يوسف ضياء جومرت ـ صحيفة يني شفق – ترجمة وتحرير ترك برس

كان أسامة بن منقذ محارباً ينحدر من عائلة معروفة ويشتهر بثقافته الواسعة، وكانت تربطه صداقة متينة بفاتح القدس السلطان صلاح الدين الأيوبي.

وكأن أسامة هذا قد عاش في العصور المتحضرة، ثم عاد للقرن الثاني عشر.

نظرة أسامة للأحداث، وتحليلاته، وفضوله، دفعتني لهذا الاعتقاد. وسأعرض لكم تفاصيل أدق في فرصة مواتية لاحقاً. ولمن لا يستطيع الانتظار بإمكانه شراء كتابه "كتاب الاعتبار" والذي قمت بترجمته شخصياً.

ترجمتُ "كتاب الاعتبار" عام 1992. لكن هناك سبباً آخر دفعني للتذكير بالكتاب الآن.

فقد عاش أسامة في زمن الهجمات الصليبية على مناطق شرق البحر المتوسط وارتكابها للمجازر فيها. ويحكي الكتاب بشكل عام الكثير من ذكريات أسامة في الحروب.

أي في فترة انحطاط الأتابك السلجوقية وتفككها أو في الفترة التي بدأ فيها نجم صلاح الدين الأيوبي بالصعود.

وكان جيشه يتكون من الجنود العرب والتركمان والأكراد.

"كان يوجد جندي كردي مشهور بالبسالة والتقوى والكرم. وقد أجرى مبارزة مع جندي إفرنجي...".

"وبعضهم يحارب بسبب الوفاء والإخلاص، وكمثال على ذلك الفارس فارس الكردي وكان له من اسمه نصيب كبير".

حيث يقص أسامة في كتابه تفاصيل كثيرة من تلك المحاربات. لجنود عرب، أو أتراك وأحياناً لجنود أفارقة.

(حيث يمكنك رؤية "السيسي" أو "الأسد" في ذلك الزمن، أثناء قراءتك للكتاب.)

وتنتهي تلك الفترة المليئة بالحروب أفضل نهاية. بتوحيد صلاح الدين الأيوبي لمصر وسورية والعراق وجمع المسلمين تحت راية واحدة، لينتصر لاحقاً عام 1187 على الصليبيين في القدس الشريف ويعيد فتحها من جديد.

وكان صلاح الدين الأيوبي كردياً كان جنوده وأمراءه من الأتراك والعرب والأفارقة، أي تيسر لهم فتح القدس بوحدتهم.

القدس تقبع تحت الاحتلال اليوم أيضاً، لكننا نناقش موضوع تحريرها بمصطلحات مغايرة.

والإسلامفوبيا أحد تلك المصطلحات، حيث لم يكن موجوداً في السابق، وبعبارة أدق كان موجوداً لكنه تسميته لم تكن موجودة.

بالنسبة للصليبيين؟ كانوا موجودين في القديم أيضاً. ونرى أنه امتدت ليومنا هذا بفضل السياسات الغربية الخرقاء لسياسييهم كـ"بوش".

إسرائيل؟ لم تكن موجودة. لكنها اليوم تستمر في عملها كآلة قتل وحشية لا تعرف التوقف.

لنعترف بأن الصليبيين اليوم متفوقين على أسلافهم في العصور القديمة، فالوضع المضطرب في دولنا يسهل من عملهم. إضافة إلى أنهم يسعون لنشر الفوضى في دولنا لتسهيل عملهم. فالبيضة تخرج من الدجاج، وكذلك الدجاجة تخرج من البيضة.

حيث حاولوا مراراً نشر الفوضى في تركيا. مع الأسف نظرية المؤامرة تلك لم تعد نظرية. وهذه حقيقة كما رأيتم. فالكيانات الموازية منتشرة في كل الدول، (المجددين في إسرائيل، ومنهم في ألمانيا، وفرنسا، ومنهم المحلي).

فلدينا وسط كل هذه الفوضى "فترة مصالحة وطنية". وهي وُجدت فجأة، حيث لم تكن تخطر ببال أحد قبل بضع أعوام.

وكأنهم غيروا الحمض النووي (DNA) للأتراك والأكراد، فأصبحنا محكومين بعداوة بعضنا البعض.

وإقناع الشعوب صعب جداً، بقدر صعوبة تغييرك لمجرى النهر.

هل من الممكن ذلك؟ وماذا عن الدولة العميقة، والوطنيين، وأمريكا، وأوروبا، وإسرائيل! لا لا يمكن ذلك.

هناك شخص واحد يمكنه تجربة ذلك، جربه ونجح فيه، وساءت معه ملامح أوجه الوطنيين، والليبراليين، وجماعة الكيان الموازي، جميعهم عديمي الفائدة.

لماذا؟

ببساطة: لأنهم لم يتقبلوا أردوغان.

ماذا كانوا يقولون؟

"كردستان" مثل إسرائيل في الشرق الأوسط، بحماية الغرب، لعبة سياسية تتحكم بها إسرائيل.

هكذا كانت النظرية.

لكنها فسدت الآن، ولم تفسد النظرية لوحدها فقط بل تعدت لتفسد معها الليبرالية والموازيين.

هناك مؤشرات تدل على أن "فترة المصالحة الوطنية" دخلت مرحلة جديدة، وربما يتم إعلان المصالحة قريباً، في عيد النوروز مثلاً.

ولم يكن ذلك طريقاً سهلاً، فكم من عائق وواضع عصي في العجلات ومزور ومتصيد يسعى لإفشال المصالحة.

وحدة الأتراك والأكراد ليست خاصة بالأتراك والأكراد، فهي ممكنة في كل دول الشرق الأوسط.

ولو تم إدراك قيمة هذه الوحدة، لأفسدت الكثير من المؤامرات والألاعيب.

تماماً كما أفسد صلاح الدين مؤامرات الصليبيين قبل 828 عام.

عن الكاتب

يوسف ضياء جومرت

كاتب في صحيفة ستار


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس