عاكف بيكي – صحيفة قرار – ترجمة وتحرير ترك برس

صباح مثلج في موسكو.. أنظر إلى الصورة أمامي. نُشرت قبل خمسة أيام، هي أول صورة للسيدة الأولى بدمشق أسماء الأسد عقب خضوعها لعملية جراحية.

كشف النظام السوري رسميًّا عن إصابتها بسرطان الثدي في أغسطس/ آب الماضي. وأعلن هذه المرة أنها خضعت لعملية تكللت بالنجاح من خلال استئصال الورم الخبيث.

لكن بينما يقدم النظام الصورة على أنها دليل النجاح في الصراع مع السرطان، يسعى من جهة أخرى، عن طريق صحة السيدة الأولى، لإثبات نجاحه في الحرب الداخلية.

يوجه النظام من خلال أسماء الأسد رسالة مفادها أنه ما يزال قائمًا لم ينهار. من الواضح تمامًا أن الصورة دعاية حرب. وبقدر ما هو واضحة، فهي مأساوية أيضًا. يا له من شغف رهيب بالسلطة..

لا تتخلى عن المنصب ولو كان الثمن أرواح الملايين. ترضى بأن يتحول بلدك بأسره إلى مقبرة، وتترك شعبك للموت والدمار.

كل ما يهمك هو سلطنتك، لا تتردد في التضحية بوطنك وإلقاء شعبك إلى أتون النار.

لكن عندما يتعلق الأمر بك فنفسك غالية جدًّا.. تعلن لشعبك أنك على خير ما يرام، وأنك وأسرتك في أتم صحة وعافية.

لا تتخلى عن الحرب في سبيل السلطة، حتى عندما يأتيك ملك الموت، وتشعر بأنفاسه تلاحقك. تبقى عيناك معلقتان بمتاع هذه الدنيا وعقلك مشغول بالدعاية لسلطانك.

لا يمكن تقديم فكرة أفضل من هذه الصورة عن الحالة النفسية لأسرة الأسد، وسيكولوجيا قصور السلطة، وطبيعة الأنظمة الحاكمة.

بينما تحترق بلدانهم، ينشغلون بوضع المكياج على حكمهم وتجميله. لا يختلفون عمن ينشغل بتسريحة شعره بينما قريته تحترق.

يعلن النظام أنه انتصر على المعارضة كما تغلب على المرض، وأنه تجاوز الحرب الداخلية كما تخلص من السرطان، وخرج سالمًا من التحديين الكبيرين، هذه الصورة إعلان نصر مزدوج..

تبدو السيدة الأولى جالسة إلى طاولة العمل في فترة النقاهة، تمعن النظر في أوراق أمامها. تظهر الصورة القوة والجلد. لترفع من معنويات مؤيدي النظام

لم تعد تملك شعرًا، لكن على عكس ملايين السوريين، تتلألؤ عيناها ويشرق وجهها. تهدف بهذه اللقطة لبث العزم والأمل من أجل مستقبل بلدها.

وكأنها تقول: "هناك الكثير من العمل لننجزه، ليس هناك مشكلة لا يمكننا حلها، لنواصل الكفاح".

حتى ولو اختبأت وراء جدران آمنة، وحتى لو عشت في بروج مشيدة، لا يمكنك الفرار منه. لا حدود ولا دروع يمكنها الوقوف في وجه ملك الموت..

خشية الموت الذي أذقته لشعبك يوميًّا على يد جلاديك، تطرق بابك اليوم. لكن كيف يكون الأمر حين لا تتخلى عن أطماعك في السلطة والقوة حتى عندما تذوق طعم الفناء بنفسك؟ الإجابة في صورة أسماء..

عن الكاتب

عاكف بيكي

كاتب في صحيفة حريت


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس