د. عبد الله لبابيدي - خاص ترك برس

في ذاكرة التاريخ ليست مجزرة مسجدي نيوزيلاندا هي المذبحة الأولى التي يتعرض لها المسلمون من قبل أعدائهم، فإرهابهم سابق وقادم، فمع التتار مذابح، وفي الأندلس وبلاد الشام مع الصليبيين مذابح، وفي بلاد البلقان مع الشيوعيين والنصارى مذابح، وفي الهند وكشمير مذابح، وفي فلسطين وصبرا وشاتيلا مع اليهود مذابح، وفي بورما والفليبين مذابح، وأشدها مذبحة القرن في سورية الجريحة.

أقول إن إرهابهم قادم وحقدهم ظاهر لأنهم يكيدون للإسلام كيدًا شديدًا، فنارهم لن تنطفئ حتى يطفؤوا نور الإسلام، فهم يعملون ليل نهار للقضاء عليه وتشويه صورته، ولكن هيهات هيهات.

مجزرة مسجدي نيوزيلاندا مأساة عميقة الأثر تجسد الحقد الذي أعمى قلوبهم ليقوموا بفعلتهم متباهين بها عبر التصوير والبث المباشر، تصرفات ساخطة مزرية، من قبل همج رعاع في وقت يزين دعاة السلام أقوالهم وأفعالهم بإقامة قداس في جزيرة العرب، وبهجوم على الإمام البخاري بحجة الوسطية والاعتدال، ويدنسون المسجد الأقصى بأقدامهم (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون).

يجب أن تعي الشعوب ومعها الحكومات الإسلامية دورها وقوتها وإمكانياتها، تعي ذلك من خلال مواقف واضحة، بأن الحرب هي حرب صليبية كما أعلنها الغرب سابقًا.

فلابد من غضبة لله، وغيرة على دينه وحرماته، أناس في المسجد جاؤوا لصلاة الجمعة يقولون: ربي الله، وديني الإسلام، ونبي محمد صلى الله عليه وسلم، يُسفك دمهم ويُذبحون ذبح النعاج!

أيتها الشعوب الإسلامية لقد علَّمكم قرآنكم أن المصائب والمصاعب والابتلاءات والمحن هي طريق الوحدة والقوة، وهي طريق التوبة والرجوع إلى الله، وهي طريق النصر والفرج: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} [آل عمران:140 - 141]

وعلى الرغم من هذا الظلام الدامس، والإجرام المتكالب، فلا يزال في الأمة أمل وآمال، لنصرة هذا الدين والوقوف بجانب المظلومين، وإعادة النظر لتقويم مسار الأمة ومواقفها من أعدائها، فمن المؤكد كل التأكيد أنه لن يحفظ لأمة الإسلام حقها في قضاياها، إلا دينها وعقيدتها وقوتها الذاتية بإذن الله وتوفيقه، مع الصمود والإصرار، من أجل عيش كريم، ووجود شامخ، وعزة مؤمنة: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ} [المنافقون:8].

إن مذبحة المسجدين في نيوزيلاندا وغيرها من مذابح المسلمين لا بد أن ترسخ في ذهن المسلم قوله تعالى: (وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا) [البقرة:217] فقوله تعالى: (ولا يزالون) تدل على الاستمرار، مذابح متتابعة متواصلة، ما هو الهدف؟ الهدف هو: (حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا) فكل قتال ضد الأمة المسلمة منذ أن بزغ فجر الإسلام إلى زماننا هذا، بل إلى أن يرث الله سبحانه وتعالى الأرض ومن عليها إنه قتال ضد عقيدة الإنسان المسلم ووجوده (وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد).

وهنا لا بد من لفت الأنظار حول التعاطي الإعلامي مع هذه المذبحة وغيرها من المذابح، ففي أحداث هجوم شارلي إبدو ركزت وسائل الإعلام الأوروبية على الإرهاب الإسلامي كما يزعمون، وحشد السياسيون رؤساء العالم ليقوموا بوقفة تضامنية مع الضحايا، بينما نجد في المذابح التي ترتكب في حق المسلمين صوتهم يخنس، ويلفقون الأكاذيب مدافعين عن المجرمين بحجة الجنون والاختلال العقلي، لذلك على إعلام الأزمات في مثل هذه المذابح أن يقوم بكل حيادية ويضع المصطلحات في محلها الصحيح، ويبين للناس حقيقة المجرم القاتل، فإنَّ لذلك دورًا في تشكيل معارف واتجاهات الجمهور نحو الإرهاب الحقيقي.

فالذي أطلق شعار الإسلام فوبيا عليه إعادة النظر في شعاره، لأنه ما أراد منه سوى الحقد الصليبي ليزداد المتطرف تطرفًا، ويزداد سفك الدماء، فحجاب المرأة ليس إرهابًا، وصلاة الجمعة ليست إرهابًا، واللغة العربية لغة القرآن الكريم ليست إرهابًا، والإمام البخاري ليس إرهابيًا، والأذان ليس إرهابًا، تكرارهم لهذه المصطلحات في وسائل إعلامهم ومنها بعض وسائل إعلامنا لتترسخ في عقل وذهن المشاهد المسلم، فهذه المصطلحات المتلاعب بها هدفها أن ينفر الشباب عن الدين، ويقف بجانب الملحدين، مرددًا موضوع السلام المزيف الذي يطبلون به في إعلامهم بينما هم صانعوا الإرهاب وصانعوا الانحلال الخلقي في شباب الأمة.

مجزرة مسجدي يوزيلاندا هي الإرهاب بعينه، هذه المجزرة ليست عملًا مسلحًا كما يصفه الإعلام المتحزلق المتحيز، بل إرهاب صليبي حاقد، فهل سنرى من يشجب ويستنكر هذا العمل الإرهابي بمسماه الحقيقي في بيت من بيوت الله الآمنة من دعاة السلام والحرية والعدالة، عجبًا إلى أي مدىً قد بلغت الخسة والدناءة واللؤم والجرم في هذا العالم، غربيه وشرقيه، العالم الذي اجتمع من كل حدب وصوب ليوجه سهامه، ويصوب قذائفه على المسلمين العزل المستضعفين، ثم بعد ذلك يرمون المسلمين بتهم الإرهاب والتطرف والإجرام والترويع للآمنين؟! عجباً لهذه المقاييس المنتكسة، ولهذه الأحوال المنعكسة!

فلنحذر ولنستعد فإرهابهم قادم.

عن الكاتب

عبد الله لبابيدي

باحث في الإعلام الإسلامي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس