فهد الرداوي - خاص ترك برس

أبىَ النظام الإيراني إلاّ أنْ يُثير زوبعةً سياسية جديدة في المنطقة ومن لبنان تحديداً، وأراد من خلالها إرسال رسالة واضحة المعاني من منطقةٍ يعتبرها عُمقاً طائفياً ونفوذاً عسكرياً له، عمل نظام الملالي على ترويضها لعقودٍ من الزمن، فقام هذا النظام الإيراني بإرسال وزير خارجيته "جواد ظريف" إلى لبنان ليقوم بالمهمة، وربما تزامُن الذكرى الأربعين لثورة هذا النظام المارق مع موعد هذه الزيارة، يُشكل بحدِّ ذاته مضموناً خبيثاً ذو دلالاتٍ واعتباراتٍ لها ما لها من واقعية النفوذ والسيطرة، وقد تجلّت هذه الواقعية من خلال تلك الوعود التي أطلقها ظريف للحكومة اللبنانية الجديدة التي رأت النور منذ عدة أيامٍ فقط، حيث أبدى هذا الوزير استعداد بلاده لدعم لبنان اقتصادياً وعسكرياً وفي كثيرٍ من المجالات الأخرى، بإشارة واضحة للصيغة المعنوية التي يُبديها النظام الإيراني لجمهورية لبنان العربية.

لبنان... تاريخياً:

عانى لبنان منذ سبعينيات القرن المنصرم من ويلات الحرب الأهلية والتي أدت في مشهدها الأخير وبقرار من الجامعة العربية، أدت إلى تدخل عسكري للقوات السورية لوأد هذه الحرب، وما لبثت هذه الحرب أن تضع أوزارها حتى اقتنص حافظ الأسد الفرصة للسيطرة على كامل الساحة اللبنانية بجميع مفاصلها، فبات لبنان بهوائه ومائه وسمائه تحت الوصاية السورية المباشرة، أتاح هذا الشيء لحافظ الأسد تحويل لبنان لساحة صراع دولية ومنطقة لتصفية بعض الحسابات لضمان أمن وسلامة حدود إسرائيل الشمالية من تلك الهجمات التي كانت تشنها منظمة التحرير الفلسطينية من جهة وقطع أي ترابط عربي بهذا البلد من جهة أخرى، مما سمح لإسرائيل بالقيام بعملية الليطاني عام 1978، تبعها الاجتياح للجنوب عام 1982 للقضاء على فصائل المقاومة الفلسطينية، بينما حارب الأسد حينها أي تواجد دولي في لبنان فبدأ مرحلة تفجير السفارات وأهمها السفارة العراقية التي كانت تحاول لعب دور سياسي في لبنان والاغتيالات السياسية أيضاً كانت حاضرة، وتعدى الأمر ليصل إلى تفجير مقر المارينز الأمريكي وقوات النخبة الفرنسية العاملة في بيروت آنذاك، وقد أفضت تلك الحقبة الزمنية إلى إبعاد منظمة التحرير الفلسطينية إلى تونس في العام 1986، وانسحاب القوات الأمريكية والفرنسية وغياب تام لأي حضور عربي في لبنان لتخلو الساحة تماماً لحافظ الأسد وتبدأ مرحلة التواجد الإيراني وإنشاء ودعم المليشيات الطائفية كحركة أمل وحزب الله اللبناني وليبدأ بعدها حافظ الأسد مرحلة التجييش الطائفي والتغيير الديموغرافي للبنان أجمع وليس للجنوب فقط، ليخرج بعدها لبنان من ساحة التأثير السياسي العربي ويصبح خاضعاً للنفوذ الأسدي الإيراني بشكل تام.

لبنان المحصلة الصفرية:

لبنان جغرافياً لا يُشكل أي مطمعٍ لأي حسابات إقليمية (في الوقت الراهن)، فهو البلد الصغير ذو النافذة الواحدة على سوريا بنسبة %95 من حدوده، و%5 هي باقي حدوده مع إسرائيل والتي أمّنها حافظ الأسد بتغييرٍ ديموغرافي ممنهج يحمل لون الطائفية وطعم الولاء، ولبنان بعيد كل البعد عن خارطة الاهتمام الإستراتيجي للدول العظمى، فهو البلد الفقير للثروات والموارد الطبيعية والموقع الجغرافي ولا يُعد سوى حديقة خلفية للعصابة الأسدية وساحةً تستخدمها لتصفية خصومها السياسيين وقاعدة إرهابية متقدمة لنظام الملالي الإيراني المجرم، تتقاطع فيها المصالح المشبوهة من غسيلٍ للأموال المنهوبة وتهريب الآثار إلى مزارع المخدرات وتجارة الأسلحة وتصدير الإرهاب والميوع لدول العالم ولدول المنطقة بشكل خاص، وتَدَخُّل مليشياته الإرهابية في سوريا والعراق واليمن خيرُ دليلٍ على ذلك، ليبقى لبنان الجميل أسيراً لهذا النفوذ الإجرامي القذر مع قطع تام لأي جسور ترابطية عربية وسيطرة تامة وواضحة للميليشيات الوظيفية التي تم انشاؤها من قبل النظامين (الأسدي ونظام الملالي) والدور التعطيلي الذي تقوم به هذه الأدوات الوظيفية لجميع أشكال الحياة السياسية والمدنية والخدمية , ليتحول بذلك هذا البلد الغنّاء بطبيعته إلى بؤرة خدمية بعيدة كل البعد عن مفهوم كيان الدولة المؤسساتي بمحصلة أخلاقية صفرية نتمنى أن تكون آنيّة، ليعود لبنان الجميل لحاضنته العربية ويستعيد مركزه الثقافي العالمي، ولن يتم هذا إلا بقطع أيادي من يختطفونه ووجوب ضرب محاورهم بإيجاعٍ مؤثر، ولا فائدة من ضرب الأطراف، لأن لبنان السليب عملياً خرج من دائرة التأثير العربي والإقليمي شأنه شأن سوريا والعراق، وأصبحت التبعية الإيرانية عنواناً عريضاً في هذه الدول.

عن الكاتب

فهد الرداوي

الأمين العام لتيار التغيير الوطني السوري


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس