د. علي حسين باكير - تلفزيون سوريا

أعلن الرئيسان التركي والروسي مساء يوم الإثنين التوصل الى إتفاق يقضي بإنشاء منطقة منزوعة السلاح في إدلب بعرض ١٥ إلى ٢٠ كلم على الخط الفاصل بين المعارضة والنظام السوري، على أن يتم نزع السلاح منها بحلول ١٥ أكتوبر (تشرين الأول) القادم، وتجري مراقبتها من خلال دوريات مشتركة تركية – روسية.

ويشكّل هذا الاتفاق خرقاً مهمّاًً وكبيراً في ملف إدلب، ويسجّل لتركيا أن تماسك موقفها، واعتراضها الصريح والواضح على عملية عسكرية شاملة يشنّها نظام الأسد ضد المحافظة، قد أفضى الى انتصار دبلوماسي جنّب إدلب –على الأقل على المدى القصير-  شبح الحرب وإمكانية إزهاق أرواح آلاف المدنيين ونزوح وتهجير مئات الآلاف من البشر في منطقة يقطنها أكثر من ٣.٥ ملايين مدني.

وصول تركيا وروسيا إلى هذا الاتفاق يؤكّد ثقل الدور الذي يلعبه البلدان في المسار السياسي والعسكري داخل سوريا. الاتفاق يعني أيضا أن أنقرة أقنعت موسكو أنّ الاتفاق سيكون بمثابة ربح متبادل يعزز من التعاون بين البلدين وكذلك الأمر بالنسبة إلى المسارات السياسية، وذلك بالضد من سيناريو المعركة الشاملة الذي كان سيدمر التعاون الروسي-التركي ويقوّض من المسار السياسي ويخلّف آلاف الضحايا من المدنيين.

بموجب هذا الاتفاق، حصلت تركيا على مزيد من الوقت لحل مشكلة المجموعات المصنفة إرهابية وبذلك تكون قد سحبت هذه الذريعة مؤقتا من يد الأسد، ومنعت النظام كذلك من دخول المحافظة، وأقنعت موسكو بضرورة التنسيق الثنائي للحفاظ على مسار أستانة والدفع قدماً في المسار السياسي. سيتيح الاتفاق لأنقرة كذلك أن تعزز من وجودها العسكري في إدلب، وهو ما يعني أنّها باقية إلى وقت غير قريب، الأمر الذي سيقوي موقفها في نهاية المطاف بغض النظر عن المآل الذي ستتجه إليه الأمور لاحقا.

في المقابل، يوّفر الاتفاق على روسيا التبعات الكارثية التي كان من الممكن أن تحصل فيما لو قررت المضي قدما بدعم عملية عسكرية شاملة للأسد. وبموجب الاتفاق حصلت موسكو على ما يبدو على ضمانات بعدم تعرّض قواعدها العسكرية في اللاذقية وطرطوس لأي هجمات، كما تكون قد كسبت التزاماً من تركيا بمكافحة الإرهاب بشكل ثنائي في حال لم تقبل الجماعات المصنفة إرهابية الحل السياسي، أو في حال خرقها للاتفاق. 

وبهذا المعنى، فإنّ المسؤولية ستكون مشتركة بين تركيا وروسيا وفق هذا الاتفاق، حالها حال الضمانات، وهو ما يفترض زيادة التعاون والتنسيق بين الجانبين التركي والروسي، وأنّ أيّاً منهما لن يتحرك بشكل أحادي أو يتجاهل الطرف الآخر، وهذا هو ما أراده الجانب التركي منذ البداية. ولا شك أنّ موسكو تتوقّع في المقابل أن يكون هناك تقدّم في المسار السياسي بالتعاون مع روسيا في المرحلة المقبلة، ولا يعني ذلك أنّ الأمور ستكون سلسة من الآن فصاعداً، وإنما سيكون هناك تحديات للطرفين التركي والروسي. 

الاتفاق قد يشهد خروقات من الأطراف الثالثة التي لم تشارك في التوصل إليه أو الأطراف المتضررة، أي النظام وحلفاءه من جهة، وربما كذلك من الجماعات المسلحة من جهة أخرى. لقد سبق للنظام وإيران أن قاما بتخريب اتفاقات ثنائية تمّ التوصل إليها بين تركيا وروسيا بعد معركة حلب. لكن هناك من يشير الآن إلى أنّ إيران لا تريد أن تظهر بمظهر اللاعب الشاذ، المشاكس، أو المخرّب لأنّها ستحتاج إلى تركيا وروسيا في مواجهة العقوبات الأمريكية في المرحلة المقبلة، ولذلك فإن تخريب اتفاق إدلب - على الأقل بشكل مباشر - لن يحقق لها مكاسب وإنما سيرتب عليها أعباء. 

في المقابل، من غير المعروف بعد كيف ستقرأ الأطراف الدولية هذا الاتفاق لاسيما الولايات المتّحدة الأمريكية. لا شك بأنّ الجانب الأوروبي سيكون مطمئناً الآن إلى أنّه لن تكون هناك موجات لجوء جديدة إلى أوروبا، على الأقل خلال الأشهر القليلة القادمة. وربما لعب الجهد الدبلوماسي التركي كذلك في جمع مسؤولين روس وأوروبيين دوراً في إقناع موسكو بضرورة أخذ مسألة اللاجئين على محمل الجد في مقابل دور أوروبي مستقبلي يدعم تحقيق الاستقرار في سوريا. 

أمّا بالنسبة إلى الجانب الأمريكي، فهناك من يقول إنّه لم يكن لواشنطن مصلحة في شن عملية كبرى لنظام الأسد في إدلب، لكن الأكيد أنّها لم تكن معارضة بشكل تام وحاسم لعمليات محدودة لنظام الأسد. أمّا وقد قطع الاتفاق التركي-الروسي الطريق على مثل هذه العملية بقيادة أسدّية وتمّ تسجيل ذلك على أنه انتصار دبلوماسي تركي بتسهيل روسي، فقد يزعج هذا الأمر الولايات المتّحدة لاحقا، خاصّة أن الرئيس "الأمريكي" لم يوفّر واشنطن من خطابه بطريقة غير مباشرة عندما أشار إلى الجماعات الإرهابية التي تدعمها والمتمثلة في ميليشيات (بي واي دي/ واي بي جي) الكردية. 

خلاصة القول، لا شك أنّ الجهد التركي الدبلوماسي والعسكري غير المسبوق يستحق الإشادة، وربما تعد هذه الملاحظة من المرات القليلة التي نجح فيها الجانب التركي في أن يلعب أوراقه المحدودة بطريقة جيّدة واستغلال أمثل، لكن لا شك أيضاً أنّ الاتفاق نفسه سيخضع للكثير من النقاشات الثنائية على تفاصيل تطبيقه بالرغم من التوقيع عليه بين الطرفين، وهو ما سيكون بمثابة إعلان عن انطلاق جولة التحديات المقبلة.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس