حسن بصري يالتشين – صحيفة صباح – ترجمة وتحرير ترك برس

تمر تركيا في فترة تاريخية، وتشهد على انكسارات لحظيّة، إذ حدثت تغيّرات عديدة خلال فترات قصيرة جداً، ولم يبق حدث لم تمر به تركيا في السياسة الخارجية والداخلية، ويُقال إن كل جيل يؤمن بأن جيله كان الأغرب في التاريخ التركي، لكن في الواقع الجيل الذي نشهده في الوقت الحالي هو الأغرب نظراً إلى التطورات والتغييرات الجذرية التي نشهدها في وقتنا الراهن، إذ أدت التغييرات الأخيرة في الدستور التركي إلى زعزعة مؤسسات الدولة التركية القديمة ونظام عملها، وفي الواقع يتم إعادة تأسيس جميع مؤسسات الدولة من جديد، ولكن في الوقت نفسه لا تكتف الجهات التي لا تريد تقدّم تركيا بالانتظار والمشاهدة، على العكس تماماً تفعل كل ما بوسعها من أجل الوقوف في وجه التحوّل الجذري الذي تبادر به تركيا، وقامت هذه الجهات بمحاولات عديدة على الأصعدة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعسكرية في الصدد ذاته.

عادةً تكون مراحل تأسيس الدولة في المنوال المذكور، ومن الطبيعي جداً أن تتعثّر وتترنح الدولة خلال الخطوات التي تتخذها في إطار تأسيس نفسها، وفي هذه الأثناء تحاول بعض الجهات عرقلة تقدّم الدولة، ولكن عند التخلّص من هذه الضغوطات تنفتح أبواب جديدة ومستقبل زاهر أمام الدولة، وبالتالي إن الدولة التي تتعلّم أن تسير لوحدها تستطيع أن تحدّد وجهة تقدّمها والطريق الصحيح نحو الهدف والغرض من هذا التقدّم بنفسها، وبناء على ذلك يمكن القول إن تركيا التي تمكّنت من مواجهة الانقلابات العسكرية والاقتصادية والعديد من العوائق الأخرى قد بدأت بالتقدّم1 الآن، ونؤمن بأنها ستزيد من سرعة تقدّمها خلال الأيام القادمة.

نحن لا نتحدّث عن قصة تفاؤل بسيطة، على العكس تماماً عند النظر إلى الأحداث الواقعة في تركيا خلال السنتين الأخيرتين نرى دولة تركيةً نجحت في تحقيق حكمها الذاتي للمرة الأولى، وتمكّنت من تحقيق انتصارات بارزة من خلال العمليات العسكرية من عملية درع الفرات إلى عملية غصن الزيتون ومن عمليات منطقة الخندق في الداخل التركي إلى أنشطة القوات التركية في شمال العراق، وبذلك تمكّنت تركيا من تكبيد الإرهاب خسائر كبيرة خلال السنتين الأخيرتين، ولم تعد الدولة التركية تتعرّض لهجمات إرهابية منهجية، ولم تعتم تركيا على أمريكا في هذه الانتصارات، بل تمكّنت من تحقيقها من خلال قوات الجيش والشرطة والاستخبارات التركية، وانطلاقاً من ذلك يمكن القول إن تركيا حققت ضمانها الذاتي واستطاعت تطهير داخلها من الجهات التي تحاول أن تعيق تقدّمها.

هذا وقد أثبتت جريمة جمال خاشقجي في القنصلية السعودية أن تركيا تستطيع الرد على مثل هذه العمليات، إذ حاول السعوديون إخفاء مقتل خاشقجي من خلال دفع أحد الأشخاص لارتداء ألبسة خاشقجي والخروج من مبنى القنصلية وتلبيس السلطات التركية بالجريمة، ولكن تمكّنت الأخيرة من قلب مجرى الأحداث بشكل ناجح وبالتالي أصبح السعوديون متلبسين بالجريمة.

أصبحت تركيا تسيطر على الرأي العام الدولي، وصرّح الرئيس التركي أردوغان بأنه سينقل التطورات الأخيرة إلى الرأي العام، والآن جميع مؤسسات الإعلام الدولية تنتظر تصريح أردوغان، وأصبحت تركيا التي تعرّضت لاتهامات منهجية من قبل إعلام الغرب في موضع يسمح لها بالكشف عن خفايا مقتل الصحفي جمال خاشقجي، وتساهم تركيا في تأسيس العدالة وحرية الإعلام في حين يحاول الرئيس الأمريكي ترمب إخفاء أحداث المسألة، أي إن تركيا تمكّنت من إدارة هذه المرحلة بشكل ناجح، والنتائج واضحة أمام الجميع، إذ اتصل ترمب بالرئيس أردوغان بشكل عاجل، ولا نعرف مضمون الحديث الذي جرى بين الطرفين ولكن مجرّد اضطرار ترمب للاتصال بأردوغان يكفي لنتوقّع ما سيحدث في المستقبل.

عن الكاتب

حسن بصري يالتشين

كاتب في صحيفة تقويم


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس