ترك برس

أشارت صحيفة القدس العربي إلى تزايد نفوذ أنقرة في المناطق التي يسيطر عليها الجيش التركي وقوى المعارضة السورية التابعة له في شمالي سوريا، مع توسعه من الجانب العسكري المباشر إلى جوانب أمنية واستخبارية واقتصادية واجتماعية وثقافية جعلت من هذه المناطق أشبه بولايات تركية.

وقالت الصحيفة في تقرير لها إن آراء السوريين تتفاوت بين من يرى في هذا النفوذ المتصاعد فرصة كبيرة لتحقيق الأمن ومنع هجمات النظام وإعادة تلك المناطق للنظام العام ودفعها نحو التطوير في المجالات كافة، وبين يرى في هذا النفوذ خطراً على مستقبل تلك المناطق وارتباطها بسوريا على المدى البعيد لا سيما تعاظم الآثار الاجتماعية والثقافية على السكان من كافة الأجيال من حيث ارتباطهم بتركيا أكثر من سوريا، على حد تعبيرهم.

وحسب التقرير، تشمل هذه المناطق ما سيطر عليه الجيش التركي ضمن عملية "درع الفرات" في ريف حلب الشمالي والمناطق التي يضمها كالباب وجرابلس وأعزاز والراعي، وصولاً إلى المناطق التي تمت السيطرة عليها في عملية "غصن الزيتون" وهي عفرين ومحيطها الواسع.

وليس انتهاءً بمحافظة إدلب التي يتعزز الوجود التركي فيها لا سيما عقب اتفاق إنشاء منطقة منزوعة السلاح في المحافظة وما يتضمنه من تعزيز السيطرة التركية على المحافظة عبر نقاط المراقبة الـ12 التي ينتشر فيها الجيش التركي.

وتابعت الصحيفة: يسيطر الجيش التركي بشكل مباشر عبر قواته ومن خلال عناصر "الجيش السوري الحر" و"الشرطة" الذين يدينون بولاء كامل لأنقرة ويلتزمون بتوجيهاتها على المناطق التي تم فرض السيطرة عليها ضمن عملية "درع الفرت" التي نفذها الجيش التركي عام 2016.

كما يتمتع بنفس النفوذ في منطقة عفرين الشاسعة جداً بجميع قراها وأريافها التي سيطر عليها خلال عملية "غصن الزيتون" التي نفذها بداية العام الجاري، فيما يتزايد النفوذ التركي بشكل سريع في إدلب التي تعتبر واحدة من أكبر المحافظات السورية.

وعلى الصعيد الاستخباري، باتت الاستخبارات التركية تتمتع بنفوذ كبير جداً في مناطق شمالي سوريا، وتعمل بأريحية كبيرة، حيث ظهر ذلك بشكل جلي في الأسابيع الأخيرة التي شهدت سلسلة عمليات ناجحة للاستخبارات التركية تمكنت خلالها من اعتقال عدد من المطلوبين لها من الوحدات الكردية ونقلتهم إلى تركيا بسهولة.

وبعد أن تمكنت المخابرات التركية من جلب من تقول إنه مخطط تفجيرات "ريحانلي" وجلبه من معقل النظام السوري في مدينة اللاذقية إلى تركيا، تمكن الجهاز من جلب 9 عناصر من الوحدات الكردية متهمين بقتل جنود اتراك، قيل أن يتمكن، الأربعاء، من جلب عنصرين جديدين من الوحدات الكردية متهمين بقتل جنود أتراك خلال عملية غصن الزيتون.

وفعلياً تدار الكثير من هذه المناطق وبشكل خاص مناطق درع الفرات وعفرين من قبل ولاة ورؤساء البلديات التركية المحاذية لها من الجانب التركي، حيث يعتبر ولاة ولايات غازي عنتاب وكليس وهاتاي التركية الحاكم الفعلي للمناطق المقابلة لها في الجانب السوري.

وإلى جانب المجالس المحلية التي يديرها أشخاص موالون لتركيا بشكل كامل وبتوجيهات مباشرة من الولاة الأتراك، تم تشكيل أجهزة شرطة محلية تتكون من آلاف العناصر الذين تلقوا تدريبهم على يد الأمن التركي وبعقيدة الشرطة التركية، وظهروا في الكثير من مقاطع الفيديو وهم يهتفون لتركيا ويحملون الأعلام التركية.

وعلى الصعيد الخدماتي، تم ربط هذه المناطق بشبكات الكهرباء والماء والغاز الطبيعي من قبل الشركات التركية وبإشراف الولاة الأتراك، وتجارياً، تحولت بدرجة أساسية جرابلس والباب وبنسب أقل عفرين وإدلب إلى ما يشبه السوق المفتوحة للمنتجات والشركات التركية.

وتتولى شركات المقاولات التركية عمليات البناء المتعلقة ببناء المساكن والمحلات التجارية، والمجمعات السكنية والمباني والدوائر التابعة للمجالس المحلية، فيما تولت الشركات التركية مناقصات كبرى لإنشاء شبكة من الطرق السريعة التي تصل بين تركيا ومناطق سيطرتها في شمالي سوريا، وبين هذه المناطق بعضها ببعض لتسهيل ربطها والتنقل المدني والعسكري والتجاري بينها.

كما لجأ البريد التركي الرسمي (PTT) إلى فتح فروع له في هذه المناطق، وهو البريد الذي يقوم بمعاملات مالية أشبه بالبنوك ويتلقى دفعات الفواتير الشهرية، حيث يدفع السكان فواتير الخدمات الأساسية بالليرة التركية عبر البريد التركي، ويقوم بالحوالات المالية بين داخل سوريا وتركيا، إلى جانب البريد التقليدي بين البلدين.

كما لجأت شركات الاتصالات الخلوية التركية الأساسية إلى فتح فروع لها في هذه المناطق والتنافس هناك على بيع خدماتها، وعمدت إلى نصب أعمدة تعزيز الإرسال داخل الأراضي السورية، كما تنتشر فروع لها لبيع وتوزيع خدماتها بالتجزئة داخل الأحياء في تلك المناطق.

ومع زيادة النفوذ التجاري هناك، بات التعامل بالليرة التركية جزء أساسي من حياة السكان والتجار هناك، وفي مناطق مثل جرابلس والباب باتت الليرة التركية تطغى على نظيرتها السورية في كثير من التعاملات التجارية، وبات السكان تتأثر حياتهم بشكل مباشر بصعود وهبوط العملة التركية التي فقدت أكثر من 40% من قيمتها في الأسابيع الأخيرة وتأثر فيها السكان هناك بشكل كبير.

كما تمنح رواتب الكثير من العاملين في الهيئات المحلية والمشاريع التي تديرها الشركات التركية ويعمل بها سوريون، إلى جانب رواتب العاملين في سلك التعليم والشرطة المحلية والدوائر المحلية وغيرها من المعاملات المالية والرواتب بالليرة التركية.

وفي قطاع التعليم، عملت تركيا على إعادة ترميم وبناء المدارس التي تضررت بفعل المعارك التي دارت في تلك المناطق، وخلال فترة قصيرة إعادة عشرات آلاف الطلاب إلى مقاعد الدراسة، وجرى الحديث عن إجراء بعض التعديلات المتعلقة بتاريخ الدولة العثمانية في المنهاج الذي أعدته وزارة التربية والتعليم فيما تعرف بالحكومة السورية المؤقتة التابعة للمعارضة السورية.

وإلى جانب المدارس، دفعت أنقرة بالجامعات التركية لبناء فروع لها في مناطق سيطرتها شمالي سوريا، ومؤخراً تم افتتاح فرعين كبيرين لجامعتين تركيتين "غازي عنتاب" و"حراء"، إلى جانب فتح مدارس مهنية وصناعية وهيئات تعليمية أخرى، وفي المدارس والجامعات على حد سواء يجري تعليم اللغة التركية على نطاق واسع وهو ما زاد من عدد الناطقين بها في شمالي سوريا بشكل كبير.

وباتت الكثير من أسماء المدارس والجامعات والطرق والمفترقات الرئيسية والمباني الحكومية وأحياء سكنية تحمل أسماء جديدة جزء منها أسماء تركية، وأخرى بأسماء جنود أتراك قتلوا خلال سيطرة الجيش التركي على تلك المناطق. وإلى جانب العلم السوري، يمكن رؤية العلم التركي في معظم الأماكن والمرافق العامة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!