د. علي حسين باكير - العرب القطرية

قالت وزارة الدفاع الأميركية يوم الثلاثاء الماضي، إن وزارة الخارجية أخطرت الكونجرس بموافقتها على صفقة محتملة لبيع أنظمة «باتريوت» للدفاع الجوي والصاروخي إلى تركيا، تشمل الصفقة الموافقة على بيع 80 صاروخ باتريوت، 60 صاروخ موجّه ومعدّات أخرى متعلقة بها بقيمة 3.5 مليار دولار، تأمل واشنطن أن تثني هذه الموافقة الجانب التركي عن المضي قدماً في صفقته مع الجانب الروسي، وهي الصفقة التي تتضمن الحصول على منظومة الدفاع الجوي الصاروخي الأحدث لدى موسكو «أس- 400».

العرض الأميركي جاء في الوقت بدل الضائع، بعد أن كانت واشنطن قد رفضت طويلاً تزويد أنقرة بالمنظومة الأميركية، ولذلك فهو لم يأتِ استناداً إلى قناعة مستجدة بجدوى هذه الصفقة، وإنما لأن أنقرة استطاعت أن تؤمّن البديل دون أن تخضع للشروط الأميركية، لم تعلّق السلطات التركية على العرض الأميركي، لكن من المستبعد أن ينظر المسؤولون الأتراك إليه بمعادلة صفرية كما يريد الجانب الأميركي، بمعنى آخر، من شبه المستحيل على تركيا أن تقوم بالتخلي عن الصفقة مع موسكو مقابل العرض الأميركي، وذلك لعدة أسباب جوهرية.

يستند الموقف الرسمي التركي في صفقات من هذا النوع إلى ثلاثة شروط هي: أن تلبّي الصفقة حاجات تركيا الدفاعية من الناحية التقنية، وأن تكون مناسبة من الناحية المالية، وأن تتضمن نقلاً للتكنولوجيا.
لا يوجد في الإعلان الأميركي الحالي ما يشير إلى موافقات تتعلق بنقل التكنولوجيا، الصفقة الأميركية لا تزال أكثر تكلفة من نظيرتها الروسية بحوالي مليار دولار على الأقل، وبخلاف صفقة «أس-400» التي تم إنجازها بالعملة المحلية، وتتضمن قرضاً لأنقرة، فإن صفقة «باتريوت» المحتملة بالدولار الأميركي، ومن غير المعروف حتى الآن إذا ما كانت تتضمن تسهيلات مالية أميركية لتركيا في حال الموافقة عليها.

الصفقة مع الجانب الروسي بلغت مرحلة متقدمة جداً، ومن الصعب جداً إلغاؤها، حتى لو افترضنا جدلاً أن أنقرة ستبدي استعداداً للتخلي عنها، فإن ذلك سيكون بمثابة انتحار، لأن واشنطن أثبتت مراراً أنها لا تلتزم بتعهداتها، وإن وافقت عليها في البداية، الخبرة التاريخية تقول إنه باستطاعة واشنطن التراجععن التعهدات التي تقطعها في أية لحظة، بدليل ما يجري الآن مع أنقرة بخصوص صفقة «أف-35» متعددة المهام، حيث هددت واشنطن بتعليقها على الرغم من الدور المحوري لتركيا فيها.

بخلاف الصفقة الأميركية، فإن الصفقة الروسية غير مرتبطة بشروط مسبقة من موسكو، علاوة على ذلك، فإن رفض الصفقة الروسية قد يؤدي إلى تداعيات أكبر على العلاقة الشخصية مع بوتن، وكذلك على المشاريع المشتركة مع تركيا في الغاز والطاقة النووية، بالإضافة إلى التعاون السياسي القائم في عدد من الملفات، في المقابل، فإن رفض الصفقة الأميركية، قد يفتح المجال لتبرير مزيد من الإجراءات العدائية تجاه أنقرة، لا سيما من قبل أولئك الذي يتذرّعون بتحسّن العلاقات التركية-الروسية من أجل معاقبة أنقرة.

الخلاصة، أن رفض إحدى الصفقتين لأسباب غير موضوعية في هذا التوقيت بالتحديد، قد يعرّض أنقرة لمزيد من الضغوط والمخاطر، ولذلك فالأرجح أن تمضي السلطات التركية بالمشروعين للحصول على المزايا المتقدّمة للعرضين، والحفاظ على التوازن بين الطرفين، وإذا رفضت موسكو أو واشنطن ذلك فسيكون القرار السلبي قد صدر من هذه العواصم وليس من أنقرة، وبالتالي ستعتبر الأخيرة أنها متحررة من أية عواقب محتملة لعروض لم تقم هي برفضها.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس