محمود حج علي - خاص ترك برس

بعد أكثر من 7 سنوات من الثورة في سوريا تقدم السورييون في العمر كثيراً جداً، وبات الطفل الذي لم يتجاوز حدود العقد الأول من عمره يدرك بأن هناك مؤامرة ضد الشعب السوري، والجميع اتفق على سحق ثورة شعب طالب بالحرية والعيش بكرامة في بلد تتجذر فيه الحضارة لآلاف السنين، وبات الطفل يدرك ما لم يدركه الساسة في العالم أن إصرار هذا الشعب على نيل حريته وكرامته تقض مضاجع حكام البلاد العربية التي صدرت للعالم الحضارة والعلوم والتقدم عندما كانت هذه الشعوب تتمتع بالحرية وإطلاق الذات، لكن بات ذاك الطفل يدرك أن العلاقة بين الحرية وبين هؤلاء الحكام هي علاقة طردية، فلا عيش لهم في بلد الحرية ولا وجود للحرية في وجودهم، ولأن لا قوة تعلو قوة الشعب ربط هؤلاء الزوبعة مصير البلاد والعباد بين أيدي الجلاد الغربي الأوروبي والأمريكي، وراحوا يكرسو كل طاقاتهم وامكانياتهم لمنع أي حركة تحرر صغيرة كانت أو كبيرة، وليس هذا فقط إنما باتو يخونون من يحلم بالحرية ومن يدافع عن قيم الإنسانية والعدالة وحق العيش الحر.

تستحضرني قصة تشبه كثيراً حالة الدول العربية التي رضيت الذل والهوان وأَصبح الصوت الحر والشريف والذي يدافع عن الحق يجب قتله:

ﺃﺛﻨﺎﺀ ﺍﻟﺤﺮﻭﺏ ﺍﻟﺼﻠﻴﺒﻴﺔ ﺩﺧﻠﺖ ﺇﺣﺪﻯ ﻓﺮﻕ ﺍﻟﻐﺰﺍﺓ ﻗﺮﻳﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﻯ ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻮﻝ، ﻓﻨﻬﺐ ﺍﻟﻐﺰﺍﺓ ﺍﻷﻣﻮﺍﻝ ﻭﺍﻏﺘﺼﺒﻮﺍ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ. ﻭﺑﻌﺪ ﺭﺣﻴﻞ ﺍﻟﻐﺰﺍﺓ ﺍﻟﺴﻔﻠﺔ ﺟﻠﺴﺖ ﺍﻟﻨﺴﻮﺓ ﻳﺸﻜﻴﻦ ﻟﺒﻌﻀﻬﻦ ﻣﺎ ﺃﺣﺪﺛﻪ ﺍﻟﻐﺰﺍﺓ ﺑﻬﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻬﺎﻧﺔ ﻭﺍﻟﻌﺎﺭ ! ﺛﻢ ﺳﺄﻟﺖ ﺇﺣﺪﺍﻫﻦ: ﺃﻳﻦ ﺃﻡ ﺣﺴﻦ؟ ﻭﻛﺎﻧﺖ ﻏﻴﺮ ﺣﺎﺿﺮﺓ ﻓﻘﺎﻟﻮﺍ: ﻟﻌﻞ ﺃﺣﺪ ﺍﻟﺠﻨﻮﺩ ﺃﺻﺎﺑﻬﺎ ﺃﻭ ﻗﺘﻠﻬﺎ.. ﻓﺬﻫﺒﻮﺍ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻓﻮﺟﺪﻭﻫﺎ ﺗﺠﺮّ ﺟﺜﺔ ﺍﻟﺠﻨﺪﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﺣﺎﻭﻝ ﺍﻻﻋﺘﺪﺍﺀ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻓﻠﻤﺎ ﺳﺄﻟﻮﻫﺎ ﻛﻴﻒ ﻗﺘﻠﺘﻴﻪ؟! ﻗﺎﻟﺖ: ﻭﻫﻞ ﻛﻨﺘﻦّ ﺗﻨﺘﻈﺮﻥ ﺃﻥ ﺃُﻓﺮّﻁ ﻓﻲ ﻋﺮﺿﻲ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﺃﻣﻮﺕ! ﺧﺮﺝ ﺍﻟﻨﺴﻮﺓ ﻣﻦ ﺩﺍﺭﻫﺎ ﻭﻫﻦّ ﺧﺰﺍﻳﺎ ﻭﻗﺪ ﻃﺄﻃﺄﻥ ﺭﺅﻭﺳﻬﻦّ... ﺛﻢ ﺍﺗّﻔﻘﻦ ﻋﻠﻰ ﺣﻴﻠﺔ ﺧﺒﻴﺜﺔ ﺷﻴﻄﺎﻧﻴﺔ.. ﺭﺟﻌﻦ إﻟﻰ ﺩﺍﺭ ﺃﻡ ﺣﺴﻦ، ﻭﻫﺠﻤﻦ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻏﻔﻠﺔ ﻭﻣﺎﺗﺖ ﺍﻟﺤﺮﺓ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ﺑﺄﻳﺪﻱ ﺍﻟﺠﺒﻦ ﻭﺍﻟﺨﺴﺔ.. ﻗﺘﻠﻮﻫﺎ ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﻔﻀﺤﻬﻦّ ﺃﻣﺎﻡ ﺃﺯﻭﺍﺟﻬﻦ.. ﻗﺘﻠﻮﺍ ﺍﻟﺸﺮﻑ.. ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺃﻥ ﻳﺤﻴﺎ ﺍﻟﻌﺎﺭ..

ﻫﺬﺍ ما تفعله الدول العربية في سوريا. وهذا حال الدول التي تتكاتف على تدمير تركيا بانقلابات عسكرية واقتصادية وسياسية وغيرها، كل ذلك لأن الشرف قد مات عندهم ورضوا الذل والهوان ولم يعد فيهم من يستطيع يضاجع امرأته إلا بأمر وعلم أسياده، ولأنهم يعلمون تماماً أن أنه في حال انتصرت الثورة في اليوم الأول فأن الهدف الثاني سيكون مقاعدهم، فالشعوب تطلع إلى الحرية وهي تحتاج شرارة أو ضوءا تستنير به، ولأن بعض هؤلاء الحكام يدركو عواقب الثورات فسارعو لزراعة فصائل في الجيش الحر تقاتل فيما بينها وتضيع قضية الشعب من قضية ثورة حرية لقضية إرهاب وحرب داخلية.

ولأن المحطة الأخيرة (عسكرياً) في سوريا هي إدلب، فلا عجب أن تتجاهل ما يسمى (جامعة الدول العربية) والتي أنشأها الإنكليز قبل عقود، أن تجتمع ولو باصدرا بيان استنكار وتنديد بما يحصل في سوريا، ولو ذهبت لأبعد من ذلك فأنا أدرك أن معظمهم الآن يشارك في قمع الثورة وإنهائها عسكرياً وسياسياً.

أنا لا أؤمن في السياسة إن لم تُعد لي حقي، ولا أؤمن بالدبلوماسية إن لم تستطع الدفاع عن شعبي، ولا أمن بالمفاوضات إن كنت أخسر يوماً بعد يوم أرضي ومالي وأهلي في سوريا.

بعد سبع سنوات من الثورة في سوريا يجلس هذا الطفل وهو يحاول أن يحصي براميل القتل والإجرام في سماء أرضه، يتابع قمة حول إدلب في إيران، وفي إيران الوفد السعودي يضرب الطاولة على وجوه الإيرانيين ويهدد باجتياح ايران إن لم تنسحب من سوريا، والوفد المصري يعلق كل التجارة مع إيران وروسيا ويغلق قناة السويس، والوفد الإماراتي يوقف كل التجارة والتعاملات المالية... ويحلم ويحلم... وطال حلمه.

لكن الطفل يدرك للحظة أن الطيران الروسي والأمريكي بدأ بالقصف على قريته ومدينته، وبدأت تختلف صور بقايا الأشلاء مع أصوات الموتى ووهلة الموقف، يحمل الطفل بين أيادي من تبقى من أهله، ويذهب به إلى حيث سبقه فيها المئات قبله، ويستقر قرير العين بين جنبات الثرى فهي وإن كانت بلا روح فهي أحي عليه من الأموات الذين يمشون بين الأحياء.

يا طفلي تعال لأحكي لك حكاية، أرضك التي جئت منها هي حضارة تمتد لآلاف السنين، إلى دمشق كانت يأتي خراج الهند والصين، وإلى بغداد يأتي خراج ما وراء النهر، وعلى أعتاب إسطنبول يتذلل ملوك وأمراء فرنسا وأوروبا، ثم يا ولدي تركنا ما كان سببا في عزنا ولحقنا هوا الغرب، يا ولدي في أرضك تتهافت ملوك وأمراء ورؤوساء على أقدام من كانو تحت أقدام أجدادك سابقاً، ليس تذللاً لإطعامك أو حفظ أمنك، إنما لقتلك وقطع لسانك.

يا ولدي كل ما تراه الآن هو من صنع من يسمون أنفسهم عربا سفحاً وكذباً، العرب الذين وإن كانوا في أوهن أوقاتهم ماتوا من الجوع ولم يرضوا الذل ولا الهوان، العرب الذين بعث فيهم محمداً واختارهم أن يكونو حملة رسالته، العرب الذين انتشروا في كل العالم ونشروا العلم والثقافة والسماحة لتجد قبورهم في كل مكان في العالم من غربه لشرقه.

يا ولدي لا تحزن لأن عرباً دعموا قاتليك وكافؤوهم بمنحهم السيوف ليرقصو بها، لا تحزن على عرب يشاركو في قتل الفلسطينيين لأنهم يحرجونهم مع (أصدقائهم الأوروربيين والإسرائيليين).

يا ولدي لا تحزن على عرب باعوا قضيتك وقبضوا ثمنها كراسي لهم ولأولادهم، ليس قضيتك فقط وإنما باع أرضك وحقك وتاريخك ويبيعون حاضرك ومستقبلك.

يا ولدي لا تحزن، إن الذي خلقك قد قسم لك أن تكون هنا، قسم لك أن تكون عريباً على أرض عربية، قسم لك أن تحيا وتموت في أرض يتصارع عليها كلاب الأرض جميعاً.

لا تحزن فلعل الله يرسل لك يوماً ما رشيدً عادلاً، أو صلاحاً مقداماً، أو سيلماً حازماً قوياً، وعندها نقسم لك أننا سنقتص من هؤلاء الأعراب قبل أسيادهم.

نم قرير العين يا ولدي فعند الله تجتمع الخصوم.

عن الكاتب

محمود حج علي

كاتب سوري ومدرب موارد بشرية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس