د. إبراهيم عبد الله سلقيني - خاص ترك برس

سعى "جمال خاشقجي" رحمه الله تعالى جاهداً لتقديم النصائح للحكومات والجماعات الإسلامية والسياسية المختلفة، لكن تسارع الأحداث خلال السنوات الأخيرة وتولي بعض الشباب المتسرعين لزمام الأمور السياسية في بعض الدول وامتلاء النت بمجموعات من المطبلين والمجعجعين والعابثين جعلت أصوات النصيحة تخفت، بل ربما تغيب عن الساحة، لتبقى أصوات الوشاة والمنتفعين والمرتزقة وعشاق متعة الإثارة في الحروب، والذين زينوا قتل الناصح الأمين...

على مقولة بعض العبيد: {اقتلوه وانصروا آلهتكم}...

فهل سيحقق خاشقجي بدمائه البريئة ما لم يحققه في حياته؟!!

بدأت الكارثة بالشرخ الكبير الذي تداعى في الخليج العربي، وما تبعه من اصطفاف غير مبرر مع هذا أو مع ذاك، ثم باعتقال المفكرين والعقلاء وأصحاب الرأي ودعاة الحكمة والتعقل والتهدئة، ثم تحولت سياسات المنطقة إلى ردود أفعال انعكاسية تلقائية ليس للعقل فيها أي دور...

لتجد الإدارة الأمريكية ضالتها في هذه الفوضى، وتبدأ بممارسة ابتزازاتها الفجة والوقحة والمتكررة:

إذا تريدون أن يحكم فلان فستدفعون، وإذا ستتركوه ستدفعون لنسكت عن الصفقة السابقة، وإذا تريد تبرئة أنفسكم ستدفعون، وإذا لم تعترفوا ستدفعون، وإذا تريدون بقاء ما كان على ما كان ستدفعون، وإذا خرجتم عن طوعنا وكذبتمونا فيما سبق ستدفعون الثمن!!!

لتأتي قضية "خاشقجي" وتثبت أن أمريكا لا تصنع سياسة خاصة في المنطقة، ولا تستطيع تغيير الوقائع والأحداث، ولا تخلق أحداً، ولا تثبت أحداً في ملكه، ولا تنزعه، ولا تحيي الموتى، ولا يمكنها تغيير الحقائق...

وغاية ما في الأمر أن أمريكا تدعي الألوهية كالملك الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الملك، فتقرأ الأحداث، ثم تستثمرها في ابتزاز الدول وارتكاب الجرائم...

وساعد على إظهار ذلك سياسة الأيدي المفتوحة التركية التي حرصت حتى آخر لحظة على رأب الصدع الخليجي وحل الخلافات العالقة، وتغليب صوت العقل، وعدم التسرع في التصريحات الرسمية أو إصدار الأحكام والمواقف...

وبدلاً من وصول أمريكا لمبتغاها في شرخ العلاقات التركية السعودية عن طريق جريمة القتل الشنيعة في مكان يخضع لسلطة الدولتين التركية والسعودية معاً فقد بدأت الأمور تتجه نحو الحلحلة بعد تدخل الكبار والعقلاء. وظهر حينئذ بوضوح أن التصريحات الأمريكية تابعة للوقائع والأحداث، وليست سابقة لها كما كانت تدعي من قبل...

فهل ستكسر السعودية طوق الابتزاز الأمريكي وتبدأ بتمتين علاقتها مع تركيا لتصبح السعودية وتركيا معاً رائدتان في المنطقة، وصاحبتا القرار المطلق فيها؟!!

وهل ستستفيد السعودية وتركيا من الخبرات السياسية لبعضهما وتجاربهما القديمة، فيحققا بذلك ما عجزتا عن تحقيقه منفردتين؟!!

وهل ستؤدي قضية "خاشقجي" لإنهاء الأزمة الخليجية مع قطر لتتوقف حملات التلاسن الإعلامي المتبادل بين الجزيرة ووسائل الإعلام السعودية والإماراتية؟!!

وهل سيبدأ الخليج الخروج من هذا الصراع الداخلي الذي لا ناقة له فيه ولا جمل، والذي لا يستفيد منه إلا دجال القرن الذي يستثمره دوماً لابتزاز دول المنطقة وابتزاز الطرفين؟!!

وهل ستعتقل كل دولة المحرضين والمحرشين لديها ممن لا يحملون جنسيتها ليكونوا عبرة لمن بعدهم فلا يتدخلوا في شؤون الدول التي يعيشون على أرضها، ولا يقحمون أنفسهم في تأجيج الفتن بين الدول؟!!

وهل سيتم الإفراج عن المفكرين والعقلاء والعلماء لتعود دول الخليج إلى عصرها الذهبي، وتستعيد سمعتها الزاهرة التي كانت عليها؟!!

هذا ما ستجيب عنه الأيام القادمة، وسيحدد قراره قادة الخليج...

عن الكاتب

د. إبراهيم عبد الله سلقيني

دكتوراه في الفقه الاجتماعي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس