أسامة آغي - مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي "مينا"

ارتفعت حدّة التهديدات التركية بشنّ حربٍ على مناطق نفوذ ” قوات سوريا الديمقراطية ” التابعة لحزب PYD ،الذي تصنّفه تركيا حزباً إرهابياً، وفرعاً لحزب العمال الكردستاني التركي المحظور PKK .

حدّة التهديدات ترتبط بعوامل غير تلك المعلنة في الخطاب السياسي الرسمي التركي. ومن هذه العوامل الاشتباك الروسي الأمريكي حول حلّ الصراع السياسي في سوريا، وأثر هذا الحل على المصالح الحيوية للدولة التركية في هذا البلد.

الاشتباك الروسي الأمريكي حول طريقة الحل السياسي لا يبدو الأتراك أنهم بعيدون عن التفاعل معه، والتأثير فيه بحدودٍ تضمن لهم دوراً يتناسب ووزنهم الإقليمي.

فالأتراك هم أحد الأضلاع الثلاثة لمثلث مسار أستانا – سوتشي، وهذا يعني أن دوراً فاعلاً يستطيع أن يلعبه الأتراك في هذا المسار، إذا كانت نتائجه تسير وفق تحقيق الحدّ المقبول من مصالحهم المتمثّلة بإخراج القوة العسكرية الكردية المناوئة لهم من معادلات الصراع السوري، وضمان مصالح المعارضة السورية الموالية لهم في الحل السياسي القادم.

إنهاء أو إضعاف دور قوات سوريا الديمقراطية يعني للأتراك انتهاء تهديداتهم للدولة التركية أمنياً، وتعني إضعاف الخيار الأمريكي باستخدام القوة الكردية المعنية كرأس حربةٍ في مجريات الصراع على سوريا، ودفع هذا الخيار إلى الارتكاز على قوى المعارضة السورية المعتدلة التي تؤيدها تركيا.

هذا الموقف التركي يجد صدىً له لدى الروس، فالروس تهمهم العلاقة مع تركيا بالدرجة الأولى، سواءُ على توافق نسبي في حلّ الصراع السوري، أم على الدور الذي تلعبه هذه العلاقة استراتيجياً من خلال انزياح التحالف التركي الغربي التقليدي لمصلحة تحالف جديد واستراتيجي بين الروس والأتراك.

وفق هذه الرؤية لن يقبل الأتراك بالرؤية الأمريكية للحل السياسي في سورية، والتي ستلعب فيها قوات سوريا الديمقراطية وحزبها السياسي PYD دوراً ارتكازياً لتنفيذ الأجندة الأمريكية في هذه المنطقة.

كذلك يشعر الأمريكيون بأن رؤيتهم هذه لا يمكن لها النجاح بدون تأييدٍ ومساندةٍ تركيةٍ لها. ولكن تركيا لم تحصل على موقف أمريكي جدّي حيال خلافاتها مع الولايات المتحدة بشأن وضع قوات سوريا الديمقراطية غرب الفرات. فالأمريكيون لم يفعلوا شيئاً حيال تعهداتهم للأتراك بخصوص إخراج القوة الكردية من منطقة منبج.

إذاً هل ستشن تركيا حرباً على قوات سوريا الديمقراطية لدفع الولايات المتحدة الأمريكية على تغيير خيارها نحوهم كما فعلت ذلك في منطقة عفرين؟. وهل ستُغمضُ الولايات المتحدة عينيها عن هكذا حربٍ في منطقة نفوذها الرئيسية، وتقبل بإزاحة القوة الكردية عن خارطة الصراع السوري؟. وما البديل المساعد للأمريكيين في حال قبولهم بإخراج قوات سوريا الديمقراطية من معادلات الصراع؟.

هذه الأسئلة تقود إلى فهم الزيارة السرية التي قام بها أحمد الجربا رئيس تيار الغد إلى تركيا، وتقود إلى التكهن بأن تلعب العشائر والقبائل العربية في منطقة الجزيرة السورية دوراً بديلاً عن الدور الذي تلعبه قوات سوريا الديمقراطية هناك.

ولعلّ هذا الاتجاه يتعزّز إذا تمّ التوافق بين الأتراك والأمريكيين حول دور تلعبه فصائل المعارضة السورية المعتدلة الموالية لتركية مع جيشٍ عشائريٍ يتمّ التحضير لتشكيله كبديلٍ مقبول عن القوات الكردية، سيما وأن تحضيرات تجري الآن على قدمٍ وساقٍ لعقد مؤتمرٍ للعشائر السورية في المناطق المحررة من البلاد في الحادي والعشرين من ديسمبر الجاري.

إذاً إن الحشود التركية، إضافة إلى التهديدات التي قد تصل إلى مستوى التدخل التركي المباشر في منطقة شرق الفرات، هدفها الرئيسي هو انتزاع موقفٍ أمريكي جاد بإضعاف دور القوات الكردية، التي تحمل اسم قوات سوريا الديمقراطية. وتحديداً من خلال إخلاء هذه القوات لمنطقة غرب الفرات ومنها منطقة منبج. كذلك ابعاد هذه القوات عن كل مناطق الحدود السورية التركية، وهذا يعني تعميق الدور التركي في حل الصراع السياسي السوري، وعدم بقاء هذا الحل رهينة بيد الأمريكيين والروس.

هذه الرؤية يستطيع الأتراك الاستمرار في ممارستها واللعب ضمن مربعها ما دام الصراع الروسي الأمريكي مستمراً في الساحة السورية. وهم يريدون استثمار هذه الحالة إلى أقصى مدى ممكن، فالطرفان الأمريكي والروسي يتقاطعان مع دور تركي، هذا الدور لا يستطيع الأمريكيون استثماره جدياً، ما داموا لم يقطعوا بأمر حليفهم المؤقت حزب PYD، وهم إن استمروا بالدفاع عن هذا الدور، سيجدون أنفسهم في دائرة صراع أوسع، يضيّع اهدافهم باحتواء المنطقة تحت المظلة الأمريكية. ويضعف قدرتهم على تفكيك الدور الإيراني في سورية.

إن احتواء أستانا – سوتشي أمريكياً يحتاج بالضرورة إلى موقف أمريكي يعيد لتركيا دورها ويعترف بمصالحها، ولكن ذلك سيعزّز الدور التركي الذي يخشاه الأمريكيون، ويضعف الدور الروسي في حل الصراع السوري.

ويبقى السؤال هل سيقدّم الأمريكيون قوات سوريا الديمقراطية على مذبح التقارب والتحالف مع الأكراد ؟ أم أن التهديدات التركية ستفتح بوابات حرب جديدة لا يعلم أحد كيف ستنتهي؟ أسئلة تجيب عنها ضرورات المصالح الحيوية وأولويات هذه المصالح بين الأطراف المتصارعة على سورية وفيها.

عن الكاتب

أسامة آغي

كاتب سوري


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس