ترك برس

بعد أن أمضت 30 عاما عجافا، عانت فيها من الحرب الأهلية، والإرهاب والجفاف، تشهد الصومال في يومنا هذا نهضة وتنمية بفضل الدعم التركي لها في شتى المجالات وأبرزها التعليم، والصحة، والتنمية والجيش. 

ورغم الفوضى الأمنية التي تشهدها الصومال، إلا أن ذلك لم يمنع المؤسسات الرسمية، ومنظمات المجتمع المدني وعالم الأعمال في تركيا، من مواصلة دعمها للصومال وشعبها، وبفضل ذلك أحزرت مقديشو تقدما ملحوظا خلال السنوات الـ 10 الأخيرة. 

وفي الواقع، التاريخ يكرر نفسه فيما يخص الدعم التركي للصومال، وهو استمرار للدعم الذي قدمته الدولة العثمانية لسيد محمد عبد الله حسن في مقاومته ضد البريطانيين والإيطاليين الذين دخلوا الأراضي الصومالية بداية القرن الـ 20، فيما تساهم تركيا بعد حوالي قرن من ذلك، في إعادة إنشاء الصومال الحديثة. 

ويستعد أفراد الجيش الوطني الصومالي لاستلام زمام الأمن في البلاد عقب انسحاب بعثة الاتحاد الإفريقي منها، وذلك بعد أن تلقوا التدريبات العسكرية اللازمة في القاعدة التركية بالعاصمة مقديشو.

بداية العلاقات الدبلوماسية بين تركيا والصومال تعود إلى عام 1979 مع افتتاح أنقرة سفارة لها في مقديشو، إلا أنه مع حلول عام 1991 واندلاع الحرب الأهلية، اضطرت لإغلاق سفارتها هناك. وفي عام 2011 عادت تركيا لتفتتح سفارتها في مقديشو من جديد، وبعد 3 أعوام من ذلك افتتحت قنصلية عامة لها في إقليم صوماليلاند ذو الحكم الذاتي. 

وفي ظل تطور العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، استضافت مدينة إسطنبول عام 2010، مؤتمر الصومال الذي نظمته الأمم المتحدة عقب موجة الجفاف التي ضربت الصومال عام 2011، وعملت تركيا على أن تكون صوت مقديشو في المحافل الدولية عبر لفت الأنظار إلى هذه الكارثة، ساعية لحشد الدعم للشعب الصومالي.

ورغم التهديدات الأمنية التي كانت سائدة حينها في الصومال، أجرى رئيس الوزراء التركي آنذاك، رجب طيب أردوغان زيارة إليها، داعيا من هناك شعب بلاده والعالم للتحرك من أجل مواجهة كارثة المجاعة التي حلت بالبلد الإفريقي، الأمر الذي لاقى تقديرا لدى الرأي العام العالمي. 

وعقب زيارة أردوغان هذه ودعوته لمساعدة الشعب الصومالي، تأهبت منظمات المجتمع المدني في تركيا لمد يد العون إلى الشعب هناك، مقدمة مليارات الدولارات من المساعدات الغذائية والصحية.

وفي الوقت الذي كانت تتردد فيه العديد من الخطوط الجوية العالمية لتسيير رحلات من وإلى الصومال بسبب الوضع الأمني فيها، فإن الخطوط الجوية التركية أطلقت رحلاتها إلى مقديشو عام 2012، وكانت شركة الطيران الوحيدة التي تربط الصومال بالعالم. إضافة إلى ذلك، كانت الخطوط الجوية التركية بجانب الشعب الصومالي خلال الكوارث والمراحل التي كان يحتاج فيها للمساعدة. 

واستطاعت الشركة التركية في عام 2017 لوحده، نقل مساعدات للشعب الصومالي بلغت 60 طنا، ضمن إطار حملة "turkishairlineshelpsomalia" التي أطلقتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وعلى الصعيد الصحي، أنشات تركيا مشفى بكامل التجهيزات في العاصمة مقديشو، وافتتحتها للخدمة سنة 2015 بمشاركة رئيس البلاد رجب طيب أردوغان. وتبلغ الطاقة الاستيعابية لمشفى "رجب طيب أردوغان"، 200 سرير ممتدة على مساحة قدرها 13 ألفا و500 متر مربع. وإلى جانب الشعب الصومالي، يقصد المشفى مواطنون من كينيا، وجيبوتي، وإثيوبيا، ومن إقليم صوماليلاند أيضا. ومن أبرز مؤشرات اهتمام أنقرة بالصومال، هي احتضان الأخيرة لأكبر بعثة دبلوماسية تركية في الخارج. 

وبني مجمع السفارة التركية في العاصمة مقديشو، على مساحة قدرها 80 دونما، مكونا من 7 أبنية مستقلة. وإلى جانب مهامها كبعثة دبلوماسية، تساهم السفارة التركية في مقديشو، في تحقيق السلام بين الأطراف المتنازعة هناك، عبر فعاليات الوساطة التي تقوم بها بين الأطراف.

بدوره، يتولى وقف المعارف التابع لوزارة التعليم التركية، الإشراف على المدارس التركية في الصومال، لا سيما وأن الأخيرة قامت بتسليم مدارس منظمة "غولن" الإرهابية إلى الوقف، وذلك بعد أن ثبت تورط المنظمة المذكورة في المحاولة الانقلابية الفاشلة التي شهدتها تركيا منتصف يوليو/ تموز 2016.

** القاعدة العسكرية التركية في الصومال

لا شك أنه من غير الممكن الحديث عن علاقات أنقرة ومقديشو دون التطرق إلى القاعدة العسكرية التركية هناك.

بدايات تواجد العسكريين الأتراك في الصومال تعود إلى عام 1993 عندما أرسلت أنقرة جنودا لها إلى مقديشو ضمن قوة المهام المشتركة.

فيما بعد تولت القوات المسلحة التركية مسؤولية ملئ الفراغ الأمني المتشكّل في الصومال عقب معاناة الأخيرة من الحرب الأهلية والإرهاب.

وفي هذا الإطار، افتتحت أنقرة في سبتمبر/ أيلول 2017، قاعدة تدريب عسكرية في العاصمة مقديشو، مستهدفة بذلك تدريب أفراد الجيش الصومالي، وتحضيرهم لاستلام زمام الأمن في البلاد عقب الانسحاب المزمع لبعثة الاتحاد الإفريقي من الأراضي الصومالية، في عام 2020. 

أما على الصعيد الاقتصادي والتجاري، فتتولى العديد من الشركات التركية، تشغيل وإدارة موانئ ومطارات صومالية بالغة الأهمية. إلى جانب هذا، نالت الصومال نصيبا وافرا من المساعدات التركية، سواء المقدمة من قبل الحكومة أو من قبل منظمات المجتمع المدني. 

عقب موجة الجفاف التي ضربت الصومال في 2011، بلغ مجموع المساعدات الإنسانية والتنموية التي قدمتها تركيا عبر مؤسساتها الرسمية والمدنية، أكثر من 500 مليون دولار.

إحدى الجوانب الأخرى للمساعدات التركية للشعب الصومالي، هي المنح الدراسية. وبلغ عدد الطلاب الصوماليين الذين استفادوا من المنح التركية منذ عام 1992 وحتى الآن، 750 طالبا.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!