ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير ترك برس

قبل 850 سنة، وضع إسماعيل الجزري أسس الآلات الحديثة عبر نموذج مفصل للإنسان الآلي.

انتشرت الروبوتات اليوم بشكل كبير إلى درجة تجعلنا نقلق من أن تستولي هذه التقنية على وظائفنا. ويعود تاريخ الإنسان الآلي إلى نحو 900 سنة مضت، حين ابتكر العالم المسلم إسماعيل الجزري أولى الروبوتات وأجهزة أخرى، على غرار الساعة المائية وغيرها من الآلات الميكانيكية. وفي خضم السعي لإلهام الأجيال الجديدة في تركيا وبقية دول العالم، تم إعادة تصنيع هذه الآلات المتميزة التي ابتكرها الجزري في السابق، ويتم الآن عرضها في معرض يونيك بإسطنبول.

كان بديع الزمان أبو العز إسماعيل بن الرزاز الجزري، المعروف باسم إسماعيل الجزري، باحثًا وعالم رياضيات مسلم وُلد سنة 1136 في ديار بكر في الأناضول. وعمل الجزري مهندسا في قصر أرتقيد الملكي خلال القرن الثاني عشر، في وقت عرف باسم "العصر الذهبي الإسلامي".

ويحظى الجزري بتقدير كبير، لا سيما فيما يتعلق بتحفته الفنية المميّزة كتاب "المعرفة عن الأجهزة الميكانيكية الخلاقة"، الذي ألّفه بطلب من السلطان الأرتقيدي ناصر الدين محمود.

قدّم الجزري في كتابه شرحا كاملا ومفصّلا عن طريقة بناء أجهزته وأجزائها الآلية من آلات رفع المياه إلى النوافير، مرفقا برسوم توضيحية وتعليمات، وهو ما أعطى الفرصة للمهندسين لإعادة استخدامها. وفي هذا الإطار، قال المهندس محمد علي جاليسكان، المؤسس والمدير العام لمشروع إعادة بناء روبوتات العصور الوسطى: "نعتقد أنه إذا أمكننا إعادة إحياء عالمه الرائع، والجمع بين الميكانيك والعلوم والفن والفلسفة، فإن هذا من شأنه أن يلهم الكثير من الناس مثل ما ألهمنا"، مضيفا أن: "نقل هذا الإلهام للجماهير أكبر دافع لدينا".

وتجدر الإشارة إلى أن محمد علي هو ابن دورموس جاليسكان، وهو مهندس ميكانيكي قام بتجميع مخطوطات الجزري لكتابه الذي صدر سنة 2015 بعنوان "الآلات الرائعة للجزري"، وهو أكثر الكتب تفصيلا عن العبقرية في العصور الوسطى باللغة التركية. كان دورموس يأمل في وضع جميع الآلات والأجهزة في "متحف الجزري".

 وبعد سنة على وفاة والده، حقق محمد علي جاليسكان وأخوه أحلام والدهما. وحيال هذا الشأن، قال محمد علي: "يعتبر المعرض الخطوة الأولى نحو حلم والدي بشأن المتحف، وتستند الخلفية الفنية للمعرض إلى جهود والدي التي بذلها طوال 15 سنة".

الجزري يلهم المهندسين حتىذ اليوم

لماذا تعتبر اختراعات الجزري مهمة جدا لجيل اليوم؟ إنها مهمة لأن العمل الذي قام به الجزري قبل 800 عام مهّد الطريق لابتكار الآلات الحديثة التي نشاهدها اليوم. وفي هذا الخصوص، كتب المؤرخ الإنجليزي دونالد هيل، الذي عاش في القرن العشرين، في كتابه "دراسات في التكنولوجيا الإسلامية في العصور الوسطى": "لا يزال تأثير اختراعات الجزري محسوسا في الهندسة الميكانيكية الحديثة المعاصرة".

قال جيم الخليلي، وهو أستاذ الفيزياء في جامعة سوراي: "ينبغي على مهندسي الجيل الجديد أن يستلهموا من أعمال الجزري، بل أكثر من ذلك، مهندسو المستقبل الشباب: تلاميذ المدارس الذين يفكرون في الهندسة كمهنة، ولكنني أشعر أنه ليس معروفًا تمامًا كما يجب أن يكون، حتى في تركيا أو العالم العربي".

في حديثه لـ "ميدل إيست آي"، قال مصطفى كاجار، الأستاذ بقسم تاريخ العلوم في جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، إن اختراعات الجزري هي النماذج الأولية للعديد من الأدوات التكنولوجية التي نستخدمها يوميا. وأضاف كاجار: "خذ محركات رباعي الأشواط على سبيل المثال، أو عجلات التروس، أعمدة الكرنك، الأنظمة الهوائية والهيدروليكية، صناديق الموسيقى، الأوتومات وأنظمة التحكم، كل هذه الابتكارات التكنولوجية تم تطويرها من قبل الجزري".

فضلا عن ذلك، شدّد كاجار على أن كتاب الجزري، "المعرفة عن الأجهزة الميكانيكية الخلاقة"، كان أهم عمل هندسي كُتب قبل عصر النهضة، قائلا إن "الجزري طوّر فكرة الإنسان الآلي الذي يقوم بعمل الإنسان أو جعله أوتوماتيكيا، وذلك قبل 250 عامًا من ليوناردو دا فينشي، وقد قدم في ذلك أمثلة ممتازة".

نهاية "العصر الذهبي" للعالم الإسلامي

خلال العصر الذهبي الإسلامي، الذي امتد من القرن الثامن إلى القرن الرابع عشر، قدم العديد من الباحثين والمتخصصين من العالم الإسلامي مساهمات كبيرة في مجموعة من المجالات العلمية، بما في ذلك علم الفلك والرياضيات والطب والجغرافيا. وأكد العلماء أن اختراعاتهم قد مهّدت الطريق لعصر النهضة والتنوير في أوروبا. فعلى سبيل المثال، قام أبو الريحان البيروني، وهو عالم فلك ورياضيات وجغرافية مسلم ولد سنة 973 فيما يعرف اليوم بدولة أوزبكستان، بقياس محيط الأرض ليقدم الحساب الأكثر دقة من بين كل الحسابات التي أُجريت خلال العصور الوسطى.

بالإضافة إلى ذلك، كان ابن سينا، الذي ولد سنة 980 في بخارى (أوزبكستان الحديثة)، طبيبا وفيلسوفا مسلما. ووصفه العديد بـ "أب الطب الحديث"، وهو صاحب كتاب "القانون في الطب"، الذي كان يستخدم ككتاب طبي في الجامعات الأوروبية حتى القرن السابع عشر.

لكن في القرن الحادي والعشرين، تراجع النشاط العلمي في الدول الإسلامية. ووفقا للبنك الدولي، فإنه خلال سنة 2016، نشرت كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على التوالي 426.165 و613.774 مقالًا في المجلات العلمية والتقنية. في المقابل، بلغ عدد هذه المقالات 40.974 في إيران و33.902 في تركيا، على الرغم من أن عدد هذه المقالات في ارتفاع.

أكد الأستاذ جيم الخليلي أن السبب الرئيسي لهذا النقص يعزى إلى أن الإمبراطورية الإسلامية، التي كانت في يوم من الأيام قوية، بدأت تتفكك وتفقد ثروتها ونفوذها ما بين القرنين الثالث عشر والخامس عشر. وأوضح الخليلي أنه "ظهرت العديد من الفصائل وكانت مهتمة أكثر بحماية حدودها ومصالحها أكثر من اهتمامها بالبعثات الدراسية والتعلم". كما أكد الخليلي أن التعلم والمعرفة يزدهران حيثما توجد الثروة. وقد ساعد اختراع المطبعة في القرن الخامس عشر أوروبا على التقدم بشكل سريع.

وأضاف الخليلي أنه "خلال عصر النهضة، أصبحت أوروبا، وبشكل مفاجئ، ثرية للغاية. فوقع اكتشاف "العالم الجديد"، وحدثت ثورة علمية بفضل رجال مثل كوبرنيكوس وغاليليو ونيوتن، الذين ساهموا في ازدهار أوروبا التي تركت العالم الإسلامي متخلفًا جدًا". ولكن بالنظر إلى حقيقة أن الحضارات تزدهر وتتراجع بشكل طبيعي، قال الخليلي إنه "في العالم الإسلامي، ولا سيما في بلدان مثل تركيا، لا يوجد سبب لعدم حدوث نهضة الآن".

ستبقى آلات الجزري الرائعة معروضة حتى منتصف حزيران/ يونيو بهدف إلهام أجيال جديدة من العلماء في تركيا وبقية العالم الإسلامي. وفي هذا الإطار، قال جاليسكان: "سنسافر إثر ذلك إلى مناطق مختلفة من تركيا وحتى في العالم، وسنعمل أيضًا على تحويل المعرض إلى متحف في غضون ثلاث أو خمس سنوات".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!