ترك برس

مع قرب نهاية محاكمات أعضاء حركة الخدمة التي أسسها فتح الله غولن المتهمين بالمشاركة في محاولة الانقلاب العسكري الساقط في تركيا في 2016، نشرت مجلة فورين بوليسي دراسة حذرت فيها من خطورة الحركة على الديمقراطية التركية، نظرا لما تملكه من قدرات هائلة في الخدمات الاجتماعية، كما كشفت عن مدى توغلها داخل أجهزة الدولة التركية.

ويقول معدا الدراسة إن حركة غولن حصلت على دعم المواطنين من خلال تقديم الخدمات، حيث تُظهر المعلومات الحكومية الموثوقة التي تم الكشف عنها في أعقاب محاولة الانقلاب، أن سيطرة الحركة على الخدمات الاجتماعية كانت ملحوظة، على الرغم من اختلافها حسب المنطقة.

وللكشف عن مدى عمق تأثير حركة غولن، استعان معدا الدراسة بالبيانات المتاحة للجمهور حول عملية التطهير التي تقوم بها الحكومة، لرسم خريطة مدى انتشار المنظمة عبر أحياء تركيا التي يبلغ عددها أكثر من 900 حي.  كما استخدما البيانات المستخرجة من المواقع الحكومية الرسمية حول الاستثمارات العامة المحلية في التعليم والصحة والبنية التحتية الدينية، فضلاً عن بيانات من جمعيات رجال الأعمال غير الغولنيين والأوقاف الدينية.

ووجد الباحثان أن وجود الغولنيين في مختلف قطاعات الخدمة المدنية تراوح بين 1.5 في المئة و 11.3 في المئة بين جميع موظفي الخدمة المدنية. كما كان حضورهم في التعليم ملحوظًا، حيث كان لهم تأثير على نحو 18 بالمئة من جميع مساكن الطلبة الخاصة و11 بالمئة من جميع المدارس الخاصة.

وتلفت الدراسة في هذا الصدد إلى أن الحركة شددت في المقام الأول على الجمع بين التدريب الديني والعلمي، وكانت معروفة باستخدام المؤسسات التعليمية كوسيلة لكسب ولاء كثير من الشباب ونشر أفكار غولن.

وعن توغل الغولنيين في أجهزة الدولة البيروقراطية، يذكر التقرير أن نسبتهم وصلت إلى 30 في المئة و50 في المئة في القضاء وقوات الشرطة على التوالي، وهما القطاعان البيروقراطيان اللذان ضما أكبر شبكات للغولنيين.

أما من حيث وجود الحركة على مستوى الولايات، فكان أكبر في منطقة شرق الأناضول ومنطقة بحر إيجة، وهو ما كان مفاجئًا لمعدي الدراسة، حيث إن الرأي الشائع يقول إن الإسلاميين أكثر ميلا إلى توفير الخدمات إلى المناطق المحافظة.

ووفقا للدراسة، فإن حركة غولن كانت انتهازية حيث إن تدخلها في الخدمات الحكومية كان محدودا. وارتبط تقديمها للخدمات في هذا الجانب برجال الأعمال الذين كانوا مرتبطين بنشاط بالحركة.

وتذهب كثير من الدراسات التي سبقت محاولة  انقلاب تموز/ يوليو 2016 إلى أن فتح الله غولن، منذ السنوات الأولى لحركته، دعّم اقتصاد السوق الحر كوسيلة لإنتاج الثروة التي يمكن تحويلها إلى تقديم الخدمات.

وتوضح الدراسة أن حركة غولن كانت موجهة نحو خلق مساحة للرأسمالية للتعايش مع الالتزام الديني؛ بحيث يمكن لرجال الأعمال أن يكونوا ملتزمين دينيا ويستفيدون أيضًا من التحرر الاقتصادي الذي شهدته تركيا في الثمانينيات.

وقد ذهب علماء مثل الباحث غابرييل بيريكي إلى أبعد من ذلك بمقارنة دور حركة غولن في حشد رجال الأعمال الأتقياء  بالدور الذي لعبته البروتستانتية في ريادة الأعمال في العالم المسيحي.

وتذكر الدراسة أن حركة غولن استخدمت حلقات التدارس الدينية المعروفة باسم (صحبت sohbet)، كوسيلة لاجتذاب المتدينين ذوي التفكير التجاري من أجل التجارة والشراكة. وفي المقابل يتوقع أن يتبرع هؤلاء بالمال للحركة، وهو نوع من الدعم للاستفادة من شبكات الحركة.

وفي الوقت نفسه، قدمت جمعيات الأعمال بيئة مؤسساتية لتعزيز هذه الاجتماعات وكانت بمثابة مصيدة للأعضاء المحتملين. وكلما ازداد الطابع الرسمي لهذه الجمعيات، أصبح من السهل على مسؤولي الحركة جمع الأموال المخصصة لتوفير الرعاية والخدمات.

وخلصت الدراسة إلى أن وصول مجموعة ذات دوافع غير ديمقراطية مثل حركة غولن إلى قدرات هائلة في البيروقراطية والخدمات الاجتماعية، سيكون مدعاة للقلق بالنسبة لأي حكومة.

وأضافت أن حالة حركة غولن تُظهر أيضًا أن ضمان حرية المجتمع المدني والحد من التمييز في قطاعات الأعمال والتوظيف العام أمر مهم للغاية للحكم الرشيد، للتأكد من عدم سيطرة هذه الحركة على هذه القطاعات. ومن ثم  يجب على تركيا أن تضع ذلك في اعتبارها وهي تواجه أزمات متعددة بما في ذلك الاضطرابات المالية والتهديدات الأمنية الناجمة عن الصراعات المستمرة في سوريا والعراق.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!