غولاي الأسعد - خاص ترك برس

التركمان أو الأتراك أقوام آسيوية جاؤوا من أواسط آسيا، انحدروا من قبائل “الأوغوز”، إحدى أكبر القبائل التركية الأربعة والعشرون أو الاثنان والعشرون كما ورد في الدراسات المختلفة، وتبقى هذه القبيلة أكبر وأهم قبيلة تركمانية وإن اختلفت أعداد تلك القبائل والتي انحدرت منها أهم الدول والإمبراطوريات التركية التي عرفها التاريخ، فهم والتركمان في يومنا هذا، من ذات القبيلة.

وقبيلة “الأوغوز”، قبيلة كبيرة تضم أفخاذًا كثيرة، والتركمان هاجروا من أفخاذ مختلفة، عبر دفعات، واستقروا تدريجيًا في منطقة آسيا الصغرى.

الأتراك عبارة عن قبائل تعنى بالزراعة والرعي بشكل أساسي، بالإضافة إلى كونهم محاربين أشداء، وكانوا على صراع دائم مع الإمبراطورية الصينية، كما تسطر ملاحمهم القديمة، واعتادوا الهجمات المستمرة على سور الصين العظيم أيضًا.

ولعل كونهم محاربين أشداء، هو السبب الأساسي الذي جعل السلاجقة يعتمدون عليهم ويستعينون بهم في أكثر من معركة وحرب شهدتها منطقة الشرق الأوسط قديمًا.

تميزت موجات الهجرة على دفعات من موطنهم الأم آسيا الوسطى، وبشكل واضح نحو الجنوب، فكانت حياتهم قبل الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط حاليًا، عبارة عن ترحال مستمر وتدريجي، أشبه بحياة البدو الرحل، تهاجر قبيلة تلحقها الأخرى وهلمّ جرّا.

وكانوا يختلفون عن البدو بطريقة الترحال، إذ يعدون مستقرين في وجهتهم، من الشمال إلى الجنوب، مقتربين أكثر فأكثر من منبع الحضارة آنذاك، الشرق الأوسط، وأسسوا دولًا من خلال ترحالهم، مثل الدولة “الخوارزمية”، ودولة “القراخانات”، وغيرها من الدول، وصولًا إلى السلاجقة والعثمانيين، بينما البدو يرتحلون بحثًا عن الكلأ والمرعى وفي وجهات عشوائية، يحطون رحالهم أينما عثروا على واحة تغذيهم، ولم يشكلوا دولة تخصهم عبر تاريخهم.

بعد دخولهم الإسلام بدأ الأتراك يقتربون من العرب بصورة خاصة ومباشرة دون وجود حواجز إيديولوجية  بالنظر إلى تقبلهم الدين الإسلامي الحنيف ودخولهم وخدمتهم له والذي تمثل في بادئ الأمر مع الأتراك “السامانيين”، ولاحقًا أسلمت دولة “القراخانات” (الملوك السود) عام 960 ميلادي، وكانت أول دولة تركية تعلن إسلامها.

ويعتبر السلاجقة أول الأتراك الذين أسسوا دولة إسلامية تركية في هذه المناطق ورافقهم الزنكيون أيضًا، ومع فوز السلاجقة بمعركة “داندان أكان” ضد الغزنويين عام 1040، ازدادت الهجرات التركية وتوسعت بشكل واضح  عام 1063ميلادية.

واستعان السلاجقة لاحقًا بالتركمان المهاجرين أثناء الغزو الصليبي عام 1096، أيام عماد الدين الزنكي وابنه نور الدين الزنكي، وهم أتراك أيضًا، وبذلك بدؤوا يشكلون نواة الجيش السلجوقي واستقروا بكثرة في منطقة حلب، واستمر هذا التعاون بين السلاجقة والقبائل التركمانية المهاجرة أيام الغزو المغولي أيضًا، إذ هاجرت قبيلة “الكاي” بزعامة “سليمان شاه” جد مؤسس الدولة العثمانية إلى الأطراف الشمالية من سوريا، واستعان بهم السلاجقة لدحر المغول في موقعة “كوسة داغ” عام 1243، وكمكافأة لهم منحوا قطعة أرض في آسيا الصغرى.

ومع هزيمة المماليك بقيادة “طومان باي”، أمام السلطان العثماني “سليم الأول” عام 1516 في معركة “مرج دابق” شمال غرب حلب، بدأ الحكم العثماني في المنطقة، واستمر لغاية عام 1918.

بعد قيام الدولة العثمانية وتوسعها واعتماد تلك الدولة على الترك في اول مراحل تشكيلها وخصوصا في تامين خطوط المواصلات ومنع حصول التجاوزات من قطاع الطرق أو من العناصر التي سعت إلى القيام بالأعمال التخريبية لإشغال الدولة تم إرسال بعض الترك للاستيطان في مناطق جنوب البلاد ومنها مناطق بلاد الشام كسوريا ولبنان وفلسطين وشرق الأردن.

ففي لبنان والذي يتميز بتنوعه الديمغرافي والعرقي المتعدد ومنهم التركمان والذين يعتبرون أقلية موجودة منذ عهد يافوز سلطان سليم حيث قام سنه 1516 أثناء حملة مصر باستقدامهم من وسط الأناضول وذلك بهدف حمايه طريق الحجاز. وكانوا يعتاشون من الزراعة التي يقومون بها على الأراضي التي يتمركزون عليها.

وبعد سقوط السلطنة العثمانية ضعف التواصل القائم من هذه الأقلية مع معظم أبناء جلدتهم وذويهم من التركمان وخصوصا الموجودين في الدولة التركية فقد شعروا أنهم منسيون أو منفصلون عنهم بسبب انقطاع التواصل التام بينهم لغاية سنه 1987 والتي شهدت انعطافة حقيقية في بدء التواصل من جديد مع الأتراك.

فقد كان الجندي في الجيش اللبناني التركماني الأصل السيد خالد الأسعد من بلدة الكواشرة والمكلف بتفقد وحراسة حرم السفارة التركية مع رفاقه العسكريين في مدينة بيروت العاصمة والذي صادف أن تكلم مع أحد أقربائه العسكرين المتواجدين معه اللغة التركمانية مما لفت انتباه أحد الموظفين الأتراك في السفارة التركية الذي سارع إلى إخبار سعادة السفير التركي آنذاك السيد إبراهيم دجلي رحمه الله الذي أخذ الجندي بأحضانه ولم يستطع ضبط دمعته من شده فرحه بلقاء التركمان. فقام السفير بزيارة بلده الكواشرة التركمانية ومنذ ذلك الحين أصبحت زياره السفير عادة متكررة.

التركمان متوزعون على مناطق مختلفه من لبنان. في عكار، الكواشرة. وإلى جانب الكواشرة هنالك بلدات الدبابية، والدوسة، وعيدمون ومشتى حسن التي تضم عائلات تركمانية. يقدر عدد التركمان في عكار بقرابة 15 ألف نسمة. ولا تزال حتى الآن تحافظ على لغتها وعاداتها وتقاليدها التركمانية.

أما طرابلس فتحتوي على أتراك جزيرة الغيريت. فبعدما فقدت الدوله العثمانية السيطرة على هذه الجزيره سنه 1897 استقر أغلب سكان هذه الجزيرة في مناطق مرسين وازمير ومنهم من توجه إلى طرابلس اللبنانية ودمشق.

أما بالنسبة للعاصمة بيروت فتحتوي على الأتراك الماردينين الذين غادروا منطقة ماردين بسبب الأزمات الاقتصادية والبطالة واستقروا في بيروت. الأتراك الماردينيون يتكلمون اللغة العربية إلى جانب التركية ما سهل اندماجهم بسرعة أكبر مع المجتمع اللبناني.

وفي البقاع توجد خمسة بلدات تركمانية هي عدوس، والشحيميه، وخط البترول، والنعنعية، وييلغ عددهم ما يقارب اثني عشر ألف تركماني.

إضافة إلى وجود تركمان في منطقه الضنية اللبنانية ويبلغ عددهم 800 نسمة.

وكعهد أجدادهم وفروسيتهم وشهامتهم في الإخلاص لبلدانهم ومدنهم وقصباتهم وأراضيهم التي يقطنونها والتي يستقرون فيها فإن التركمان في لبنان يشاركون بإخلاص في بناء الدولة وحماية ترابها وأرضها وسمائها.

عن الكاتب

غولاي الأسعد

باحثة لبنانية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس