ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس

لا تزال أصداء ترحيل الشاب المصري محمد عبد الحفيظ والمحكوم عليه غيابيا في قضية اغتيال النائب العام تدوي في أوساط المعارضة المصرية لاسيما بين شباب المعارضة في الخارج.

فمحمد عبد الحفيظ الذي تم ترحيله من مطار اسطنبول متهم باغتيال النائب العام المصري وحكم عليه بالإعدام غيابيا في محاكمة أشبه ما تكون بالهزلية، مصبوغة بصبغة الانتقام لا العدالة، واجه فيها تسعة من خيرة شباب مصر الإعدام في أول درجة لتؤيد عليهم الحكم محكمة النقض، وهي أعلى محكمة جنائية في مصر، وينتظرون تنفيذ الحكم في أي لحظة، ما يعني أن الشاب المرحل من تركيا سيلقى مصير من سبقوه في تلك القضية، وهذا سر الغضب الشعبي على قرار ترحيله.

لكن على مستوى المراقبين، يجب التوقف مليا عند قرار الترحيل وما يمثله، وهل غيرت تركيا التي طالما وقفت مبادئيا في وجه الانقلاب في مصر، من نهجها، وهل باتت المعارضة المصرية في تركيا غير مرحب بها؟

خلال السنوات الماضية كانت تعلو أصوات من داخل حزب العدالة والتنمية الحاكم من حين لآخر وكان يساند تلك الأصوات بل يقودها في بعض الأحيان أحد رؤساء الوزراء في حينها، تنادي بوقف مقاطعة النظام المصري، ومد جسور المصالحة لما يعود بالنفع على تركيا اقتصاديا ويجنبها المناوشات السياسية، لاسيما وأن النظام المصري بات واضحا أنه خنجر الغرب الذي سيقطع به التحالفات المحتملة والرافضة للسلطوية الغربية،  وهو ما يعني أن هناك أصوات لازالت متواجدة وقريبة من دوائر القرار تسعى للوصول لهذا الهدف، متحصنة بتبريرات من أهمها أن تركيا تعتمد بشكل كبير على الاستثمار في الولايات المتحدة ودول الخليج العربية - داعمي النظام في مصر- وتحتاج إلى دعم أمريكي في البنك الدولي (الذي سيقوده قريباً حليف مقرب من الرئيس دونالد ترامب) وصندوق النقد الدولي والمؤسسات العالمية الأخرى. وأخيراً، حاجة تركيا إلى قطع غيار وتجهيزات أمريكية لجيشها.

فهل يعني أن عبد الحفيظ كان قربانا على مذبح العلاقات التركية - المصرية المأمولة من تلك الفئة، ومن ثم هل ستغير تركيا موقفها من المعارضة المصرية؟            

تبريرات الداعين إلى التطبيع مع النظام المصري يرى فيها البعض حقيقة الضغوط التي تمارس خلف الكواليس من واشنطن وكذا من القاهرة والرياض، على الإدارة التركية التي يستعد حزبها لخوض انتخابات مهمة منتصف الشهر القادم، في ظل محاولات تلك الأنظمة ربط الإدارة التركية بالإخوان المسلمين، وهو ما بات مرفوضا شعبيا وتحاول الإدارة التركية نفيه في كل مناسبة.

لكن بعيدا عن تلك التحليلات والرؤى، فإن الموقف الرسمي للإدارة التركية لا يزال متمسكا بثوابته في رفض الانقلاب العسكري الذي حصل في مصر، فقد أشار رئيس الوزراء السابق، خلال زيارة لمسئولي الاتحاد الأوروبي، إلى أن رأس النظام زعيم انقلابي، كما أن قرار إحالة ثمانية من الضباط والمسئولين على ترحيل الشاب المصري إلى التحقيق يشير إلى أن الموقف الرسمي التركي رافض للواقعة، لاشك لأن الواقعة تمثل خرقا للمواثيق الدولية التي تمنع تسليم لاجئ سياسي إلى بلده، فالشاب أظهر أوراقا ثبوتية تؤكد تهديد حياته إذا ما عاد إلى مصر، كما أن المواثيق تنص أنه في حال عدم قبول الدولة دخول الشخص عليها أن تعيده إلى الدولة التي جاء منها لا تسلمه إلى دولته، وهو ما يضع تركيا حقوقيا في مأزق كبير هي في غنى عنه في هذا الملف.

وما يؤكد أن تركيا لم تغير نهجها تجاه المعارضة المصرية، أن المعارضين المصريين لايزالون يعيشون في تركيا دون ملاحقة، كما فعل رئيس السودان في فترة من الفترات، وما زالوا يظهرون في الإعلام الناطق باسمهم أو حتى في الإعلام التركي نفسه.

لكن فيما أرى أن هذا الخطأ كان خطأ إجرائيا مجازيا لا يتعدى إلى سياسة الإدارة التركية نحو المعارضة المصرية المقيمة أغلبها على أراضيها، وعلى المعارضة أن تتفهم ذلك وألا تجعل هذا الخطأ يهدم جسور الثقة بينها وبين الإدارة التركية، ومن ثم يجب على المعارضة أن تهدئ من روع قواعدها، وأن تعمل على وقف النشر في هذه القضية من قواعدها، لما يمكن أن تحدثه وسائل التواصل الاجتماعي من أثر على القبول العام للمعارضة على الأراضي التركية، فيكونون معينا للنظام على أنفسهم وهو ما سيندمون عليه لاحقا.

عن الكاتب

ياسر عبد العزيز

كاتب وباحث سياسي ومدير مركز دعم اتخاذ القرار في حزب الوسط المصري سابقا.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس