حسن بصري يالتشين – صحيفة صباح – ترجمة وتحرير ترك برس

لقد توسّع مجال التقدّم أمام تركيا في الساحة السورية من خلال التطورات التي وقعت في الفترات الأخيرة، إذ تحصل تركيا على نتائج إيجابية من خلال استمرارها في الضغط، ويبدو أن هذا الوضع سيستمر في المراحل المقبلة أيضاً.

شهدنا على حدوث تطورات هامة خلال الأسبوع الأخير، الأول هو البدء بتنفيذ دوريات عسكرية مشتركة في منبج، إذ كانت أمريكا تحاول تضييع الوقت منذ بداية الاتفاق، لكن مع عقد القمّة الرباعية في اسطنبول اضطرت أمريكا لاتخاذ خطوة ملموسة في هذا الصدد، لكن يمكن القول إن التعاون التركي-الأمريكي لم يصل إلى المستوى المتوقّع إلى الآن، ويبدو أن أمريكا ستحاول إلهاء تركيا في المناطق الريفية لمدة طويلة، لكن إن مجرد بداية هذه المرحلة تُعتبر تطور هام في السياق المذكور.

التطور الثاني هو التقدّم الإيجابي المشهود في إطار مسألة الحصار المطبق تجاه إيران، إذ كانت تركيا تشعر بالانزعاج خصوصاً بسبب مسألة استيراد الغاز الطبيعي، ويبدو أننا تجاوزنا هذه المشكلة، لكن مع ذلك لا يمكن التحدّث بشكل مؤكد نظراً إلى وجود احتمال عودة الجانب الأمريكي لاستخدام الأساليب القاسية تجاه إيران، لكن من الواضح أن قرار الإعفاء الأخير سيشكل أرضيةً مناسبة لإيجاد حل لجميع المشاكل التي سنشهدها في المرحلة المقبلة.

يمكننا رؤية تطورات إيجابية مشابهة للأخيرة بين تركيا وأمريكا خلال المستقبل القريب، وفي جميع الأحوال لقد تجاوز التوتر القائم في إطار العلاقات التركية-الأمريكية حدّه الطبيعي، وإن وصول التوتر لهذه الدرجة لن يعود بالفائدة لأي طرف، ولكن في الوقت نفسه لا يمكن لأي أحد أن يتوقّع إيجاد حل لجميع المشاكل معاً خلال المستقبل القريب، لأن أمريكا تنتهج سياسةً ذات قابلية عالية لخلق الأزمات، ولذلك لا بد من الاستعداد لمشاكل جديدة.

في الوضع الحالي يُعتبر شرق الفرات المسألة الأهم بالنسبة إلى تركيا، وهي المسألة التي ستأتي على رأس جدول الأعمال التركي عقب الانتهاء من مسألة منبج، لكن تزامناً مع ذلك تستمر أمريكا في التهرّب من التفاوض مع تركيا فيما يخص مسألة حزب الاتحاد الديمقراطي، وذلك لأن واشنطن لم تكتشف وجهةً جديدة في الصدد المذكور، وعند النظر إلى كمية السلاح الذي أرسلته أمريكا إلى المنطقة وتدريبها لعناصر حزب الاتحاد الديمقراطي وتأسيس قواعد عسكرية في المنطقة يمكننا إدراك عدم وجود احتمال تخلّي واشنطن عن المنطقة وحزب الاتحاد الديمقراطي بهذه البساطة.

لاتخاذ مثل هذه الخطوة يجب على أمريكا أن تغيّر قائمة أولوياتها في إطار السياسة الخارجية، لكن لا نتوقع مثل هذا التغيير في الوقت الحاضر، على سبيل اقتصرت محاولات أمريكا في الضغط على إيران بالحصار الاقتصادي، أي إن واشنطن لم تستهدف طهران بالفعل على أرض الواقع، وكذلك لم تنتقل أمريكا إلى ظروف جديدة قد تجبر تركيا على طلب الدعم من أمريكا، ولطالما لم تبادر بهذا الانتقال فإنها ستضطر للانشغال بالحفاظ على مكاسبها الحالية.

تركيا جادة للغاية بشأن مسألة شرق الفرات، ويتم التصريح بوجود احتمال تنفيذ عملية عسكرية في المنطقة من قبل المراجع العليا التركية وبأوضح شكل ممكن، كما لا يتجاهل أي أحد أن وجود أمريكا ودعمها للتنظيمات الإرهابية الموجودة في شرق الفرات قد يزيد من تكلفة العملية العسكرية وصعوبتها، ومن المؤكد أن تركيا ستدخل إلى شرق الفرات في يوم ما، لكنّها لن تتسرّع في ذلك، ولهذا السبب تكتفي تركيا باتباع استراتيجية الحصار في الوقت الحالي.

يبدو أن الخيار الأفضل أمام تركيا في الوضع الراهن هو تطبيق حصار على المدى الطويل في المناطق التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي وتنفيذ عمليات عسكرية سريّة من أجل إضعاف شوكة التنظيم، في الواقع هذه الاستراتيجية ليست جديدة أو غير معروفة، إذ اتبعت أمريكا الاستراتيجية ذاتها تجاه الاتحاد السوفيتي في عهد الحروب الباردة، وانتظرت انهيار الاتحاد السوفيتي من الداخل، ويمكن لتركيا تطبيق الاستراتيجية المذكورة في المنطقة مع إجراء بعض التعديلات والإضافات عليها.

إن استمرار حزب الاتحاد الديمقراطي المحاصر في منطقة برية في المقاومة ليس بالأمر السهل، ولكن من أجل تطبيق حصار كامل لا بد من تدخّل السياسة العراقية أيضاً، وفي حال تأسيس حكومة في العراق فيمكن لتركيا التفاوض مع الحكومة العراقية من أجل اتخاذ خطوات هامة لمنع عبور العناصر الإرهابية من جبلي قنديل وسنجار إلى الأراضي السورية، وبالتالي سيكون الحصار كاملاً ومن جميع الجهات، ونظراً إلى الأسباب المذكورة يمكن القول إن التركيز على هذه الاستراتيجية هو الخيار الأفضل في الوقت الحالي.

عن الكاتب

حسن بصري يالتشين

كاتب في صحيفة تقويم


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس