إبراهيم قاراغول - عربي21 

"داعش" قامت بقتل الطيار الأردني معاذ الكساسبة الذي كان أسيراً عندها حرقاً داخل قفص، فانعقد لسان العالم دهشة من هذا المشهد المرعب، وجن جنون ملك الأردن، وقال: "سنهاجمهم حتى ننهيهم وتنتهي ذخيرتنا!".

قلت في نفسي حينها "يا ويلتاه!"؛ لأنهم كانوا يحاولون جر الأردن إلى الفخ، وحرق الطيار بهذا الشكل لم يكن سوى سعي لإشعال غضب الأردن، وقد بلع الملك الطعم، فقد كانوا سيجرون الأردن إلى حرب مع "داعش"، وكان الاستقرار سينعدم في هذا البلد.
 
بدأت الهجمات وملأت الأخبار القنوات لعدة أيام. تم تسكين الرأي العام الأردني، ثم هدأت الأوضاع. من المحتمل أن ملك الأردن كان يعلم أنه لا يملك القوة الكافية للقضاء على "داعش"، أو أنه تنبه للفخ. ولكن خطر "داعش" في الأردن لم ينته بعد؛ إذ إنه في جميع المنطقة يتم تطبيق سيناريو "التنظيمات"، ويتم العمل على إعادة رسم خريطة المنطقة في المستقبل. 

أسعى بإصرار إلى لفت الأنظار إلى هذا الوضع الجديد، ولكني لست متأكداً من أنه مفهوم للجميع؛ لأن الجميع في تركيا في الغالب يركز على تنظيم واحد أو حدث واحد أو دولة واحدة، ولا ينظر إلى كامل الخريطة، وهذا يصعّب من فهمنا للخطر الذي يقترب ويزيد فرصة الفوضى. 

سأعطي مثالاً آخر:
لماذا قامت مصر بضرب ليبيا؟
"داعش" قامت بخطف 21 قبطياً مصرياً في 12 شباط، وبعدها قامت بقتلهم، ونشر المقاطع المصورة للقتل. 

الأقباط يشكلون قسماً مهماً من سكان مصر، وقبل بدء الأحداث التي أطاحت بحسني مبارك بفترة قصيرة تم تفجير قنابل في العديد من أرجاء البلد، وتمت تهيئة الوضع لحرب أهلية بين المسلمين والمسيحيين، وبين العرب والأقباط. بعد فترة تبين أن مفجري هذه القنابل أشخاص منسوبون للمخابرات "الإسرائيلية" وجرت بعض الاعتقالات.

السيسي الذي قام بانقلاب على أول نظام ديمقراطي منتخب في تاريخ مصر، قام بالهجوم على ليبيا بعد انتشار الصور التي قامت "داعش" بنشرها، وقامت الطائرات المصرية بقصف مواضع محددة في ليبيا، وبدأت هجمات الانتقام.

أما في ليبيا التي لم تستطع التخلص من الفوضى منذ إسقاط القذافي، فتزداد قوة التنظيمات من جهة و"خليفة حفتر" الجنرال المتقاعد المدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى. أما الصراع بين "حفتر" و"السيسي" فهو ملفت للانتباه بدرجة كبيرة. وبما أننا ذكرناه أود إضافة ملاحظة: هذا الطريق يبدو أنه يقود إلى تمزق ليبيا.

لم يكتفِ السيسي بالتفجير في ليبيا، بل وجه نداء للأمم المتحدة، وطلب تحالفاً دولياً، واقترح على إيطاليا القيام بضربة مشتركة ضد ليبيا.

يمكننا استخراج نتيجتين من هذا: مصر أوقفت حالياً التغير الديمقراطي والانقلاب العسكري المدعوم من أوروبا والولايات المتحدة. ويبدو أن هذه القوى التي تقف خلفها لاحظت خطورة الديمقراطية في المنطقة فقررت اللجوء إلى المجلس العسكري.

طريقة الحكم في مصر تناسب الأنظمة الملكية الأخرى في المنطقة؛ لأن جميع هذه الأنظمة قامت بفتح الطريق أمام "داعش" وغيرها من التنظيمات، حين كانت تقوم بتصفية "الإخوان المسلمين" المؤثرين في المنطقة لتزيل خطر الديمقراطية.

تمت صناعة فخ كبير عن طريق "داعش"

عدنا إلى النقطة نفسها مجدداً. مصر وليبيا جزء من السيناريو الإقليمي المصنوع عن طريق التنظيمات يتضح بهذا الشكل، وهنا أقول: مهما ظن المجلس العسكري أنه يأخذ دعم الغرب ضد "داعش"، فإنه مثل الأردن وقع في الفخِ، فهو ينجرف نحو الفوضى بين أحداث سيناء من جهة، وأحداث ليبيا من الجهة الأخرى. 

ما الذي تفعله أوروبا والولايات المتحدة؟ 

من جهة تضعف تأثير "الإخوان المسلمين" عبر "داعش"، وبهذه الطريقة تكسب ثقة الأنظمة الظالمة في المنطقة، ومن جهة أخرى تقوم بإسقاط هذه الأنظمة نفسها عن طريق "داعش" أيضاً.

لاحظوا أن التنظيم المؤثر في سورية بعدها مباشرة أصبح التنظيم الأول في العراق، وبعدها تم توجيهه إلى الأردن ولبنان، والآن تزداد قوته في مصر وليبيا، وبعد فترة قصيرة قد نراه في اليمن وبلدان أخرى، وفي النهاية ستكون المملكة العربية السعودية قد أصابها فخ "داعش" وإيران إثر موقفها من "الإخوان المسلمين".

هلال "الإخوان المسلمين" تحول إلى هلال "داعش"!

منذ سنوات وأنا أكتب أن محرك قوة التغيير في المنطقة سيكون "الإخوان المسلمين" قائلاً: "هلال "الإخوان المسلمين" من السودان إلى سورية"؛ لأن في هذه المنطقة الواسعة التنظيم المعارض والقوي الوحيد هو تنظيم "الإخوان المسلمين".

وبشكل غريب بدأت الأنظمة في المنطقة وأوروبا والولايات المتحدة بتصفية الإخوان في جميع المنطقة، وهذا الفراغ بدأت "داعش" بملئه في المنطقة نفسها. 

هذه خطة مدهشة!

مشروع عميق يدور في القرن الواحد والعشرين، بدل المعارضة الحرة تنظيمات عنيفة وأفكار تقوم بتقسيم المنطقة كلها، وبهذا الشكل يُحكم استيقاظ المنطقة، وتغيرها، وتنويرها بالظلام الأعمى!

أحاول لفت الانتباه إلى خطر نشر الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة عبر التنظيمات. هناك خطر كبير قادم، وللأسف الكثير لا يشعر بهذا. القضية ليست "داعش"، فالقضية هي استراتيجية تقسيم المنطقة بفكر يخرج من التنظيمات. 

الهدف الجديد للتنظيم سيكون تركيا 

أول أهداف التنظيم هو الشيعة، لقد تحركوا ضد تأثير إيران في سوريا والعراق. كانوا يستخدمون السنة، وفجأة تغيرت الاستراتيجية، وتوجه التنظيم إلى الأكراد السنة! كان هذا تغيراً مفاجئاً لم أجد حتى الآن تبريراً واضحاً له.

الآن أول ما كان ينبغي علي أن أقوله سأقوله في الأخير: من المحتمل وبشدة أن تقوم "داعش" بضرب تركيا كما فعلت مع المنطقة بأكملها. وبصراحة أنا أخشى من أن يقوموا بهجمة على تركيا، وأظن أن "داعش" في الأشهر القادمة ستتجه نحو تركيا مثلما اتجهت نحو الأكراد.

البعض سيمتحن تركيا بهذا التنظيم، فلنكن حذرين.

 

عن الكاتب

إبراهيم قاراغول

كاتب تركي - رئيس تحرير صحيفة يني شفق


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس