باسل الحاج جاسم - العربي الجديد

بعد شهور من توتر العلاقات بين أنقرة وبرلين، توجّه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أواخر سبتمبر/ أيلول الماضي، إلى ألمانيا (أكبر شركاء تركيا الاقتصاديين)، في زيارة رسمية، بدعوة من نظيره الألماني، فرانك والتر شتاينماير، تناولت عدّة قضايا، بدءاً من الوضع فيسورية واعتقال مواطنين ألمان في تركيا بتهم دعم الإرهاب، إلى التعاون الاقتصادي بين البلدين، وتطبيع العلاقات والشراكة في مكافحة الإرهاب، فضلاً عن التعاون في قضايا سياسية، وإنسانية أخرى.

الواضح أنّ البلدين يسعيان إلى تحديد أولويات المصالح الاستراتيجية المتبادلة، مثل سورية والشراكة الاقتصادية، وليس التطرّق إلى الخلافات، فالعلاقة بين تركيا وألمانيا معقدة، وتشمل ملفاتٍ عديدة، مثل اللاجئين والعلاقات الاقتصادية المتشابكة وملايين الأتراك الذين يعيشون في ألمانيا، حيث أن 65% من بين 1.4 مليون تركي لهم حق الانتخاب في ألمانيا صوّتوا لصالح أردوغان في انتخابات الرئاسة أخيرا، ونحو 56% لصالح حزب العدالة والتنمية (الحاكم)، وتفيد بيانات معهد الدراسات التركية في جامعة دويسبورغ إيسن بأنّ أصوات الأتراك في ألمانيا تمثل بالإجمال 2.5% من أصوات الناخبين في تركيا.
بمساعدة تركيا، تخلصت ألمانيا من مخاوفها بشأن اللاجئين عام 2016، وحالياً كان دور تركيا في وقف الهجوم المنتظر على إدلب ذا أهمية قصوى بالنسبة لبرلين، وأشادت ميركل، مراراً وتكراراً، في هذا الصدد، باتفاقية اللاجئين بين تركيا والاتحاد الأوروبي، والتي تعد من نقاط تحول أزمة اللاجئين، كما تثني بشكل مستمر على استقبال تركيا أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ على أراضيها.

كانت ألمانيا في طليعة الدول التي استهدفها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب أخيرا، بانتقاداتٍ زعم فيها أن برلين ستبقىتحت التبعية الروسية في مجال الطاقة، ما لم تغير الوضع الحالي، وكرّر ذلك في الجمعية العامة للأمم المتحدة وفي اجتماعات حلف شمال الأطلسي (الناتو)، كما أنّ الهجمة الاقتصادية على تركيا شكلت تهديدًا لألمانيا أيضًا، ويجمع أنقرة وبرلين استياءٌ مشترك من الحرب التجارية لترامب.

أسباب كثيرة اليوم تدفع تركيا وألمانيا نحو مزيد من التعاون، فبالإضافة إلى أكثر من ثلاثة ملايين شخص من أصل تركي يعيشون في ألمانيا، فإن تركيا هي الشريك الاقتصادي والتجاري الرئيسي لألمانيا، حيث بلغ حجم التجارة الثنائية بينهما 37.6 مليار يورو، وليس من مصلحة ألمانيا أو الاتحاد الأوروبي أن تكون تركيا غير مستقرة على حدود أوروبا.

كما تجدر الإشارة هنا إلى حاجة الحكومة الألمانية لأردوغان، لإنهاء حالة الجدل والانقسام التي سادت، فيما يخص لاعب كرة القدم الألماني ذا الجذور التركية، مسعود أوزيل، فأردوغان في صلب هذا الجدال، وهو الوحيد القادر على إنهائه، سيما بعد الصورة التي التقطها لاعبون ألمان معه، ويمكن اعتبار تأكيد الرئيس التركي، في افتتاحه المسجد المركزي في مدينة كولونيا، إن المسجد الجديد "مسجد كل ألمانيا"، رسالة إيجابية في هذا السياق.
المؤكد أنّ برلين غير راضية عن ابتعاد أنقرة عن الغرب، وتقاربها مع موسكو، وإذا أصبحت روسيا وتركيا شريكتين استراتيجيتين، فإن هذا قد يُحدث نقطة ضعف في دفاعات الاتحاد الأوروبي.
هناك مطالب تريدها تركيا من ألمانيا، في مقدمتها تسليم الفارّين من عناصر تنظيم فتح الله غولن المقيمين على الأراضي الألمانية إلى تركيا، وعدم السماح بأنشطة حزب العمال الكردستاني (المصنف على قوائم الإرهاب في حلف شمال الأطلسي) في ألمانيا، ورفع الفيتو الألماني على تحديث اتفاقية الاتحاد الجمركي مع الاتحاد الأوروبي، كما تسعى تركيا إلى الحصول على دعم ألمانيا في ملف السماح للمواطنين الأتراك بالدخول إلى منطقة شنغن، من دون الحصول على تأشيرات.

وفي وقت سابق، دعا الرئيس التركي ألمانيا إلى "فتح صفحة جديدة" في العلاقات السياسية المتوترة مع بلاده، وفق إذاعة دويتشه فيله الألمانية، واستبق زيارته في مقال في صحيفة فرانكفورتر الغَماينه تسايتونغ الألمانية، حيث وجه أردوغان عدّة مطالب إلى الحكومة الألمانية تحت عنوان "توقعات من ألمانيا".

وكتب أردوغان: "أرى أننا ملزمون باستئناف علاقاتنا بطريقةٍ يحكمها العقل على أساس مصالح الجانبين، وبعيداً عن التخوفات غير العقلانية"، وأشار إلى "النهج الأحادي الجانب وغير المسؤول للحكومة الأميركية"، ودعا إلى التكاتف من أجل "حماية كل الدول"، ولمنع الصراعات التجارية المدمّرة، وتابع أن "معاداة الإسلام تمثل، في بعض الأحيان، العائق الأكبر أمام مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي".
وأوضح الرئيس التركي أنه ينتظر من الحكومة الألمانية دعم بلاده في حربها على حزب العمال الكردستاني المحظور وأذرعته السورية، وحزب التحرّر الشعبي الثوري اليساري المتطرف، وفتح الله غولن الذي تحمّله أنقرة المسؤولية عن محاولة الانقلاب العسكرية الفاشلة في يوليو/ تموز 2016.

شكلت الأزمة السورية بعناوينها الرئيسية، إدلب واللاجئين وإعادة إنشاء المناطق الآمنة وعملية الانتقال السياسي، مادة رئيسية على أجندة مباحثات أردوغان وميركل، وباستثناء الإعلان عن عقد قمة بين قادة فرنسا وألمانيا وتركيا وروسيا قريباً بشأن الوضع في محافظة إدلب، لم يكن هناك شيء ملموس آخر في هذا الملف.

يبقى القول إنّ العلاقات التركية الألمانية تشهد توتراً ملحوظاً منذ المحاولة الانقلابية الفاشلة التي شهدتها تركيا صيف 2016، ومؤكّد أن تجاوز التوترات الحاصلة في العامين الماضيين، وتقريب مصالح البلدين، سيستغرق بعض الوقت، إلا أن زيارة أردوغان أخيرا إلى برلين تشير إلى فتح صفحة جديدة في علاقات البلدين، ويمكن اعتبار الأبعاد الرمزية والاستراتيجية لهذه الزيارة خطوة أولى.

عن الكاتب

باسل الحاج جاسم

كاتب وإعلامي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس