ترك برس

اقترح السفير التركي في بكين، عبد القدير أمين أونان أن على رجال الأعمال الأتراك تغيير نظرتهم للسوق الصينية لتصدير المزيد من السلع إلى البلاد وتقديم مشاريع ملموسة لجذب المزيد من الاستثمارات إلى تركيا.

ومع عجزٍ تجاريٍّ يزيد عن 20 مليار دولار مع الصين وفقًا لبيانات العام الماضي، تعدُّ تركيا واحدة من الدول التي لديها خللٌ في الميزان التجاري مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم. وبالفعل، بصرف النظر عن الدول الغنية بالسلع مثل إيران وأستراليا وألمانيا والمملكة العربية السعودية والبرازيل التي لديها فائضٌ تجاريٌّ بشكلٍ عام مع الصين، فإن معظم البلدان تستورد من اقتصاد الشرق الأقصى أكثر بكثيرٍ من صادراتها إليه. وبالنسبة لتركيا، لا يبدو من المعقول الحد من هذا العجز التجاري مع الصين في المستقبل القريب. ومع ذلك، يمكن اتخاذ بعض الخطوات من أجل أن تصبح تركيا أكثر نشاطًا في السوق الصينية، وكما اقترح أونان، يجب على رجال الأعمال في تركيا أن يبدؤوا التفكير في ما يمكنهم بيعُه لثاني أكبر اقتصاد بدلًا ممّا يمكنهم شراؤه منه.

وفي لقاءٍ حصريٍّ مع ديلي صباح في بكين، قيّم أونان العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية التركية الصينية التي اكتسبت زخمًا خلال العامين الماضيين، وأشار إلى الطرق التي يتعاملُ بها رجالُ الأعمال الأتراك مع السوق الصيني الضخم.

في جميع أنحاء العالم، تُعرف الصين بأنها أكبر مورد للسلع لكثير من البلدان، وتتمتّع بفائض تجاري مع معظمها، بما في ذلك أكبر اقتصاد في العالم، أي الولايات المتحدة الأمريكية، والذي بلغ 370 مليار دولار وفقًا لأرقام عام 2017. كما أظهرت بيانات العام الماضي أن صادرات الصين بلغت 2.26 تريليون دولار، لتوليد فائض تجاري قدره 422.5 مليار دولار. ومع ذلك، أشار أونان إلى أن الصين هي أيضًا ثاني أكبر مستورد في العالم بعد الولايات المتحدة. في عام 2017، شهدت القيمة الإجمالية للواردات الصينية زيادة بنسبة 15 في المئة مقارنةً بالعام السابق لتبلغ 1.8 تريليون دولار.

وأعلنت البلاد العام الماضي أن وارداتها ستصل إلى 10 تريليون دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة، وهو ما يعني أن الواردات السنوية للصين ستصل إلى 2 تريليون دولار. وأشار السفير إلى أن هذه السوق الضخمة من الواردات لديها أعداد كبيرة من ذوي الدخل المرتفع الذين يرغبون في إنفاق الأموال. وبالإضافة إلى الجهات التي تنفق على شريحة كبيرة، فإن الصين تستوعب أيضًا طبقة وسطى تضم 300 مليون شخص مع دخل سنوي يتجاوز 20 ألف دولار.

وقال أونان: "في ظل سوق الاستيراد الضخمة ذات الإمكانيات السكانية الهائلة، يجب على رجال الأعمال الأتراك تبنّي نهج مختلف في التعامل مع السوق الصيني وتغيير وجهة نظرهم نحوه. عليهم التركيز على المنتجات التي يمكن بيعها للصين، بدلًا من البحث عن سلعٍ يمكن شراؤها منها". وأضاف أنه قبل الدخول إلى هذا السوق، يتعين على رجل الأعمال التركي إجراء تحليل قطاعي شامل للغاية وأن يتصرف كممثلٍ صينيٍّ محلي.

للمرة الأولى، ستعقد الصين معرضًا دوليًّا للاستيراد في شنغهاي في الفترة ما بين الخامس والعاشر من تشرين الثاني/ نوفمبر القادم. سيستضيف المعرض ألفين و8 مئة عارض من 130 دولة، بما في ذلك تركيا. ومن المتوقع أن يحضر المعرض وزير التجارة التركي روهصار بيكجان مع وفدٍ من رجال الأعمال الأتراك.

كما أوضح السفير أونان أن المصدّرين الأتراك قد يستفيدون من الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين. واحدة من المنتجات التي تستوردها الصين من الولايات المتحدة هي فول الصويا. على الرغم من فرض الصين 25 في المئة من رسوم الاستيراد على فول الصويا، إلا أن البلاد لا تزال مستمرة في شراء المنتج من المنتجين الأمريكيين، حسبما ذكر أونان الذي أضاف قائلًا: "إذا عزّزنا إنتاجنا لفول الصويا في تركيا، فسيكون المنتجون الأتراك قادرين على دخول السوق الصينية لأن منتجاتنا ستكون أقل تكلفة وأكثر تنافسية"، وأضاف: "النزاعُ التجاريُّ بين الولايات المتحدة والصين هو فرص تجارية جيدة للغاية بإمكاننا استغلالُها". وأكّد السفير أيضًا أن المصدّرين الأتراك بإمكانهم العمل أيضًا على مشاريع لبيع التوت والجوز والفواكه المجففة التي فرضت عليها الصين تعريفة إضافية على الواردات.

تركيا شريك طبيعي في مبادرة الحزام والطريق

منذ إطلاق مبادرة الحزام والطريق (BRI) من قبل الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2013، اكتسبت العلاقات الاقتصادية والسياسية بين تركيا والصين زخمًا. أما بالنسبة للعلاقات السياسية والدبلوماسية ، فقد كثّف البلدان الزيارات بينمها. على مدى السنوات القليلة الماضية، التقى الرئيس رجب طيب أردوغان والرئيس شي خمس مراتٍ بالإضافة إلى عددٍ من المكالمات الهاتفية. وفي هذا العام وحده، قام ستة وزراء أتراك بزيارة الصين، في حين جاء ثلاثة وزراء صينيين وثلاثة من وكلاء الوزارات إلى تركيا. وقال السفير أنه بالإضافة إلى ذلك، من المقرّر أن يقوم أربعة أو خمسة وزراء أتراك بزيارة البلاد لتعزيز العلاقات الثنائية.

فيما يتعلق بالتعاون الاقتصادي في إطار الحزام والطريق، تجاوز عدد الشركات الصينية العاملة في تركيا الألف شركة. كما توسعت مشاركة الشركات الصينية في المشاريع العملاقة الكبيرة في تركيا.

وأبرز أونان أن العلاقات الاقتصادية تشكّل بعدًا هامًّا للغاية في علاقة تركيا بالصين، وقد زادت مبادرةُ الحزام والطريق من الروابط الاقتصادية المهمّة.

وقال أونان: "تقع تركيا على الطرق السريعة والسكك الحديدية التي تربط الصين بأوروبا. لذلك، تركيا هي الشريك الطبيعي لمشروع الحزام والطريق، الذي ندعمه بالكامل".

يتيح موقع تركيا كجزءٍ من قارتين الوصول إلى مليار ونصف المليار عميل في أوروبا وأوراسيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا. تستطيع تركيا الوصول إلى الأسواق مع إجمالي ناتج محلي يبلغ 25 تريليون دولار، وكل ذلك في غضون 4 ساعات طيران.

من أجل إعطاء طابع رسمي للتعاون في إطار مبادرة الحزام والطريق، وقعت الحكومتان التركية والصينية مذكرة تفاهم حول مواءمة طريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين ومبادرة الممر الأوسط في الرابع عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر 2015 في أنطاليا خلال قمة مجموعة العشرين لتنسيق رؤية المحور الأوسط لتركيا مع مبادرة الحزام والطريق الصينية.

كما تم توقيع سلسلة من صفقات الطاقة والنقل خلال منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي في شهر أيار/ مايو 2017.

عندما يكتمل مشروع "الممر الأوسط" مع جميع مشاريع المترو والسكك الحديدية، ستشهد تركيا زيادة في حركة نقل البضائع من الصين إلى أوروبا، كما قال أونان.

يقول أونان: "إن حركة البضائع المكثفة ستحمل أيضًا البضائع الأوروبية الى الصين عبر تركيا وستعطي بالتأكيد دفعة كبيرة لاقتصاد البلاد".

كما اجتذبت تركيا استثمارات كبيرة من الصين في مجالات النقل، والطاقة، والتمويل، والتجارة الإلكترونية، والتكنولوجيا، والعقارات. وبصفتها شريكًا قويًّا في مبادرة الحزام والطريق، فإن الدولة تتطلع إلى المزيد من المشاريع الاستثمارية مع الشركاء الصينيين. وقال أونان: "من أجل تأمين المزيد من الاستثمارات من الصين، يجب على رجال الأعمال الأتراك تقديم مشاريع ملموسة للمتعهّدين الصينيين". واستشهد السفير بعروضه واجتماعاته في اتحادات رجال الأعمال والمؤسسات الصينية الرائدة، مشدّدًا على أن المستثمرين الصينيين يدركون تمامًا إمكانات الاقتصاد التركي ويبحثون عن مشاريع ملموسة لتقييم الجدوى الاقتصادية.

تركيا مكانٌ مثاليٌّ للسياح الصينيين

تعد صناعة السياحة واحدة من أبرز القطاعات في تعزيز التعاون الاقتصادي بين تركيا والصين، وقد تناول مبعوث تركيا في بكين بالتفصيل التعاون السياحي التركي - الصيني. على الرغم من أن هناك زيادة في عدد السياح الصينيين الذين استضافتهم تركيا حتى الآن هذا العام، إلا أن حصة البلاد من سوق السياحة الصينية لا تزال بحاجة إلى التطوير.

في عام 2017، سافر قرابة 130 مليون سائح صيني إلى جميع أنحاء العالم، ومن المتوقع أن يصل العدد إلى 134 مليون هذا العام. وفي معرض تقديمه معلوماتٍ عن الملف السياحي الصيني، قال أونان: "لا يبحث السياح الصينيون عن باقات العطلات الشاملة في مدن المنتجعات. إنهم يرغبون في السفر حول العالم للبحث عن الجمال التاريخي والثقافي والطبيعي. كما يحبون التسوق أينما ذهبوا". وتابع قائلًا: "في حين أن متوسط إنفاق السياح الذين يزورون تركيا يقع ما بين 400 إلى 500 دولار للفرد، فإن السائح الصيني ينفق ما بين 2400 إلى 2500 دولار". وبالنظر إلى التراث التاريخي والثقافي بالإضافة إلى الجمال الطبيعي لتركيا، قال أونان، إن تركيا هي المكان المثالي للسياح الصينيين.

من أجل تعزيز التعاون السياحي ونتيجة للجهود المشتركة من جانب سلطات البلدين، أعلنت الصين عام 2018 عام السياحة التركية. كجزء من سنة السياحة التركية في الصين، ونظمت السفارة التركية ما يقرب من 60 فعالية في مدن صينية مختلفة روّجت من خلالها لتركيا.

عدد الزوار الذين تستضيفهم تركيا من الصين في تصاعدٍ بفضل الجهود الثنائية، مثل إطلاق سنة السياحة التركية والأحداث الثقافية التي تروّج لتركيا لدى الجمهور الصيني. من كانون الثاني/ يناير إلى آب/ أغسطس، زار ما مجموعُه 259،462 سائحًا صينيًّا البلاد. وقال السفير أن عدد الزوار الصينيين سيصل إلى نحو 400 ألف زائر بحلول نهاية العام. في العام الماضي، جاء 247،277 مواطنًا صينيًّا إلى تركيا بينما كان العدد 167،570 فقط في عام 2016.

وشدّد أونان على أنه "لكي تجتذب تركيا المزيد من السياح الصينيين، يجب أن تقدّم البلاد منتجاتٍ وخدماتٍ على أفضل وجه كتقديم المأكولات الصينية مع الأخذ بعين الاعتبار العادات الغذائية لدى المواطن الصيني". يجب أن يكون هناك المزيد من المطاعم الصينية والمزيد من المرشدين السياحيين الذين يمكنهم التحدث باللغة الصينية بطلاقة. كما شدّد أورين على أهمية استخدام المزيد من اللافتات والإرشادات باللغة الصينية في الأسواق ومراكز التسوق.

تشكّل الرحلاتُ المنتظمةُ عائقًا للوصول إلى هدف مليون سائح من الصين. في الوقت الحالي، تُنظم داخل الخطوط الجوية التركية 34 رحلة أسبوعية من مختلف المدن الصينية، وفقًا لتقريرٍ صدر في أيار/ مايو الماضي، ويتمُّ تنظيم بعض هذه الرحلات مع شركات الطيران الصينية التي عقدت اتفاقياتٍ مع الخطوط الجوية التركية. وقال أونان، أنه في عام 2019، سوف تطلق شركة الطيران التركية الوطنية رحلاتٍ إلى مدنٍ صينيةٍ أخرى، وسيتمُّ توقيع المزيد من اتفاقيات الطيران بين إدارات الطيران المدني في البلدين.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!