طلحة عبد الرزاق - تي ري تي وورلد - ترجمة وتحرير ترك برس

استحوذت قضية البريطانية، شيماء بيجوم التي كانت متزوجة من أحد مقاتلي داعش، ورغبتها في العودة إلى المملكة المتحدة، على تغطية واسعة في وسائل الإعلام البريطانية خلال الأسبوع الماضي، حيث يدور النقاش داخل بريطانيا حول ما إذا كان ينبغي السماح لها بالعودة بعد أربع سنوات من العيش في ظل حكم داعش.

وبالمثل، ظهرت قصص أخرى عن الأمريكيين النادمين وغيرهم من النساء المسلمات الأوروبيات الراغبات في العودة إلى ديارهن بعد أن فقد داعش معظم مناطق سيطرته في كل من العراق وسوريا، ولم يعد وجود للخلافة المزعومة.  

ومع احتجاز تنظيم بي كي كي أكثر من 1000 سجين أوروبي من داعش في شمال سوريا، وتهديد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإطلاق سراح مقاتلي داعش إذا لم تستقبلهم الدول الأوروبية وتقدمهم إلى المحاكمة، تطرح أسئلة حول ما يجب فعله مع أسرى الحرب غير المرغوب فيهم.

المتطرفون في مواجهة الإرهابيين النشطين

من منظور القانون الدولي، لا يمكن أن يكون هناك شك في أن الدول الأوروبية لا تستطيع تجريد من سافروا إلى سوريا من الجنسية، وعليها التزام بالتعامل معهم. بيد أن هناك فئتين من مقاتلي داعش الأوروبيين المعتقلين حاليا: المتطرفون من غير المقاتلين، والمقاتلون الذين شاركوا مشاركة فعالة في عمليات الإرهاب.

في كلتا الحالتين، ومن منظور الأمن القومي وجمع المعلومات الاستخبارية، هناك الكثير الذي يمكن أن تجمعه الاستخبارات وأجهزة الأمن التي تستجوب أسرى داعش. ذلك أن استجواب من شاركوا بفعالية في أعمال العنف في العراق وسوريا، أو الذين كانوا في مرحلة ما قد أرسلوا إلى بلدان أخرى للتخطيط أو المساعدة في تنفيذ هجمات إرهابية قبل العودة إلى "الخلافة" حيث تم أسرهم، يمكن أن يوفر معلومات استخبارية تكتيكية ثمينة. وفي حالة وجود تهديد مستقبلي قائم على نموذج داعش، وهو احتمال كبير بالنظر إلى أنه لم يتم التعامل بعد مع الأسباب الجذرية لظهور داعش، ستعرف الحكومات كيف تستعد قواتها وقوات حلفائها بشكل أفضل لمكافحة مثل هذا التهديد.

أما فيما يتعلق بالمتطرفين الآخرين الذين لم يشاركوا في العمليات الإرهابية من زوجات وأبناء أعضاء داعش، مثل بيجوم، يمكن جمع المعلومات الاجتماعية التي تكشف عن كيفية تطبيق داعش نموذجها في السيطرة والحكم، وكيف نظمت مجتماعاتها، وكيف خدعت الفتيات الصغيرات ودفعتهن إلى مغادرة الغرب والانضمام إلى صفوفها كزوجات للمقاتلين الإرهابيين وأمهات لأطفالهن.

كانت بيجوم واضحة تمامًا في مقابلاتها مع التايمز وسكاي نيوز والبي بي سي بأنها لم تنجذب فقط إلى مقاطع الفيديو الدعائية العنيفة لداعش التي تظهر القوة التي يشعر البعض بأنها فقدت منذ أيام الإسلام العظيمة، بل إنها فتنت أيضا بمقاطع فيديو داعش عن "الحياة الجيدة" في ظل حكم الخليفة المزعوم.

زُوجت كثير من هؤلاء الفتيات الصغيرات بمقاتلي داعش وأنجبن أطفالا. وبغض النظر عن الالتزامات القانونية التي تقع على عاتق الدول الأوروبية، فإن عليها واجباً إنسانياً بعدم تحميل الأطفال الأبرياء وزر آبائهم وأمهاتهم.

يجب إعادة هؤلاء الأطفال إلى أوطانهم، وأن يعهد بهم إلى أسر مستقرة، إذا رأت الخدمات الاجتماعية والسلطات القضائية أن ذلك ضروريا، حتى يتمكنوا من الاستمتاع بالحياة التي تخلى عنها أهلهم بحماقة وبلا مبالاة، وأرادوا العيش في عالم وهمي تحول إلى أحد أسوأ الكوابيس المريرة في التاريخ الحديث.

تغيير القيم

إذا أخفقت الدول الأوروبية في التعامل مع مواطنيها، فإن داعش ستحقق نوعًا من الانتصار "الأخلاقي" مع أتباعها، وستُمنح دعاية تستخدمها في المجتمعات المسلمة في الغرب التي تحاول الوصول إليها والتوغل فيها.

وكما قلت في مقال سابق، فقد سمعنا جميعاً الحجج التي يستخدمها المتطرفون لمحاولة ضم المسلمين إلى صفوفهم، من قبيل أن الغرب لن يقبل أبداً المسلمين، ويسعى إلى تدمير الدين الإسلامي وأسلوب الحياة الإسلامي.

سيشير تنظيم داعش إلى المتطرفين الأوروبيين الذين يكرهون الإسلام، مثل تومي روبنسون، الذين يُسمح لهم بالعمل بحرية، وسيتساءل لماذا لا يُسمح حتى للنساء والأطفال الذين عاشوا تحت حكمه ولم يشاركوا في العنف بالعودة إلى ديارهم. وسيقول داعش إن من الأفضل لهؤلاء الأشخاص أن يظلوا هاربين في الخلافة الروحية، إن لم يكن فيما تبقى من أرض الخلافة، بدلاً من محاولة العودة إلى الغرب.

لا أناقش هنا بالطبع السماح لأتباع داعش بالتجول بحرية، بل على العكس، يجب احتجازهم واستجوابهم بدقة وتقديمهم للمحاكمة، ثم سجنهم أو الإفراج عنهم. وحتى نصل إلى تلك المرحلة، فإن تورطهم مع مثل هذه المجموعة سوف يتطلب إعادة تأهيل كبيرة.

لكن أليس هذا هو الأساس في حكم القانون في المجتمعات الأوروبية؟ وماذا يفرق المتحضر عن غير المتحضر؟ إذا ترك هؤلاء الاشخاص في العراق وسوريا، فإن الدول الأوروبية تتخلى فعليًا عن واجبها في رعاية مواطنيها بعدم تقديم المسؤولين عن الإرهاب إلى العدالة. إن الدول الأوروبية إن فعلت ذلك فإنها ستخذل مجتمعاتها بالتخلي عن مبادئها التي تحدد طريقة حياتها المثالية.

إذا أفسحت الحكومات الأوروبية المجال، مستخفة بالقانون الدولي وعدم تعاطيها مع مواطنيها المتطرفين، لمئات الأطفال الذين تخلت عنهم لأن يصبحوا متطرفين حقيقيين ويتحولوا إلى تهديد للأمن العالمي في الجيل التالي، فسوف نتذكر جميعا هذه اللحظة حينما كان بإمكاننا أن نفعل شيئا، ونندم على أننا سمحنا لخوفنا وكراهيتنا أن ينالا أفضل ما لدينا.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس