ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس

لقد كانت قضية الصحفي السعودي جمال خاشقجي واحدة من المآسي الإنسانية التي عاشتها الأسرة الدولية، وعلى رغم عظم المآسي التي يعيشها العالم ولاسيما منطقتنا العربية والإسلامية، إلا أن مأساة خاشقجي جذبت اهتمام العالم على مستوى الشعوب وبالأكثر على مستوى القيادات السياسية، وقد يرجع هذا الاهتمام إلى شهرة الرجل وقربه من العائلة الحاكمة في واحدة من أغنى دول العالم والتي انقلبت الأسرة الحاكمة فيها عليه بعد أن كان أحد خزائن أسرارها، وقد يرجع التخلص من الرجل لهذا السبب، وقد يكون اهتمام العالم بالقضية لما انتهك في هذه الجريمة من قدسية المكان الذي ارتكبت فيه الجريمة، وأعني هنا القنصلية السعودية التي من المفترض أنها ملاذ المواطن في غربته، وقد يكون الاهتمام بالقضية راجع إلى محاولة استثمارها في ابتزاز جديد للأسرة الحاكمة في السعودية والتي وضعت نفسها في هذا المربع (مربع الابتزاز)، ومن هنا فإن هناك رابحون من جريمة خاشقجي على قساوة القصة ودمويتها.

بداية وقبل أن نسرد قوائم الرابحين من هذه الأزمة، يجب، ومن منطلق أخلاقي أن نذكر أنه لولا الرعونة والقرارات الفردية المتسرعة لم يكن ليربح من ربح من دماء الرجل المغدور، لكن السياسة تلعب في مربعات الممكن والمتاح وجني المكاسب لصالح الشعوب، بالنسبة للأنظمة الديمقراطية، ولمصلحة الطبقة الحاكمة في الدول الدكتاتورية، وبالمناسبة سيفاجأ القارئ أن صنفي الحكم قد ربحوا من هذه القضية على مستويات.
فمن منطلق مبدأ الحي أبقى من الميت، ذهب الساسة في الدولة المنخرطة أو التي اقحمت نفسها في القضية لجني المكاسب، فلقد استطاع الساسة تحويل جريمة خاشقجي من جريمة إلى فرصة إلى صفقة، لكن من استطاع أن يقوي هذه الفرصة لتصبح صفقة يزج فيها بأحد الأطراف لكي يخسر، وهو في ذلك مستفيد.

إنها قناة الجزيرة ... نعم لقد استطاع الإعلام خلق تلك الفرصة وتحويلها إلى صفقة يدفع فيها غريمه الثمن باهظا، أداء قناة الجزيرة كان بعيدا عن المهنية، وأسف أن أقول هذا، إلا أنه في هذه الحالة ابتعد لظروف أجبرتها عليها الأوضاع السياسية المحيطة، حيث تخوض فيها بلاده حربا لا هوادة فيها، وإن كانت بلا قاصفات، وأسف أيضا أن أقول هذا عن الاشقاء، لكن الحقيقة ان الجزيرة تعيش أجواء الحرب منذ إعلان دول الحصار حربها على قطر لاسيما بعد تسريب الأمريكان خطة محاولة هذه الدول قلب نظام الحكم في الدوحة.

ولما كان الإعلام هو أهم أدوات التوجيه الرئيسية لعقول الناس وتوجهاتهم، فقد استطاعت الجزيرة تمهيد الطريق للساسة لخوض غمار الفرصة والتدخل بقوة من خلال دبلوماسييها من جهة ومخابراتها من جهة أخرى لجني المكاسب المرجوة من هذه الفرصة، وإن كانت الجزيرة لن تكسب من هذه الفرصة لكن مكسبها الحقيقي في خسران غريمها.

أما الرابح الثاني والأهم من هذه الجريمة هي أمريكا التي لا ينفك رئيسها في ابتزاز المملكة، ولا يخفى على أحد ان الرجل ذّكر المملكة بوجوب دفع الإتاوات اربع مرات خلال أسبوع، وهو ما وصع ولي العهد في حرج فخرج ليرد عليه بأننا ندفع ولا داعي للإحراج، لكن رعونة الشاب أوقعته تحت بندقية الصياد، وبلا رحمة يهدد ترامب السعودية من جديد ليحلب أكثر ممن خطط مستغلا الفرصة، وان كانت أوراق الضغط لا تنتهي، فجريمة خاشقجي فرصة ذهبية يستفاد منها قبل أن تخرج ورقة قانون جاستا.

أما الأوروبيون فتأخروا قليلا في ابتزاز الأمير، ولم يكونوا ليدخلوا على خط الحلب لولا معرفة الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون بسوابق الأمير، وهو الذي أنقذ رئيس وزراء لبنان من بين يديه منذ أشهر، وأعتقد ان ماكرون هو من دفع بريطانيا وألمانيا للدخول في صفقة خاشقجي بإصدار البيان المشترك، فماكرون عز عليه أن ينهي خدمته بإطلاق الحريري مجانا، والفرصة الآن متاحة لمضاعفة الأجر في قضية تحرك فيها الرأي العام العالمي.

أما تركيا والتي طالما مدت يد التقارب مع المملكة والتي كان أخرها رسالة الرئيس اردوغان للملك سلمان بمناسبة العيد الوطني للملكة، والتي حث اردوغان فيها الملك على التعاون من جديد ومواجهة التحديات المشتركة بالتنسيق وتفعيل المؤسسات في سبيل ذلك، إلا أن الأمير القابض على مقاليد كل شيء رد عله بإيعاز من معلمه في الإمارات بجريمة أراد بها قطع وشائج الأخوة ونصب متاريس العداء، فانقلب السحر على الساحر، وتخلى عنه معلمه الإماراتي، قائلا: ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي.

وفي ذلك لم تتأخر تركيا في الدخول في هذه الصفقة، مستفيدة من خطأ الغير متمسكة بحق التأديب، لكنها في ذلك لم تتحرك على مستوى النفع المادي وإن كان سيحصل، بل تحركت على مستوى استراتيجي، فلا استبعد ان تكون في تلك الصفقة قد فاوضت أمريكا لا السعودية، فأمريكا هي من تتولى أمر الأمير وتسعى لتخليصه، فإن كان الأمر كذلك فالطلبات ستكون من ولي الأمر لا من القاصر، فلدى تركيا أمور معلقة مع أمريكا، بدأتها تركيا بحسن النية وأطلقت سراح القس، تلك القضية التي استغلها ترامب شعبيا باستقباله عند عودته، لكن في المقابل فإن تركيا تريد ان تنهي قضية نائب رئيس (هالك بنك) وتعيد الاستثمارات الأمريكية التي سُحبت في الأشهر الماضية وترفع الجمارك عن الصلب والالومنيوم المصدر للولايات المتحدة، فإن تحصلت على جزء من هذه المطالب فقد استفادت من الصفقة.

هذه قائمة الرابحين المنتخبين، فتلك الارباح تجنى للشعوب، ولنا في ترامب المثل بعد عودته من أول زيارة خارجية له وكانت للسعودية حين صرخ بعد عودته في أول خطاب له (وظائف... وظائف... وظائف) لكن وعلى جانب أخر فإن هناك من احترف الابتزاز ومارسه وسمى ما يتحصل عليه نتاج ابتزاز اشقائه بالرز، فالنظام المصري الذي دخل على الخط داعما المملكة رافضا أي ابتزاز لها، هو واضع أسس الابتزاز بين الأشقاء، وما كان الدعم المعلن من قبل النظام المصري إلا محاولة لتوريط الأمير إلى أذنيه حتى يستطيع ان يحلب بالقدر الذي يرضيه ولا ينتظر بقايا الرز الذي ينعم عليه به الأمير.

في النهاية لم يكن ليربح من ربح من تلك الجريمة التي تحولت إلى فرصة إلا من خلال خطأ افتراه أحدهم وأعانه عليه قوم أخرون، فاليوم قد يؤخذ منهم فدية، لكن دم الرجل سيبقى في عنقك يوم لا ينفع ترامب ولا المليارات. 

عن الكاتب

ياسر عبد العزيز

كاتب وباحث سياسي ومدير مركز دعم اتخاذ القرار في حزب الوسط المصري سابقا.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس