ترك برس

رأى الباجث الألماني، جريتيه ماوتيناو، أن العلاقات التركية الأمريكية تشهد تحولا كبيرا على الساحة الجيوسياسية، حيث لم تعد أنقرة وواشنطن تتقاسمان التهديدات أو المصالح الشاملة التي تربطهما ببعضهما، مشيرا إلى أن النخبة السياسية الحالية في واشنطن ترى أن تركيا لما تعد صديقة للولايات المتحدة، لكنها ليست عدوا، ولذلك ستواصل التعاون معها عندما تستفيد من هذا التعاون.

وفي تحليل نشره موقع نيو إيسترن أوتلوك، كتب ماوتيناو أن العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة كانت متوترة على مر تاريخها، لكنها ظلت مستمرة بذريعة التهديد الذي تتعرض له البلدان من الاتحاد السوفيتي، ولذلك تم تجاهل النزاعات وغيرها من الخلافات.

وأوضح أن جميع الرؤساء الأمريكيين منذ خمسينيات القرن الماضي حرصوا على الاعتراف علانية بالدور المحوري الذي تضطلع به تركيا في المخططات الأمريكية. وفي عقد التسعينيات، كان المسؤولون والمحللون الأمريكيون يرون أن تركيا كانت مستعدة لقيادة التنمية الاقتصادية والديمقراطية في آسيا الوسطى، مع التأثير في روسيا لصالح الولايات المتحدة.

وعلاوة على ذلك، "أدت العلاقات السريعة النمو بين تركيا وإسرائيل إلى اعتقاد واشنطن بأن واشنطن وتل أبيب وأنقرة سيصبحون شركاء طبيعيين في ضمان الهيمنة الغربية في الشرق الأوسط. كما لعبت طبيعة التعاون الأمني ​​الأمريكي التركي دورًا مهمًا في احتواء الاتحاد السوفيتي، مما أدى إلى تجاهل الطرفين لحوادث مزعجة."

ويلفت المحلل إلى أنه بعد مرور ثلاثة عقود تقريبًا على انتهاء الحرب الباردة، وجدت تركيا والولايات المتحدة نفسيهما على جانبي الطيف السياسي بشأن كثير من القضايا الدولية الكبرى.

وأرجع ماوتيناو الصعوبات التي تواجهها واشنطن في إدارة العلاقات الثنائية مع تركيا إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه حزب العدالة والتنمية، لكنه استدرك بأن معظم الصعوبات لها أسباب طبيعية سياسية يتفق عليها حتى خصوم أردوغان، مثل دعم تنظيم "ي ب ك"، وتبني فتح الله غولن.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن الرئيس التركي أردوغان يؤكد علانية على موقف أنقرة السلبي من محاولة واشنطن اليائسة للتشبث بطموحاتها في الهيمنة، حيث يدعم الأتراك فكرة إعادة رسم المشهد السياسي العالمي لجعله عالما متعدد الأقطاب.

وأشار ماوتيناو إلى أن هناك  قائمة طويلة من التناقضات التي لم تحل والتي تراكمت بين تركيا والولايات المتحدة على مر السنين. وفي مقدمتها موقف واشنطن المتصلب من نية أنقرة الحصول على أحدث أنظمة الدفاع الجوي الروسية S-400، بينما تستهدف أنقرة حلفاء واشنطن في سوريا مثل تنظيم "ي ب ك"، لأنهم يمثلون تهديدًا كبيرًا لسلامة أراضي تركيا.

ورأى أن من المحتمل أن تتضاعف قائمة التناقضات والاتهامات المتبادلة بين أنقرة وواشنطن، مما يجعل التوصل إلى تفاهم متبادل أكثر صعوبة. وقد تحاول أنقرة بسبب تأزم تعاملاتها مع الولايات المتحدة إلى البحث عن سبل جيوسياسية جديدة من خلال البحث عن علاقات أوثق مع موسكو وطهران، إلى جانب تحسين مكانتها مع الاتحاد الأوروبي.

ووفقا لماوتيناو، فإن التوتر الحالي في العلاقات الأمريكية التركية لا تترك مجالا للتفاؤل بالتصريحات التي يدلي بها مسؤولو البلدين، حيث تعمل البلدان على تطوير أجندتها الخاصة، بينما تتجاهل شكاوى البلد الآخر.

وبين أنه رغم الاتصالات المستمرة بين الجانبين، فلم يحدث أي تطور بشأن القضيتين الرئيسيتين محل الخلاف: وهما إنشاء تركيا لمنطقة أمنية في شمال سوريا، وصفقة الصورايخ الروسية.

وفيما يتعلق بالمنطقة الآمنية، فإن هناك رغبة تركية واضحة في دفع واشنطن بطريقة أو بأخرى إلى تحديد موقفها. وعلى هذا النحو يمكن تفسير تصريحات الرئيس أردوغان المتكررة بأنه إذا لم تستطع واشنطن أن تقرر ما يجب القيام به، فإن تركيا ستتصرف من تلقاء نفسها في المناطق الواقعة شرق الفرات.

أما مسألة شراء الصواريخ الروسية، فقد رفضت تركيا الصفقة التي اقترحتها واشنطن أخيرا لتزويدها بأنظمة الدفاع الجوي الأمريكية باتريوت في نهاية عام 2019 مقابل إلغاء الصفقة مع موسكو.

وفي داخل الكونغرس الأمريكي يزداد الموقف العام تجاه تركيا صعوبة أيضًا.، إذ بدأ أعضاء الكونغرس يشككون فيما إذا كانت "تركيا تستحق عضوية الناتو"، حيث يتم تفسير التعاون العسكري الروسي التركي على أنه "تهديد" لأمن الحلف.

ونتيجة لذلك، كما يقول ماوتيناو، "تقود النخبة السياسية الحالية في واشنطن سياسة الولايات المتحدة نحو فكرة أنه في المستقبل، ينبغي أن تسترشد القرارات الأمريكية بحقيقة أن تركيا لم تعد صديقة للولايات المتحدة، كما أنها لم تصبح عدوًا بعد. ولذلك ستواصل واشنطن العمل مع أنقرة عندما تكون قادرة على جني ثمار هذا التعاون، لكنها ستكون سعيدة بنفس القدر باللعب ضدها."

وخلص إلى أن الزمن وحده هو الذي سيحدد ما إذا كانت الولايات المتسحدة ستستفيد من هذا الموقف، أم سيتسبب لها في مزيد من الضرر.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!