مصطفى بارودي - خاص ترك برس

من المعلوم أن الحِصان هو من يَجُر العربة، كما يَفعُل المحرك بالسيارات والحافلات.

فهل الاقتصاد هو محرك السياسة؟ أم السياسة هي الفرس التي تقود الاقتصاد؟

هذه الإشكالية في فهم سير الأمور توصلنا إلى تساؤلات حتمية فيما يخص انعقاد قمة العشرين (G20) في كل مرة. فإذا كان الاقتصاد هو من يحكم السياسة، فلما تُعقد قمم العشرين (G20) برئاسة وفودها من الساسة ممثلين برؤوساء الدول والحكومات؟

ألا يجب أن يرأس الوفود المشاركة وزراء الاقتصاد أو المال والخزانة؟ كونها قمم اقتصادية! لماذا جُل نقاشاتهم الكبرى في الأمور السياسية؟ وخَيرُ دليل على ذلك تصريح الرئيس أردوغان حين قال: إن عملية تصفية الصحفي جمال خاشقجي أخذت الحيز الأكبر من نقاشات القمة الاقتصادية الأخيرة في الأرجنتين. والتسريب المزعوم عن الحديث المقتضب الذي جرى وقوفاً بين الرئيس مانويل ماكرون مع ولي عهد المملكة الأمير محمد بن سلمان، والكلام الذي جرى بينه وبين رئيس الوزراء الكندي ترودو في ذات الموضوع وفي نفس القمة الاقتصادية، وما هدد به أخيراً الرئيس الأمريكي ترامب في ما يخص العملية العسكرية المُرتقبة للجيش التركي في شرق نهر الفرات بتدمير الاقتصاد التركي في حال تعامله مع بعض الأكراد هناك على شكل لا يرضي ترامب!

وما كان منه في اليوم التالي عبر الاتصال الهاتفي الذي جرى بينه وبين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على الاتفاق لرفع مستوى التبادل التجاري بين الدولتين إلى حدود قصوى قُدرت بـ70 مليار دولار خلافاً لما صرح به سابقاً بهذا الخصوص.

أما مؤسسات التصنيف الائتماني التي رفعت التصنيف الائتماني لمصر! وحددت للأرجنتين البلد المضيف لقمة العشرين الأخيرة تصنيفها الائتماني ما بين B إلى B+ وقد قام بنك الأرجنتين المركزي برفع معدل نسبة الفائدة إلى 60% واضطرت الأرجنتين إلى الاستدانة من صندوق النقد الدولي مرة أخرى وأبرمت اتفاقية للحصول على 57 مليار دولار وبالمقابل تم تخفيض التصنيف السيادي لتركيا من درجة BA1 إلى BA2 وخفضت تصنيف الديون السيادية طويلة الأجل مع نظرة مستقبلية مستقرة من BB إلى BB – والديون القصرة الأجل من BB + إلى BB مع نظرة مستقبلية مستقرة وقد كان ذلك قبل الأنتخابات النيابية والرئاسية التركية الماضية، فماذا نفهم من كل هذا؟

الغريب بعد كل ذلك! يَطلُبون منّا فَصل الاقتصاد عن السياسة، كما يَطلبُ من يَدعي علمانية بفصل الدين عن الدولة، مع أن عقيدتنا مبنية على ثنائية الدين والدولة معاً، وكما يريد الوجه الآخر للعلمانية في هذا الجانب وهم الصوفية لكن من داخل المؤسسة الدينية بمطالبتنا بفصل الدين عن الدولة والابتعاد عن السياسة أيضاً.

ثم يأتي أحد القائمين على إدارة بعض جمعيات رجال الأعمال عندنا معتداً متباهياً بقوله لنا: عليكم الابتعاد عن الكلام في السياسة ضمن جمعياتكم! تشبهاً منهم ببعض الجمعيات الإغاثية مثل الهلال الأحمر وغيره، التي تقدم للمتضررين من الحروب والنزاعات المسلحة الماء والطعام والدواء واللباس وغير ذلك من الحد الأدنى من متطلبات الحياة، وبالتالي يجب عليها تقديم هذه الخدمات لأطراف النزاع من الناحية الإنسانية بالقسط دون تمييز أو تفرقة بين الأطراف المتنازعة فتكون طرف مقبولاً بين طرفي النزاع دون انحياز لأحدهما. متناسين أن هذا ليس من صلب عمل تجمعات رجال الأعمال، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. والتي يكون من أهم أهدافها الدفاع عن حقوق رجال الأعمال وتحقيق مكتسبات لهم وتأمين مصالحهم بشتى الوسائل المشروعة والتي منها وضع الخطط والمشاريع لدعم بعض رجالات السياسة الثقاة و دعم حملاتهم الانتخابية لإيصالهم إلى مراكز قيادية تحقق أهداف هذه التجمعات لرجال الأعمال.

وإذا دققنا جيداً في كل الأنتخابات الحرة والديمقراطية في العالم نجد وراءها تجمعات ضغط لرجال الأعمال تسعى جاهدة لإيصال من يستحق ويحقق مصالح كل منها من خلال رؤيتها لإيصال رسالتها وتحقيق أهدافها وهناك عدة تجمعات إقليمية وعالمية على هذه الشاكلة لا يراد لنا أن نكون مثلها. ونُحرم ذلك على أنفسنا بما كسبت أيدينا! أيها السادة: السياسة والاقتصاد فرسا رهان لا ندري أيهما السابق.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس