د. علي المر - خاص ترك برس

تعود بدايات البرنامج النووي الإيراني إلى خمسينيات القرن الماضي، إبان حكم الشاه محمد رضا بهلوي، واستمر حتى سقوطه، بمجيء الثورة، عام 1979، حيث توقف؛ ثم استؤنف بعد الثورة. ولقد تطور هذا البرنامج بحيث أصبحت إيران اليوم تشغل محطة نووية واحدة لتوليد الكهرباء، قدرتها 1,000 ميجا واط؛ ومفاعلين للبحث والتدريب؛ والعديد من مراكز إنتاج وتخصيب اليورانيوم. وتسعى اليوم لامتلاك محطتين نوويتين أخريين. وفيما يلي أهم المحطات على طريق تطور هذا البرنامج:

في عام 1960م: باشرت إيران في بناء أول مفاعل للبحوث النووية، في طهران، بقدرة 5 م و؛ وهو يستخدم وقوداً: اليورانيوم العالي التخصيب، بنسبة 93%. ولقد تم الانتهاء منه وتشغيله عام 1967م.

وفي عام 1968: وقعت إيران الاتفاقية الدولية للحد من انتشار الأسلحة النووية؛ وصدقت عليها عام 1970؛ فخضع برنامجها النووي، بذلك، للرقابة الدولية التي تنفذه الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لضمان عدم استخدامه لإنتاج قدرات نووية عسكرية، أو قنابل ذرية.

وفي عام 1974م: أطلق الشاه مشروعاً نووياً، طموحاً، لتوليد 23,000 ميجا واط (م.و)، من 8 محطات نووية، يتم بناؤها في غضون 20 عاماً. وبناء مصنع لتخصيب اليورانيوم في فرنسا. وبدأ في العمل في مجال إنتاج ومعالجة اليورانيوم محلياً، وتطوير تقنيات الليزر المستخدمة في التخصيب.

ويلاحظ أن هذه القفزة العملاقة جاءت في نفس العام الذي أعلنت الهند فيه نفسها دولة نووية؛ باختبار قنبلتها الذرية الأولى. وهو ذات العام الذي اتخذت الباكستان قرارها بتسريع إنتاج السلاح النووي رداً على الهند.

وفي عام 1975: قامت إيران، بدعم فرنسي، بإنشاء مركز نووي، في مدينة أصفهان، لغايات البحث والتدريب، وتطوير قدرات الوقود النووي.

وفي عام 1976: وقع الرئيس الأمريكي الجمهوري السابق، جيرالد فورد، توجيهاً لرئيس موظفي البيت الأبيض، ريتشارد شيني، ووزير دفاعه، دونالد رمسفيلد، في حينه، يتضمن ما سمي" الورقة الاستراتيجية"، التي تقضي بدعم إيران لإنتاج البلوتونيوم الذي يستخدم لصناعة السلاح النووي.

وفي عام 1979م: قامت الثورة في إيران؛ وتم إسقاط الشاه، وتعطل البرنامج النووي مؤقتاً؛ وأوقفت الولايات المتحدة تزويد إيران باليورانيوم المخصب لتشغيل مفاعلها.

وفي عام 1984: أعلنت المخابرات الألمانية أن باكستان زودت إيران باليورانيوم المخصب، ما يكفي لصنع سلاح نووي في غضون عامين.

وفي عام 1991م: وقعت إيران اتفاقية مع الصين للتعاون في تخصيب اليورانيوم؛ وتشغيل وحدة تخصيب لليورانيوم باستخدام تقنية أشعة الليزر.

وفي عام 1993م: بدأت الأرجنتين بتزويد الوقود النووي لمفاعل طهران البحثي؛ بعد أن تم تخفيض تخصيب اليورانيوم الذي يعمل به المفاعل إلى أقل من 20% بدلاً من 93%.

وفي عام 1995م: وقعت إيران اتفاقية مع روسيا لاستكمال بناء محطة بوشهر النووية، بقدرة 1000 م و؛ واتفاقية مع الصين لتخصيب اليورانيوم.

وفي عام 1997م: ألغت الصين اتفاقيتها مع إيران للمساعدة في تخصيب اليورانيوم؛ بسبب الضغوط الغربية.

وفي عام 2000م: قامت إيران بإبلاغ الوكالة الدولية للطاقة الذرية بإنشاء معمل لتحويل اليورانيوم في مدينة أصفهان؛ وإنتاج يورانيوم مخصب بنسبة 1.2%.

وفي عام 2002م: بدأ العمل في معمل ناطنز للتخصيب، مستهدفاً إنشاء 50 ألف وحدة طرد مركزي، لإنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة 3-5%؛ وباستخدام الليزر لتخصيب اليورانيوم حتى 8-9%؛ وبإنتاج الماء الثقيل.

وفي عام 2003م: أعلنت إيران عن إنتاج اليورانيوم من منجم يزد، الذي يقدر احتياطي اليورانيوم فيه بحوالي 1.55 مليون طن من الخام، بتركيز 550 جزءاً في المليون؛ وإنتاج كمية قليلة من البلوتونيوم (200 ميكرو غرام) من وقود معالج محلياً.

وفي أيار 2003: بعد شهرين فقط، من الغزو الأمريكي للعراق، قدم الرئيس الإيراني، محمد خاتمي اقتراحاً للإدارة الأمريكية، من خلال السفارة السويسرية، عرف " بالصفقة الكبرى"، استعرض فيها بشفافية كاملة البرنامج النووي الإيراني. ووفق محرك ويكيبيديا فلقد أبدت إيران، في تلك الصفقة، استعدادها لوقف دعمها لحركات المقاومة ضد إسرائيل؛ مقابل حصولها على ضمانات أمنية من الولايات المتحدة، وتطبيع العلاقات الدبلوماسية معها. وهو ما رفضته الإدارة الأمريكية، في حينه؛ رغم أن الصفقة كانت قد حظيت: بتأييد واسع من الحكومة الإيرانية، وبدعم المرشد الأعلى للثورة (علي خامنئي).

وفي عام 2004: باشرت إيران ببناء مفاعل، 40 ميجا واط، يعمل بالماء الثقيل؛ بدعم من المجموعة الأوروبية الثلاثية (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) التي كان مجلس الأمن الدولي قد كلفها بالتفاوض مع إيران للتخلي عن أية نوايا لامتلاك سلاح نووي؛ وأعلن في العام نفسه عن تعليق تخصيب اليورانيوم.

وفي عام 2005: كشفت فرق التفتيش الدولية آثاراً لليورانيوم المخصب على أجهزة طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم، قيل إنها كانت موردة من باكستان لإيران.

وفي عام 2006م: أعلنت إيران التخلي عن تطبيق ملحق اتفاقية الحد من انتشار السلاح النووي، الذي يقضي بإجراء زيارات فجائية لخبراء دوليين، لمنشآتها النووية؛ وأعلنت عن نجاحها في التخصيب بنسبة 3.5%.

وفي عام 2010: أبلغت إيران الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن تمكنها من تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%. 

وفي المدة من 2010-2014: استمرت عملية التفاوض تحت ضغط الحصار والعقوبات، التي كان الغرب يستخدمها للحصول على أكبر قدر ممكن من التنازلات الإيرانية؛ وخصوصاً فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والمقاومة والربيع العربي وترتيبات استراتيجية أخرى.

وفي عام 2015: وبعد سلسلة من الاجتماعات واللقاءات المكثفة: أُعْلِنَ عن التوصل إلى ما عرف بالاتفاق النووي الإيراني مع القوى الدولية، أو مجموعة 5+1: التي تضم الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الدولي وألمانيا. 

وفي عام 2018: أعلن الرئيس الأمريكي رونالد ترامب انسحاب بلاده من الاتفاق النووي مع إيران، من جانب واحد؛ في حين عارضه الاتحاد الأوروبي وروسيا وتركيا بالطبع.

ومما يجدر ذكره، أن الإعلام لم يأت على ذكر أي ملاحق سرية للاتفاق، ومن غير الممكن تصور مفاوضات استمرت 10 سنوات كاملة، وتتعلق فقط بموضوع واحد، هو التحقق من عدم قيام إيران بنشاطات مشبوهة، لإنتاج سلاح نووي.

يؤيد ذلك أن إيران ظلت تصر، في العام الأخير من المفاوضات قبل توقيع الاتفاق النووي، على تضمين الاتفاق اعتراف الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، بالواقع الإقليمي الجديد الذي أخذ يطبع منطقة الشرق الأوسط، والذي استحوذت فيه إيران على موطئ قدم في ثلاث دول عربية؛ هي: سوريا والعراق واليمن علاوة على لبنان. وفي المقابل لا يمكن تصور موافقة الغرب على مثل هذه التطلعات الإيرانية، دون ضمان أمن إسرائيل. وإذا كانت إيران قد عرضت، عام 2003، وقف دعمها للمقاومة، ولو ظاهرياً، فليس هنالك ما يدعو إلى عدم القناعة بوجود ترتيبات أو ملحقات للاتفاقية، ربما ألزمت إيران بموجبها بموقف غير معلن من الصراع العربي الإسرائيلي.

لقد استخدم الغرب أسلوب الجزرة والعصا في مفاوضاته مع إيران. بالحصار والتهديد من ناحية، ومساعدتها للتوسع، أو غض النظر على الأقل عن توسعها في المنطقة العربية، على حساب أهل السنة. ويبدو لنا أن إيران اختارت أن توقع الاتفاق النووي: الذي تضمَّن بعض القيود على برنامجها النووي، مقابل الحفاظ على المكاسب التي حققتها. والذي يعتمد، في نظرنا، على أمرين اثنين؛ الأول: مدى قدرتها على هضم المناطق التي انتشرت فيها، وفرض الأمر الواقع الجديد. والثاني: مدى قوة البرنامج النووي الإيراني؛ والذي سوف يمكنها من المناورة مع القوى الدولية لتحقيق طموحاتها وحتى تعزيزها؛ ما ينبئ بأن المنطقة سوف تظل في حالة من المد والجزر، وعدم الاستقرار الشديد، وحتى الصراع المدمر، لزمن طويل. وما ينبئ بأن الإدارة الأمريكية الجديدة ربما تطمح إلى التفاوض مع إيران وإعطائها بعض المكاسب الإضافية، مقابل أن تستخدمها في جولة، وموجة، جديدة من الحروب قد تكون مدمرة أكثر، وربما ضد تركيا على وجه التحديد لإزالة آخر قوة سنية يمكن أن تقف في وجه المشروع الصهيوني. وما يتطلب السعي للوصول إلى قناعة مشتركة بضرورة التوصل إلى تفاهم، وتعاون، بين القوى الإقليمية الأخرى في المنطقة، وفي مقدمها تركيا والسعودية، ودول الخليج، وحتى إيران...، لوقف هذه الحالة المرهقة والمكلفة، والتي قد تفضي إلى تقسيم المنطقة إلى فسيفساء من الدويلات المتناحرة، مذهبياً وقومياً، أبد الآبدين، إن استطاعوا. وهي الحالة التي لم يعد خافياً أن الدول الفاعلة على الساحة، والتي ساهمت بدور، أو آخر، في الوصول إلى توقيع الاتفاق النووي، تسعى لرسمها لمئة عام قادمة.

وإلى اللقاء في موضوع آخر. 


[1] يتكون اليورانيوم في الطبيعة من عنصرين: هما اليورانيوم-235، واليورانيوم – 238 بنسبة تركيز أقل من 1% من النوع الأول، وهو المادة التي تستخدم لإنتاج الطاقة والقنابل النووية. وتعمل بعض المفاعلات بالوقود المصنع من هذين العنصرين، بنسبة التركيز الطبيعة؛ وبعضها الآخر يتطلب نسباً أعلى من اليورانيوم-235، يسمى اليورانيوم المخصب؛ لأن نسبة اليورانيوم-235 تم زيادتها أو تخصيبها. وإذا زادت النسبة على 90% يصبح اليورانيوم قابلاً للاستخدام في إنتاج القنابل الذرية، ولهذا تضغط الدول الكبرى لمنع الدول غير النووية من إنتاج اليورانيوم المخصب.

[2] القنابل الذرية هي نفسها القنابل النووية. والتعبير الأول خطأ شائع.

[3] انظر مقالة بعنوان "البرنامج النووي الإيراني"؛ ويكيبيديا (الموسوعة الحرة). يلاحظ أن هذين الشخصين شغلا منصبي نائب الرئيس ووزير الدفاع، في ولاية بوش الابن، الرئيس الأمريكي الجمهوري الذي قاد الحرب لاحتلال العراق، عام 2003. 

[4] انظر نفس المصدر.

[5] تتم عملية تحويل اليورانيوم في سياق عملية التخصيب. وفيها يجري تحويل معدن ثنائي أكسيد اليورانيوم إلى غاز سداسي أكسيد اليورانيوم، وهذا الأخير يضخ في أجهزة الطرد المركزي لإنتاج اليورانيوم المخصب!

[6] يستخدم الماء الثقيل كمبرد ومهدئ للمفاعلات التي تستخدم لتوليد الكهرباء؛ وإنتاج البلوتونيوم، الذي يستخدم في صناعة القنابل النووية!

[7] انظر المصدر السابق.

[8] انظر نفس المصدر.

عن الكاتب

د. علي المر

المدير السابق للطاقة النووية في الأردن


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس