر. وجد أن الجميع لا يربح من التجارة، وبعضهم يكسب أكثر بكثير من الآخرين، ومن ثم لا بد من فرض قواعد تحكم سياسات التبادل التجاري العالمي حتى ولو قامت على إثرها الحروب التجارية.

وعليه، حذرت أوكسفورد إيكونوميكس البريطانية من أن سياسة الحمائية والمتمثلة بفرض الرسوم الجمركية ستضر في الاقتصاد العالمي وبأنها قد جاءت في توقيت سيء بالنسبة لكثير من الاقتصادات العالمية.

أمريكا وشهية المنتجات الصينية المنافسة

في العلاقة مع الصين، ترك الأمريكيون في حقبة أوباما الحبل على الغارب للصينيين لدخول الأسواق العالمية، وهي استراتيجية لعبها أوباما من أجل تغيير العقيدة الاقتصادية والسياسية للصين، الذي حصل أن الصين ابتلعت الأسواق، ونسخت التقنية ووطنتها وحافظت على عقيدتها، ولهذا شعر الأمريكيون بالغُبن بعد أن أعلن الصينيون بأن بلادهم ستصبح قائدة للاقتصاد العالمي، المشكلة أن الأمريكان أعلنوا حرب التعريفات على الصين بينما أدمنوا منتجاتها ذات الأسعار التنافسية، وفِي هذا الإطار تضحكني حملة ترامب الانتخابية حيث تبين أن الرايات والأعلام المستخدمة في الحملة المعنونة بـ"لنجعل أمريكا عظيمة من جديد" مصنوعة في مصنع أعلام "جياهاو" في مقاطعة آنهوي بشرق الصين! وحسب مدير المصنع، صنعوا 90 ألف علم منذ آذار/ مارس الماضي، ويضيف مدير المصنع أن المستوردين من حملة ترامب ليسوا قادرين على مقاومة السعر التنافسي المنخفض - دولار للقطعة - !

عن الكاتب

د. عبد الرحمن الجاموس

أستاذ في الاقتصاد واستراتيجيات الادارة


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس