حسن إبراهيم الدغيم - خاص ترك برس

في مثل هذا الجو المحموم من التصنيف والتنميط، يستلزمك أن تبدأ مقالتك بسلسة من الدفاع والتوطئة ضد تهم ستنهال عليك بمجرد إبداء رأيك بموضوع يتعلق بالسياسة المعاصرة ومآلات واقعنا السوري، وإن صعب اتهامك بالقعدنة والدعشنة فما أهون من الأخونة وأنك من الإخوان المسلمين، وهذه الصرعة الإعلامية الجديدة بدأنا نسمعها مع كل إشادة من أي سوري بموقف تركيا المشرف من القضية السورية، فلو قلنا #شكراً_تركيا قالوا هذا من صنيع الإخوان وإن رفع المواطن السوري علم تركيا قالوا هذا من نسيج الإخوان، وإن كتب شعاراً على لافتة حيا بها رئيس تركيا قالوا من أطفال الإخوان.

ولا نضع مجموع المنتقدين هنا في سلة واحدة فلا شك أن الكثير من التفاصيل يمكن أن يبحث عنها ولكن علمتنا التجارب أن الصوت العالي يغطي على الصوت العاقل، والآن أعود لعنوان مقالتي.

تركيا جار الرضا محاولاً إبداء رأي في قراءة موقفها الداعم والمساند لشعبنا العظيم في النقاط التالية:

أولاً: لماذا تشكر تركيا ولا شكر على واجب، أما هذه فعبارة ليست مقدسة بل نرى أن الإنسان يقوى بالشكر ويتضامن مع من يقدر عمله وهو من أعلى درجات التحفيز على فعل الخير وعلى أساسه كانت الأعطيات والمكافئات والجوائز والتهادي لتعزيز عمل الخير، فالناس ليسوا حجارةً مصمتة خالية من المشاعر فكما أن القدح والشتم يؤذيهم فإن الشكر والثناء يثريهم.  

ثانياً: إن موقف تركيا المشرف حكومةً وشعباً ليس شيئاً جديداً بل هو مداد التاريخ المشترك منذ ألف عام اختلطت فيه دماء الشهداء ومداد العلماء وصروح الحضارة والعمران ومواجهة العوادي والمحن وامتزجت به الأنساب والبشر ولمعت في ثناياه بروق ملاذكرد وجالديران وجناق قلعة، وركب متون الأحداث الغابرة خيرة شباب الأمة من المعتصم لنور الدين وألب أرسلان وملكشاه وعثمان وبربروسا والفاتح وبيبرس فما كان يعرف التركي من العربي ولا الكردي من الفارسي، فمن عبق هذا التاريخ نستمد عزمنا نحو إدارة التاريخ المشترك.  

ثالثاً: كلنا يعرف أن تركيا دولة تسير نحو الديمقراطية وبذلت في سبيل ذلك الجهود الجبارة عشرات السنين وصارت نموذجاً يحتذى للشعوب العربية بحكم الدين والجوار والمبادئ والثقافة المشتركة ، والتقارب مع هذا النموذج ومحاولة استمداده واستنساخه بما يمكن هو أمر ممكن أمام الشباب السوري خاصةً والعربي عامةً وهذا يقتضي زيادة حجم التواصل والتآخي مع الشعب التركي وعلى كافة المستويات وعدم الانغلاق والصد عن طرق التطور والنمو وخاصة بعد فترة الإنهاك التي أوقعتنا بها قوى الثورة المضادة وسدنة الاستبداد في عالمنا العربي.  

رابعاً: إن الشعب السوري لم يقم بثورته من أجل جنيف ولا أستانا ولا سوتشي ولا تبريز هذا شيءٌ قطعي، ولسنا ملزمين بالدفاع عن نتائجها وخاصة أن السوريين لم يكونوا حاضرين، ولكننا هنا لا نتكلم عن مبادئ ثورةٍ منتصرة وإنما عن إدارة خسائر وحفظ ما تبقى بعد أن غدرت بنا الثورة المضادة وخذلتنا أنظمة الاستبداد وبطش بنا العدو الإيراني والروسي، فكان الموقف التركي الدبلوماسي والعسكري والأمني خير ظهير وجارٍ لنا في ساعة العسرة في حماية ما تبقى من محرر بعد أن بلغت القلوب الحناجر وزلزلنا زلزالاً شديداً.

خامساً: شعبنا السوري في الشمال خاصة ومنذ أكثر من سنة وهو لا حديث له إلا بتدعيم الدور التركي وزيادة حجمه في الثورة السورية مرحباً بجيش تركيا رافعاً لعلمها لأنه لا يثق بمن يتركونه في وسط الطريق ومن تركوه وذهبوا ليدعموا ميلشيات البيادي، وهو يعلم كم تعاني تركيا من ضغوط دولية على كل ملف تحاول التخفيف فيه عن السوريين.

سادساً: لكل دولةٍ مصالح وتركيا دولة لها مصالحها وهذه هي السياسية ونحن عندما نصبح دولة قوية ستكون لنا مصالحنا وسنقدمها على مصالح الآخرين وهذه سنة الحياة وليس عيباً، وتركيا بشر ويحكمها بشر يخطئون ويصيبون ولو أنا تركنا كل من أخطأ بمجرد خطأه لتركنا جيشنا الحر العظيم فكم وكم وقع بأخطاء، ولكم وقعنا نحن كثوار في أخطاء، ولكننا لم نطلب الخطأ قصداً وإنما وقعنا به تبعاً.

وأخيراً: شكراً لتركيا وشكراً لأردوغان ومرحباً بالجيش التركي صديقاً حامياً للقيم ومعززاً للصمود وحليفاً في مواجهة المحن، وأخوةً في القضية والمصير نتطلع لمساعدتهم في بناء سوريا دولة الحرية والعدالة والقانون والديمقراطية بعد سقوط نظام الطائفية والفجور والاستبداد.   

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس