مصطفى بارودي - خاص ترك برس 

الصراع الدائم في دواخلنا جميعاً بين القيّم والمصالح مستمر، وقليلاً ما تتغلبُ القيّم على المصالح عند بعض المُصلحين، وغالباً ما تكون القيّم ضحية المصالح عند عامة الناس. فإذا عُدنا بالذاكرة الثورية عشر سنوات إلى الوراء. لنرى صورة من تَغلُب القيّم على المصالح، فإننا نستذكر ماذا جرى في منتدى دافوس الاقتصادي بين رئيس الوزراء التركي حينذاك الرئيس رجب طيب أردوغان وبين شمعون بيريز ومعه مدير تلك الجلسة. وكان ذلك حين أعُطي شمعون بيريز 25 دقيقة ليتحدث ولُيبرر أفعال دولته في قتل الأطفال على شواطئ غزة أمام ذلك الحشد الأقتصادي الدولي الذي صفق له في نهاية خداعه لهم، بينما أُعطيَّ بالمقابل الرئيس أردوغان 12 دقيقة فقط.

وبإصغاء من بيرز وصمت زعماء من مختلف البلدان، شهدت هذه الجلسة موقف كبيراً خرج عن المألوف، تحتفظ به الذاكرة الثورية، حين أخذ الرئيس رجب طيب أردوغان الكلام من مدير الجلسة الذي كان يمانع ذلك، متحدثاً أمام الحضور وموجهًا كلامه إلى شمعون بيريز "سيد بيريز: أنت أكبر مني سناً، وتحدثت بصوت عال جداً، وأعلم جيداً أن ارتفاع صوتك بهذا الشكل هو تعبيرعن نفسية متهم، لكنني لن أتحدث بصوت عالٍ مثلك..."

"... عندما نأتي للحديث عن القتل، أنتم تعرفون القتل جيداً، أنا أعلم جيداً كيف قتلتم الأطفال على الشواطئ في غزة. في إسرائيل اثنان من رؤساء حكوماتكم قالوا لي واحداً من أهم التصريحات وهو: عندما ندخل إلى الأراضي الفلسطينية على ظهر دباباتنا نشعر بسعادة غريبة. عندكم رؤساء حكومات يقولون هذا الكلام، وأستطيع أن أعطيكم أسماء هؤلاء. لا تقلقوا. وأنا ألوم الذين صفقوا لهذا الظلم، لأن التصفيق لقتلة الأطفال وقتلة البشر باعتقادي هو جريمة إنسانية أخرى. في هذا المكان لا نستطيع إغفال الحقيقة أنا دونت الكثير من النقاط لكن ليس لدي الفرصة لأجُيب عنها، فقط سأتحدث عن نقطتين: في المادة السادسة من التوراة تقول: لا تقتل. لكنكم تقتلون..."

"بالنسبة لي لقد أنتهى دافوس لن أعود إلى دافوس مرة أخرى. وأعلموا هذا جيداً. أنتم لا تفسحون لي في المجال لكي أتكلم، بيريز تحدث لـ25 دقيقة وأنتم سمحتم لي بالتحدث  لـ12 دقيقة وهذا لا يجوز" انتهى الأقتباس.

هذا ما قاله الرئيس أردوغان حينها، في مواجهة لها دلائلها الرمزية في تقديم القيّم والمثل العريقة قبل المصالح الزائلة، وأمام أكبر محفل سياسي اقتصادي عالمي: الملتقى الاقتصادي العالمي في سويسرا(منتدى دافوس). ونقارن موقف الرئيس أردوغان المشبع بالرمزية بموقف آخر حدث بعد عشر سنوات تقريباً في آخر نسخة لمنتدى دافوس. نستذكر به كيف تفترس المصالح الزائلة القيّم الأساسية الراسخة.

ففي ذلك المنتدى حين أرسل الرئيس سعد الحريري - بسبب انشغاله في تشكيل الحكومة اللبنانية - وزير خارجيته في حكومة تصريف الأعمال حينها جبران باسيل لحضور منتدى دافوس بنسخته 47 ممثلاً بالنيابة عن حكومة لبنان. وفي المنتدى نطق باسيل وليته سكت! حيث أكد باسيل أن من حق إسرائيل ضمان أمنها (أي العدوان على جيرانها وقمع المطاالبة الفلسطينية بالعودة والحرية والعدالة) وطالب باسيل اللاجئين السوريين بالعودة إلى بلادهم سريعاً، ورفض ربط عودة اللاجئين إلى بلادهم بالحل السياسي وإعادة إعمار سورية، معتبراً أن الظروف في سورية تغيرت ولم يعد من مبرر لبقاء اللاجئين في لبنان!! وبذلك يسدد جبران باسيل سلفاً في حسابه السياسي لدى نظامين جارين كان يصف أحدهما يوماً ما بأنه محتل لبلاده، وما زال يصف الآخر بذلك على حساب الأطفال والنساء والشيوخ أصحاب الحقوق عندهما، كي يحقق طموحه الشخصي الجامح في خلافة عمه الجنرال بأن يَرثُه في قصر بعبده. إن الرجال مواقف: بعضهم قمم, وبعضهم تجار ذمم!!

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس