إبراهيم كالن - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس 

في عامها السابع  تواصل الحرب السورية إنتاج الفوضى والمأساة الإنسانية والاضطرابات السياسية. وبدون حل سياسي قوي ومقبول، فإن الصراع السياسي والعسكري المستمر لن يؤدي إلا إلى تفاقم الأزمات الحالية. من المحتمل أن تجعل التطورات الأخيرة في إدلب وماحولها الأمور أسوأ، وليس أفضل.

لم تعد الحرب السورية حربا حول سوريا، ومن المؤكد أنها ليست حربا من أجل مساعدة الشعب السوري، بل إنها ساحة حرب بالوكالة بين القوى العالمية والإقليمية. ولا ترجع وحشيتها إلى الأسلحة المستخدمة فيها فحسب، بل إلى الرغبة الشديدة في امتلاك المزيد من القوة والنفوذ. كان من الممكن أن يكون الحل القائم على العقل والفضيلة والرحمة ممكنًا منذ مدة طويلة، لو كان لدى أصحاب المصلحة نهج مختلف.

لقد تخلى العالم عن الشعب السوري. وفي حين كان اللاعبون الرئيسيون في الأزمة السورية يتظاهرون بالتعاطف مع معاناة الشعب السوري، فإنهم لم يفعلوا شيئاً يذكر أو لا شيء مطلقا لوقف الحرب. لقد رأوا الشعب السوري عالقا بين وحشي الحرب التوأمين: نظام الأسد الهمجي الذي قتل الآلاف من أبناء شعبه، والإرهابيين من مختلف النوعيات، بما في ذلك داعش، وحزب الاتحاد الديمقراطي التابع لحزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب، الذين يتحملون المسؤولية أيضا عن الموت والدمار في الأراضي السورية.

أثمرت عمليتا جنيف وأستانا عن بعض النتائج، لكن أيا منهما لم تتمكن من وقف المذبحة المستمرة. استخدم الأمريكيون داعش ذريعة لتبرير وجودهم في شمال شرق سوريا، بيد أنه مع القضاء على تهديد داعش إلى حد كبير، فإنهم يبحثون عن وسائل لإضفاء الشرعية على تعاونهم مع حزب العمال الكردستاني في سوريا، في انتهاك خطير للشراكة الاستراتيجية والعلاقة بين تركيا والولايات المتحدة. ولقيت دعوات تركيا للولايات المتحدة لقطع هذه العلاقة المشبوهة آذانا صماء. كما استخدم النظام وداعموه، إيران وروسيا، وحش داعش لتبرير سياساتهم لرسم خريطة جديدة في بلاد الشام، حيث دمروا جميعا أو أضعفوا جماعات المعارضة السورية المعتدلة عسكريا وسياسيا.

ظلت إدلب آخر معقل لقوى المعارضة السورية. وسوف يؤدي أي هجوم على هذه المحافظة التي يعيش فيها أكثر من 3.5 مليون شخص إلى كارثة إنسانية كبيرة، وإلى موجة أخرى من النزوح إلى تركيا ومن هناك إلى أوروبا وأماكن أخرى. ولن يجلب هذا الهجوم سوى الموت والدمار، وسوف يقوض جميع الجهود السياسية في إطار عمليتي جنيف وأستانا. سيكون هذا الهجوم انتصارا غير أخلاقي لنظام الأسد، وسيظهر من جديد أن الطريقة الوحيدة للحصول على ما تريد في سوريا هي استخدام القوة العشوائية والوحشية. لكن هذا لا يمكن أن يكون الطريق لحل الصراع السوري.

ومرة أخرى. لم يفعل العالم شيئا يذكر لمنع المستنقع الحالي حول إدلب، ذلك أن بيانات التحذير والتعبير عن والغضب والقلق، وما إلى ذلك لا تحقق شيئا. إن التهديد بشن هجوم إذا استخدم نظام الأسد الأسلحة الكيميائية لا طائل منه لسببين: الأول أن النظام السوري استخدم الأسلحة الكيميائية في الماضي ولم يفعل شيئا لتدمير قدراته بالكامل، كما أنه بضع هجمات بهدف التقاط صور لا تصل إلى أي نتيجة. ثانيا، إن التهديد بشن هجوم في حال استخدام الأسلحة الكيميائية، هي طريقة أخرى للقول إن النظام يمكنه أن يواصل مجازره باستخدام الأسلحة التقليدية. إن المفارقة السخيفة للحرب السورية هي أن النظام قتل كثيرا من الناس بالأسلحة التقليدية واستخدم الأسلحة الكيميائية، ولكن ما يزال الأمر يقف عند حد التهديدات سواء قتل النظام بالسلاح التقليدي أو الكيماوي. إن شغل أوروبا الشاغل ليس وقف الحرب، إذ لم نر لها أي مقترحات أو جهود كبيرة حتى الآن، ولكن يشغلها التأكد من أن الدول الأوروبية لا تواجه موجة أخرى من الهجرة، مثلما حدث في عام 2015 وعام 2016. تتضامن أوروبا مع تركيا، وهو تضامن من المهم تعميقه؛ لأنه لا يمكن لدولة واحدة، بما في ذلك تركيا، أن تتحمل عبء إنهاء القتال العسكري، وإيجاد حل سياسي ورعاية اللاجئين. يجب على الأوروبيين أن يتحملوا مسؤولياتهم.

إدلب هي منطقة وقف تصعيد بموجب اتفاق أستانة. وقد أنشأت تركيا وروسيا وإيران، بصفتها الدول الضامنة الثلاثة، مراكز عسكرية في المحافظة، من بينها 12 مركزا لتركيا. ولعل وجود الجنود الأتراك في المحافظة هو الضمان الوحيد لمنع أي هجوم كبير؛ لأن المقاتلات الروسية والقوات البرية التابعة للنظام لا تستطيع شن هجمات في وجود الجنود الأتراك هناك. نحن نعلم أنهم لا يبالون بالمدنيين ولا بقوات المعارضة الشرعية والمعتدلة. ومن ثم فإن أي هجوم على إدلب باسم القضاء على الجماعات الإرهابية سيقوض عملية أستانا.

لقد بذلت تركيا قصارى جهدها وستواصل جهودها الدؤوبة لمنع وقوع كارثة إنسانية أخرى في سوريا. يجب أن يتخطى الدعم الدولي عبارات القلق أو "الغضب" ، مثلما يفعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بتغريداته على تويتر. يجب أن يترجم الدعم الدولي إلى عمل ملموس من أجل حل سياسي وخطة للاجئين. إن ادلب قنبلة موقوتة نستطيع إيقافها وبدء عملية جديدة في سوريا، إذا أصبح المجتمع الدولي جادًا بشأن الحرب السورية، وأظهر اهتمامه بالشعب السوري.

عن الكاتب

إبراهيم كالن

الناطق الرسمي باسم الرئاسة التركية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس