بيريل ديدي أوغلو – صحيفة ستار – ترجمة وتحرير ترك برس

لفتت إيران الانتباه إلى أن العقوبات التي تفرضها أمريكا مخالفة للاتفاق الموجود بين الدولتين الأمريكية-الإيرانية، وقدّمت طلباً لديوان العدالة الدولية التابع للأمم المتحدة، وتبعاً لذلك أقر ديوان العدالة بأن العقوبات التي تفرضها أمريكا على إيران مُخالفة لشروط الاتفاق القائم بين الدولتين، وبالتالي طالب ديوان العدالة الحكومة الأمريكية بالتراجع عن بعض هذه العقوبات، وردّت أمريكا على ذلك بإنهاء اتفاقية "التحالف والعلاقات الاقتصادية والقوانين القنصلية" المُوقّع عليها في سنة 1995 من جانب واحد.

كان "آيزنهاور" رئيس الولايات المتحدة الأمريكية في سنة 1995، وإحدى أهم خصائصه هي كونه قائد قوات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، وعقب انتهاء الحرب العالمية الثانية انتهى الاتفاق بين أمريكا وروسيا وتم تأسيس حلف الشمال الأطلسي "الناتو"، مما أدى إلى تجزئة العالم إلى قسمين، ولذلك يمكن القول إن نموذج آيزنهاور كان يحمل تأثيراً كبيراً في بداية واستمرار عهد الحروب الباردة.

يمكن توضيح نموذج آيزنهاور بأنه كان يسعى إلى الوقوف في وجه توسّع الاتحاد السوفيتي بشكل أو بآخر، إضافةً إلى جذب جميع الدول القابلة للدخول تحت تأثير الاتحاد السوفيتي إلى صفوف أمريكا، كما كان الاتفاق مع تركيا وإيران وانضمام ألمانيا لحلف الناتو المثال الأبرز في الصدد ذاته.

فرض النظام الجديد على العالم

نموذج آيزنهاور لا يشمل تعزيز البنية التحتية للاتفاق المؤسس ضد الاتحاد السوفيتي فقط، بل كان يشمل أيضاً سياسة جذب الدول إلى صفوف أمريكا وتنفيذ المُداخلات العسكرية في بعض الدول المشابهة للبنان وتدبير الانقلابات في بعض الدول المشابهة لإيران، على سبيل المثال عندما اتخذ الرئيس الإيراني "مُصدّق" قرار إضفاء الطابع القومي للنفط في سنة 1953  تم تدبير انقلاب للإطاحة به، ونجحت عملية الانقلاب ليأخذ "الشاه رضى بهلوي" مكان مُصدّق ويوقّع على اتفاقية 1955.

كما نرى إنّ الهدف من إنهاء أمريكا لاتفاقية 1955 في الوقت الحاضر ليس فرض العقوبات بدون وجود أي حواجز وعوائق فقط، إنما قرار إنهاء الاتفاقية يشير إلى تغيير أمريكا لسياستها تجاه روسيا بشكل راديكالي في الوقت نفسه، لأن اتفاقية أمريكا-إيران لا تتعلّق بتنظيم العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين الأخيرتين فقط، إنما إنهاء الاتفاقية يترك باباً مفتوحاً أمام أمريكا في حال اتفاق إيران مع روسيا أو الصين في جميع المجالات.

إن إنهاء أمريكا لاتفاقية 1955 من جانب واحد يعني أنها تتخلى عن إيران على جميع الأصعدة لتتفق الأخيرة مع روسيا و / أو الصين، كما يمكن لهذا القرار أن يكون ناتجاً عن رؤية أمريكا لاحتمال نشوب صراع جديد بينها وبين إيران خلال الفترات القادمة، ونظراً إلى أن واشنطن تزعم أن إيران تهدد الوجود الأمريكي من الشام في سوريا إلى البصرة في العراق يمكن القول إن احتمال نشوب صراع جديد لا يبدو بعيداً جداً.

رفض الاستقرار

يمكن لأمريكا أو بعض الدول الأخرى إعاقة تقدّم إيران بالأساليب العسكرية ووضع حجج قانونية لذلك، ويمكن معرفة مصدر حجج المداخلات العسكرية من خلال النظر إلى القانون الدولي الذي يجيب على التساؤلات حول سبب الوجود الأمريكي من الشام إلى البصرة.

من المعروف أن القوى العظمى تستغل القوانين الدولية بما يناسب مصالحها الشخصية كأداة لإضفاء المشروعية إلى الخطوات التي تتخذها، ولكن أمريكا تستغل القوانين الدولية بما يناسب مصالحها الشخصية، بل ترفض هذا المفهوم بأكمله، ويمكن وصف موقف أمريكا بأنها تقول: "من هو مجلس الأمم المتحدة ليفرض على دولة عظمى مثل أمريكا ما يجب عليها أن تفعله أو لا تفعله!"، وبالتالي إن وجهة النظر الأخيرة تدفع أمريكا للانسحاب من الاتفاقيات الدولية في هذا الصدد.

إن الانسحاب من الاتفاقيات الدولية التي لا تحقّق العدالة ولكن تؤسس السلام العالمي يشير إلى أن أمريكا تفضّل نشوب الحروب على السلام العالمي، وإلى جانب ذلك يمكن القول إن إيران ليست كفؤاً لتكون عدواً لأمريكا التي تتباهى بقوتها، ويما أن الأخيرة تقدّم إيران كهدية لروسيا أو الصين فذلك يشير إلى أن أنها لا تريد الحرب مع الأخيرتين أيضاً، يتوضّح من خلال التطورات التي شهدناها إلى الوقت الراهن أن العدو الحقيقي لأمريكا هي المنظمات والاتفاقيات الدولية، أي إن واشنطن تدخل في صراعات مختلفة باستمرار، ولذلك نتمنى أن تنسحب أمريكا من الساحة ليحظى العالم ببعض الراحة.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس