عبير النحاس - خاص ترك برس

حدثنا أحد الأصدقاء عن أرملة سورية استشهد زوجها وتركها مع 3 أولاد، فتزوجت من رجل عربي غني، وقام هذا الزوج بتقديم النقود إلى أولاد زوجته المراهقين، وأرسلهم في رحلة هجرة غير شرعية إلى أوروبا، وبقيت الأرملة الشابة وحيدة معه، تفرقت العائلة، ولا نعلم ما الذي سيكون عليه مصير أولادها الثلاثة وحدهم في البلاد الغريبة.

بالتأكيد لم تكن هذه أكثر القصص المحزنة للنساء الأرامل السوريات فقد قامت محكمة في إدلب منذ أشهر بسجن زوج أرملة أخرى بعد أن اشتكت من أنه يقوم بتعنيف أطفالها الصغار بالضرب والشتم وكانت أثار الكدمات والصدمة النفسية بارزة على أجسادهم وشخصياتهم.

الكثير من قصص النساء الوحيدات كذلك اضطررن لإرسال أولادهم وهم في عمر المدرسة للعمل أو للتسول للمساعدة في تأمين المصاريف بعد فقدان الأب، وهو ما يجعل الأطفال عرضة للتحرش والعنف والإدمان وربما الانضمام للعصابات المنظمة لاحقا.

وما زالت الحرب تكشف للسوريين ولكثير من الشعوب عن أخطاء في منظومة المجتمع، ومنها اعتماد المرأة في المجتمع السوري على الرجال بشكل كبير في تأمين المال والعمل، وعدم تمكنها من العمل والتعليم مما أدى إلى ضياع مستقبل الكثير من أطفال هذه العائلات بعد غياب الآباء بسبب الاعتقال، أو المرض، أو الإصابة، أو الموت، والاستشهاد.

المشكلة الحقيقية أن أغلب المنظمات التي تقوم على أساس دعم المرأة والنساء السوريات مثلا ويمولها الاتحاد الأوروبي هي مجرد مكاتب وأنشطة لا معنى لها، تقدم محاضرات وأنشطة تقوم على أساس إشغال النساء فقط، وملئ أوقاتهن بمحاضرات ودروس دينية ورحلات وحفلات طعام، دون أن يكون لها أثر حقيقي وواضح على العائلات التي تقوم على رعايتها امرأة وحيدة، وطبعا هذا لا يشمل جميع المنظمات فالقليل جدا منها يقوم بتعليم النساء مهنة يستطعن من خلالها الحصول على المال لإعالة أسرهن، لكن النتائج ما زالت ضعيفة.

وفي الحقيقة تحتاج المرأة إلى دعم أكبر من قبل عائلتها أولا، وهذا لا يشمل النساء في بلاد الحروب وحسب وإنما جميع النساء في هذا العالم، وخاصة عالمنا الشرق أوسطي، والذي ما زالت تعاني فيه الكثير من النساء بسبب عدم امتلاكهن فرص التعليم والعمل واعتمادهن بشكل كامل على الرجال.

تحتاج المرأة للتعليم والعمل أولا، وإلى تجارب في الحياة تجعلها قادرة على تدبير شؤونها قبل الزواج، وهذا أمر مهم جدا لها سواء تزوجت أو بقيت دون زواج طوال حياتها وهو قدر من أقدار الله لا يمكن التدخل فيه، وهي هنا ستعيل نفسها وتحفظ كرامتها وتكون عنصرا فعالا في مجتمعها دون أن تكون عالة على الأقارب او المنظمات.

وتحتاج المرأة المتزوجة للتعليم والعمل، والقدرة على تدبر شؤون عائلتها وقيادة أولادها بشخصيتها القوية الناضجة لتكون سندا حقيقيا للرجل، وصديقا وشريكا ومساعدا قويا له، وتعينه على تجاوز الأزمات والمشكلات التي تمر بهم خلال عيشهما معا وحياتهما المشتركة، دون أن يشعر الرجل بأنه يحمل وحده كل الهموم، وأنه مضطر وحده لتأمين لقمة العيش وتدبير شؤون الحياة للأسرة.

ولعل أكثر ما تحتاج المرأة فيه لقوتها، وتعليمها، وعملها، ومهاراتها، وشخصيتها القوية القيادية ،عندما تفقد الزوج لأسباب كثيرة قد تكون لسفر أو دراسة أو مرض أو اعتقال أو موت، حينها يكون مستقبل العائلة بأكملها مرتبط بقوة الأم وقدرتها على التكيف مع الوضع الجديد وقيادة عائلتها داخل البيت والإنفاق عليها من عملها وكسبها دون أن تلجأ للمساعدات أو الزواج من أي رجل ليقوم بمهمة الإنفاق وبالتالي تخسر الكثير لو كان هذا الزواج فاشلا أو كان هذا الرجل غير جدير بتحمل المسؤولية وهو ما نراه في أغلب القصص المحزنة التي نسمع لها بشكل مستمر.

ولنتذكر دائما أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي كانت قبل زواجها منه تاجرة تستأجر الرجال للسفر ببضاعتها إلى الشام واليمن ومن هنا عرفت النبي صلى الله عليه وسلم وطلبت الزواج منه لشدة إعجابها بأخلاقه وأمانته.

وقد كانت بقوة شخصيتها وخبرتها ومالها الداعم الأكبر للنبي صلى الله عليه وسلم في دعوته، ومن أعانته بمالها في سبيل الدعوة إلى دين الله الحق وساندته حتى توفيت رحمها الله فحزن النبي صلى الله عليه وسلم عليها حزنا شديدا وسمي عام وفاتها بعام الحزن، ثم بقي يذكر حبه لها ومناقبها ويكرم صديقاتها ومعارفها بعد وفاتها وإلى أخر حياته صلى الله عليه وسلم.

هذه هي المرأة التي تحتاجها مجتمعاتنا، وتحتاجها أمتنا، وهي المرأة التي ستربي لنا أجيالا من القادة الأقوياء يتعلمون من مواقفها وخبراتها وتدعمهم بقوتها وحكمتها وتكفيهم عن الناس.

نحتاج إلى أن ننسى تلك العصور التي ابتعدت فيها المرأة المسلمة عن الحياة الاجتماعية والاقتصادية وأصبح دورها يقتصر فقط على العناية ببيتها وأولادها.

فالعناية بالأولاد لا تعني التربية أبدا، لأن العناية بهم هي أن تطعمهم وتنظفهم وتشرف على دروسهم، بينما مفهوم التربية أوسع من هذا بكثير وهي تعني أن تنمي شخصياتهم، وتهتم بعقيدتهم ،وتحيي همتهم، وعلاقاتهم، ونجاحهم في هذا العالم من خلال القدوة التي تمثلها هي لهم، فالتربية لا تكون إلا بالقدوة، ولن تربي امرأة ضعيفة رجالا أقوياء أبدا، كونوا متأكدين.

عن الكاتب

عبير النحاس

كاتبة وروائية سورية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس